الأطباء في تونس يلوحون بالإضراب في ظل غضب متزايد من تدهور القطاع الصحي
يشهد القطاع الصحي في تونس حالة من الاحتقان والتحركات الاحتجاجات التي يستمر فيها الشد والجذب بشأن الإضراب بسبب ما وصفته النقابات المهنية بـ”تدهور الأوضاع المهنية والاجتماعية” للعاملين في القطاع، في حين أن الكثيرين يعارضون الإضراب بسبب تداعياته على المواطنين والمصلحة العامة.
وأكّد نائب رئيس المنظمة التونسية للأطباء الشبان بهاء الدين الرابعي، في حديث إذاعي على راديو موزاييك الثلاثاء، أنه سيتم إيقاف جميع الأنشطة الاستشفائية والجامعية لطلبة الطب والأطباء الداخليين والمقيمين الاثنين القادم 21 أبريل في جميع المدن التونسية كحركة احتجاجية على ما اعتبره “تواصل تردي أوضاع الأطباء الشبان وتعطل الاستجابة لجملة من المطالب المهنية والاجتماعي.”
وتابع أن ”الطبيب الشاب يجب ان يتقاضى أجرا يتماشى مع قيمة العمل والقيمة العلمية المقدمة، وتحسين الظروف المادية للأطباء الشبان عبر الترفيع في منحة الإقامة والطب والمطالبة بمنحة خطر العدوى أصبح أمرا ضروريا.”
ويرى الرابعي أن تشجيع الأطباء على العمل في المناطق الداخلية، والحد من هجرة الأطباء، لن يتم إلاّ بتوفير خدمة صحية ذات جودة للمواطن عبر توفير التجهيزات اللازمة في المستشفيات العمومية.
ويأتي حديث الرابعي بالتزامن مع موجة من الجدل بشأن الأحكام التي صدرت ضد مدير قسم الصيدلة ومدير الصيانة والمديرة العامة السابقة بمركز التوليد وطب الرضع بتونس في قضية “وفاة الرضع.”
واعتبرت المجالس الوطنية للأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة بتونس في بيان مشترك أنّ من صدرت بشأنهم الأحكام تحمّلوا لوحدهم مسؤولية نظام صحي بأكمله.
وزارة الصحة تؤكد التزامها بالحوار مع الشركاء الاجتماعيين، وسعيها لتحسين أوضاع عاملي القطاع ضمن الإمكانيات
وأضافت المجالس أنّ “ما حدث يعود إلى تدهور القطاع الصحي العمومي على مدار عقود طويلة في ظل غياب موارد بشرية ومادية لازمة للمؤسسات العمومية”. ودعت كل مهنيي الصحة إلى التضامن المطلق والمشاركة في يوم الغضب في 17 أبريل الجاري.
وطالبت هذه الهيئات المهنية سلطة الإشراف بحماية حقوق العاملين في القطاع الصحي وتوفير التشريعات القانونية التي تضمن العدالة وتحفظ حقوقهم.
وفي الخامس من أبريل الجاري، قضت الدائرة الجناحية لدى محكمة الاستئناف بتونس بإقرار إدانة المتّهمين بسجن كلّ واحد منهم مدة 8 أشهر عن كلّ قضية من 14 قضية منشورة في حقّهم.
كما أقرّت الدائرة الجناحية المتعهدة غرامة مالية قدرها ثلاثون ألف دينار لفائدة كلّ عائلة متضررة من وفاة رضيعها.
من جهتها، عبّرت وزارة الصحة عن أسفها لقرار الإضراب، مؤكدة التزامها بالحوار مع الشركاء الاجتماعيين، وسعيها لتحسين أوضاع العاملين في القطاع ضمن الإمكانيات المتاحة. ودعت إلى “تغليب المصلحة العامة” وعدم تعطيل الخدمات الصحية المقدّمة للمواطنين.
ويشهد القطاع الصحي في تونس تحديات كبيرة، منها نقص الموارد البشرية والمعدات، وتزايد الضغط على المستشفيات، خاصة بعد جائحة كوفيد-19.
كما يعاني العديد من المهنيين في القطاع من ظروف عمل صعبة، وتأخر في صرف المستحقات المالية بينما يحذّر متابعون من أن الاضراب قد يؤدي إلى شلل في الخدمات الطبية، وتأخير في مواعيد العمليات والاستشارات، مما قد يؤثر سلبًا على صحة المرضى، خاصة في المناطق الداخلية التي تعتمد بشكل كبير على المستشفيات العمومية. كما قد يزيد من الضغط على أقسام الاستعجالي، التي ستواصل العمل خلال الإضراب.
ويُتوقع أن تشهد الأيام المقبلة تحركات من قبل المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية للضغط من أجل إيجاد حل سريع لهذه الأزمة، وضمان استمرارية الخدمات الصحية للمواطنين، مع الحفاظ على حقوق العاملين في القطاع.
ويشتكي المواطنون الذين يتوجّهون إلى المستشفيات العمومية ومؤسسات الصحة العمومية بشكل عامّ من طول الانتظار للمرور أمام الطبيب بسبب الاكتظاظ والعدد الكبير للمرضى، فضلا عن قيام بعض الموظفين بدعوتهم إلى التوجّه لعيادة خاصّة أو مطالبتهم بدفع مبلغ مالي حتى يسرّعوا في عمليّة تسجيلهم وبالتالي فحصهم.
العديد من المهنيين في القطاع يعانون من ظروف عمل صعبة، وتأخر في صرف المستحقات المالية
وتتضاعف الأزمة في المناطق الداخلية التي تشكو من قلة عدد الأطبّاء العاملين وانحسار عدد المؤسّسات الصحّية وعدم توفّر المعدّات والآلات الطبّية فيها.
وأكدت تصريحات رسمية متتالية أن أكبر تحدّ يواجه صنّاع القرار بالقطاع الصحّي منذ سنوات طويلة هو نقص أو فقدان طب الاختصاص بالمناطق الداخلية المحرومة من البلاد والمتمثّلة في الشريط الغربي والجنوب لذلك تواجه وزارة الصحة ضغوطا كبيرة بسبب العدد الهزيل من الطواقم الطبية المتخصصة خصوصا أن مناطق مثل قفصة وتوزر وسيدي بوزيد والقصرين ومدن الجنوب الشرقي كلها في أمس الحاجة إلى طب الاختصاص في مختلف المجالات إضافة إلى النقص الحاصل في التجهيزات والمعدات.
وأعلنت وزارة الصحة العام الماضي أنه تم تعيين خمسة وأربعين طبيب اختصاص، للعمل داخل مناطق مختلفة من الجمهورية.
وقد تم خلال جلسة العمل التي جمعتهم بوزير الصحة السابق علي المرابط اختيار مراكز العمل من قبل الأطباء الجدد الحاضرين وفق جدول المناطق التي تشكو من غياب/ نقص أطباء الاختصاص.
وأشار الوزير أيضا إلى أن الوزارة تعمل على تحسين ظروف عمل مهنيّي الصحة بكل أصنافهم، وعلى إسداء الخدمات الصحية في مناخ يرتقي بالمنظومة الصحية الوطنية.
تتكوّن المنظومة العلاجيّة العموميّة في تونس من 3 خطوط أساسيّة. يتمثّل الخطّ الأوّل في مراكز الصحّة الأساسية التي بلغ عددها 2113 مركزا سنة 2021، إلى جانب المستشفيات المحلّية البالغ عددها 110 مستشفى إلى حدود 2021.
فيما يتمثّل الخطّ الثاني في 35 مستشفى جهويا موزّعة على كلّ المناطق التونسية وعددها 24 ولاية. في حين يتكوّن الخطّ الثالث من 22 مؤسّسة عموميّة للصحّة، أو ما يُعرف بالمستشفيات الجامعيّة التي يتركّز جلّها في تونس التي تضمّ لوحدها 12 مستشفى جامعي. فيما تتوزّع بقيّة المستشفيات الجامعيّة على ولايات منّوبة وسوسة وصفاقس وأريانة وبن عروس والمنستير وزغوان.
ويبلغ عدد الأطباء لكلّ 1000 شخص في تونس 1.3 في القطاع العامّ. ورغم زيادة عدد الأطبّاء في تونس خلال العقدين الأخيرين، إلّا أنّ المناطق الداخليّة مازالت تشكو غياب الأطبّاء، وفق ما تؤكّده دراسة أصدرها المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية في مارس 2024، تحت عنوان “هجرة مهنيي الصحّة: تحديّات لمنظومة الصحّة التونسية؟”
ويتسبّب ضعف عدد الإطارات الطبّية وشبه الطبّية في الجهات الداخلية والمستشفيات الجهوية في مشاكل إضافيّة للمرضى في المناطق المهمّشة حيث يجدون أنفسهم مضطرّين لقطع مسافات طويلة للوصول إلى أقرب مستشفى جهوي أو محلّي، ومن ثمّ انتظار موعد قد يأتي متأخّرا جدّا أو نتائج تحليل لا تصدر إلّا بعد فوات الأوان.