عباس عراقجي يبحث في الجزائر تخفيف ثقل الضغوط الإقليمية عن إيران
يخيم المناخ الإقليمي المتوتر في المنطقة على زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى الجزائر، بدءا من اهتزاز مكانة إيران بعد سقوط أذرعها السياسية والعسكرية في سوريا ولبنان، مرورا بالوضع في قطاع غزة، وصولا إلى علاقاتها المتوترة مع الولايات المتحدة، وهو الثقل الذي تريد تخفيفه مع أحد الأصدقاء النادرين لها في المنطقة، حيث لا تزال الجزائر تحافظ على روابطها وعقيدتها الدبلوماسية مع طهران، وتسجل توافقا معها في العديد من الملفات.
وأعلن وزير الخارجية الإيراني من الجزائر عن مفاوضات غير مباشرة ستحتضنها سلطنة عمان بين إيران والولايات المتحدة السبت المقبل، قائلا إن “التوصّل إلى اتفاق نووي مع الولايات المتحدة، ممكن خلال المباحثات المذكورة، في حال أبدت الولايات المتحدة إرادة حقيقية.”
وتندرج زيارة عراقجي في سياق القيام بحملة علاقات عامة لدى واحدة من العواصم الصديقة للتعبير عن موقف بلاده من الخلاف النووي مع الولايات المتحدة، ومباشرة حملة النأي ببلاده عن التهديدات الأميركية والإسرائيلية وبدرجة أقل دول المنطقة، في ظل خطة قصقصة الأجنحة التي تتعرض لها منذ عدة أشهر.
وتمر إيران بتحولات جيوسياسية متسارعة منذ سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا وتهاوي ذراعها العسكرية في لبنان خلال الأشهر الماضية، وتبقى وفية لصديقتها النادرة في شمال أفريقيا، خاصة وأن الجزائر تبقى من البوابات المؤهلة لديها للانفتاح على العالم الغربي، فضلا عن صمود توافقاتهما التاريخية أمام التحولات التي تشهدها المنطقة والعالم.
ومنذ وساطة الجزائر في قضية الرهائن الأميركيين في ثمانينات القرن الماضي، والتقارب المبدئي بين قيادتي البلدين بعد استيلاء الثورة الإسلامية على السلطة في طهران، ظل الطرفان متوافقين على عدة ملفات إقليمية، خاصة في الشرق الأوسط وأفريقيا، وحتى حادثة قطع العلاقات الدبلوماسية العام 1997، على خلفية اتهام طهران بدعم المجموعات المسلحة، سرعان ما تم احتواؤها خلال الأيام الأولى لقدوم الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة إلى السلطة في خريف العام 1999.
ويرى متابعون لشؤون المنطقة أن تصاعد القوى المناهضة لإيران في لبنان وتراجع نفوذ حزب الله باتا مصدر إزعاج لحكام إيران، ولا يستبعد أن تبحث الاستعانة بدور جزائري في الملف، كون الجزائر تحتفظ بعلاقات إيجابية مع لبنان.
وكانت الجزائر سحبت خلال شهر مارس الماضي سفيرها في لبنان رشيد بلباقي دون أن تقدم توضيحات حول أسباب ذلك، واستخلفته بالدبلوماسي كمال بوشامة، لكن مصادر لبنانية تحدثت حينها عن امتعاض القيادة السياسية في بيروت من نشاط مشبوه للسفير المذكور مع حزب الله، وهو ما يوحي بتقاطع بين مصالح إيرانية – جزائرية إذا صحت الفرضية المذكورة.
وتحافظ الجزائر على موقفها الثابت بشأن شرعية جماعة حزب الله، كقوة مقاومة ضد الاحتلال وليست تنظيما إرهابيا، شأنها في ذلك شأن حركة حماس الفلسطينية، وحركة أنصار الله اليمنية، وهو مصدر توافق بين البلدين، عكس بعض حكومات المنطقة التي تصنف الأذرع الإيرانية في خانة الإرهاب، وتتبنى موقفا معاديا لطهران، خاصة بالنسبة لدول الخليج العربي.
وذكر عراقجي خلال زيارته إلى الجزائر أن بلاده “مستعدة لإزالة الغموض المحيط ببرنامجها النووي، ونحن واثقون من الطابع السلمي لبرنامجنا، ولا نرى مشكلة في بناء المزيد من الثقة ما دامت هذه العملية لا تشكل قيدا علينا أو عقبة أمام أهداف إيران.”
وأوضح أن مقابل بناء الثقة، يجب رفع العقوبات التي فُرضت “بشكل غير عادل” على إيران بسبب اتهامات قال إنه “لا أساس لها”، وأن الهدف الأساسي في المفاوضات مع واشنطن هو رفع العقوبات.
وأضاف “إن كانت لدى الطرف المقابل الإرادة اللازمة والكافية، يمكن التوصل إلى اتفاق. إذا جاء الطرف الآخر إلى عُمان بإرادة حقيقية، فسنصل بالتأكيد إلى نتيجة.”
وحظي رئيس الدبلوماسية الإيرانية باستقبال من طرف الرئيس عبدالمجيد تبون بحضور مسؤولين كبار في الدولة في مقدمتهم وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف.
وأفادت الخارجية الجزائرية بأن “أحمد عطاف أجرى محادثات على انفراد مع نظيره الإيراني، تلتها جلسة عمل موسعة شارك فيها أعضاء وفدي البلدين”.
وسمحت المحادثات بين الطرفين باستعراض مختلف جوانب العلاقات الثنائية بين الجزائر وإيران، والبحث في سبل تعزيزها وتقويتها في مختلف المجالات.
وقالت الخارجية الجزائرية إن “الجانبين تطرقا بإسهاب إلى تطورات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، مع التركيز على المستجدات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، لاسيما في ظل العدوان المستمر على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة”.
ويرتبط البلدان بمشروع تعاون توج بزيارة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي للجزائر في مارس 2024، يتضمن ست اتفاقيات تعاون في قطاعات اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة والسياحة والتراث الثقافي والسياحي والصناعات التقليدية الإيرانية.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، في منشور عبر صفحته على منصة إكس، “نحن الآن في الجزائر العاصمة الجميلة في زيارة رسمية. نحن عازمون على تعزيز العلاقات الثنائية في كافة المجالات لما فيه صالح البلدين”.
وكان الرئيس الجزائري قد تلقى مؤخرا مكالمة هاتفية من نظيره الإيراني اتفقا خلالها على لقاء يجمعهما في طهران أو الجزائر عما قريب.