أسبوع التراجع.. بداية النهاية لهيمنة ترامب السياسية بأمريكا؟

وكالة أنباء حضرموت

شهد الأسبوع الماضي تراجعًا لافتًا في هيمنة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالسياسة الأمريكية، والتي طالما قُدِّمت على أنها "قوة مطلقة".

إذ يشير تقرير لمجلة "بوليتيكو" الأمريكية، إلى أن هيمنة الرئيس دونالد ترامب بدأت تتصدع تحت وطأة تحديات عدة، بدءًا من تمرد داخل حزبه الجمهوري ووصولًا إلى انتقادات لاذعة من حلفاء سابقين في "وول ستريت" والإعلام اليميني.

وبعد أشهر من سياسات التصعيد التي شملت فرض رسوم جمركية قاسية على الشركاء التجاريين، واستهداف مؤسسات اقتصادية وقضائية، وتهديد الحلفاء التاريخيين مثل كندا والمكسيك، بدا أن إستراتيجية ترامب القائمة على "الصدمة والترهيب" تواجه تحديات لم تدر بخلد ترامب ولا حتى مستشاريه.

التراجع المفاجئ
في منعطفٍ مفاجئ، أعلن ترامب أمس، تأجيل فرض رسوم جمركية جديدة بنسبة 25 في المائة على واردات الصلب والألومنيوم من الاتحاد الأوروبي والصين لمدة 90 يومًا.

جاء هذا القرار بعد أيام من خطاب متشدد وصف فيه الحرب التجارية بأنها "معركة وجودية طويلة الأمد"، وحث فيه المستثمرين على "الهدوء وعدم الخضوع للخوف".

لكن مصادر مقربة من البيت الأبيض، قالت إن القرار لم يكن جزءًا من خطة مدروسة، بل نتاج ذعر داخلي بسبب انهيار غير مسبوق في سوق السندات الحكومية الأمريكية التي تُعتبر مؤشرًا رئيسيًا على ثقة المستثمرين العالمية. 
إذ انخفضت عوائد سندات الخزانة لمدة 10 سنوات إلى أدنى مستوى منذ فبراير/شباط 2023، مما أثار مخاوف من ركود وشيك.

وبينما حاول وزير الخزانة، سكوت بيسنت، تبرير القرار بالقول إن "75 دولة طلبت التفاوض"، اعترف ترامب نفسه، في تصريح غير مألوف، بأنه شعر بالقلق من رد فعل الأسواق، وقال: "رأيت الليلة الماضية أن الناس بدأوا يشعرون ببعض القلق... يتحركون قليلًا".

هذا الاعتراف يكشف عن تناقض صارخ مع صورته كـ"رجل لا يتراجع"، ويعري هشاشة السياسات القائمة على التهديدات غير المُحسوبة، وفق "بوليتيكو".

تمرد الكونغرس
لم تكن الضربة القادمة من الأسواق هي الأخطر، بل تلك التي جاءت من داخل الحزب الجمهوري ذاته.

وفي مجلس النواب، فشل رئيس المجلس، مايك جونسون، رغم ضغوطات هاتفية مكثفة من ترامب، في تمرير تصويت على مشروع ميزانية يقترح خفض الإنفاق الفيدرالي بمقدار 1.5 تريليون دولار، بسبب تمرد 22 نائبًا جمهوريًا محافظًا رفضوا المساس ببرامج الرعاية الاجتماعية.

بل إن النائب آندي هاريس، أحد أبرز مؤيدي ترامب، رفض حتى الرد على مكالمات البيت الأبيض، واصفًا الخطة بأنها "انتحار انتخابي".

أما في مجلس الشيوخ، فقد تجاوز التمرد كل التوقعات عندما انضم 7 جمهوريين، بينهم السناتور المخضرم، ميت رومني، إلى الديمقراطيين لإقرار إجراء يلغي الرسوم الجمركية المفروضة على كندا، متحدين بذلك سياسة ترامب المعلنة.

كما قدمت مجموعة من الأعضاء مشروع قانون بقيادة السناتور، تود يونغ، لسحب صلاحية الرئيس في فرض رسوم دون موافقة الكونغرس، في خطوة تُهدد بإعادة رسم توازن القوى الدستورية بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.

حلفاء الأمس: من الولاء إلى التمرد العلني
حتى الحلفاء الذين ساهموا في إعادة انتخاب ترامب رئيسا، بدأوا ينقلبون عليه. ففي وادي السيليكون، هاجم "إيلون ماسك" الذي كان يُعتبر المستشار غير الرسمي للرئيس في التكنولوجيا، كبير مستشاري التجارة، بيتر نافارو، واصفًا إياه في تغريدة حذفها موقع "إكس" لاحقًا، بأنه "أغبى من كيس حجارة".

كما أطلق بيل أكرمان، مدير صندوق التحوط الشهير، تحذيرًا قاتمًا من "شتاء اقتصادي نووي" بسبب الحروب التجارية، مشيرًا إلى أن وزير التجارة، هوارد لوتنيك، يستفيد من الأزمة عبر صفقات استثمارية مشبوهة.

الشارع الأمريكي: تراجع الدعم وارتفاع السخط
لم تنجُ صورة ترامب أيضًا من اختبار الرأي العام. فقد كشف استطلاع جامعة كوينيبياك الذي نُشر اليوم الخميس، أن 62 في المائة من الأمريكيين يعارضون سياساته الجمركية، بينما أظهر استطلاع "إيكونوميست/يوغوف" أن نسبة عدم الرضا عن أدائه قفزت إلى 51 في المائة، مع تراجع دعمه بين الجمهوريين بنسبة 7 نقاط في ولايات مثل أوهايو وبنسلفانيا.

وحتى داخل قاعدته الشعبية، بدأت أصوات تنتقد تبني الحزب لخطاب "الشعبوية الاقتصادية" على حساب الاستقرار المالي، على حد قول "بوليتيكو".

وفي مؤشر على اتساع الفجوة بين ترامب والناخبين، اضطر الرئيس إلى إلغاء تجمع مُخطط له في ولاية ويسكونسن— المعقل التقليدي للعمال— بعد احتجاجات نظمها عمال مصانع السيارات الذين خسروا وظائفهم بسبب الرسوم على المكونات الصينية.

ما وراء الكواليس
في محاولة لاحتواء الأزمة، استضاف ترامب عشاءً للجنة الوطنية الجمهورية الخميس الماضي، حيث حاول استرضاء النواب المتمردين بوعود خفض الإنفاق بمقدار تريليون دولار خلال عقد.

لكن خطابه الذي تضمن عبارات مثل "أغمضوا أعينكم ووافقوا"، زاد من سخط الحضور، وفقًا لشهود.

وعلق السناتور، ليندسي غراهام، لاحقًا بالقول: "الرئيس يعيش في عالم موازٍ... وعوده غير واقعية، ومحاولاته لتخويفنا لن تجدي".

وفي إشارة إلى فقدان السيطرة، كشفت تسريبات من البيت الأبيض أن ترامب هدد علنًا بفصل مسؤولين في وزارة التجارة وصفهم بـ"الفاشلين"، بينما طلب من مستشاريه "إيجاد عدو جديد" لتحويل الانتباه عن الأزمة.