سلطنة عمان الوسيط الصامت يمهد لنزع فتيل التوتر بين أميركا وإيران

وكالة أنباء حضرموت

من المنتظر أن تجري محادثات مباشرة بين وفد أميركي وآخر إيراني يوم السبت في سلطنة عمان، ما يسلّط الضوء مجددا على دور السلطنة في التدخل في الوقت المناسب لنزع فتيل التوترات في المنطقة وما راكمته من نجاحات في مهمات الوساطة التي قامت بها بأسلوب ذكي ودون ضجيج أو استعراض إعلامي، وهو دور بات معترفا به ومطلوبا.

ومنذ نجاحها في رعاية المفاوضات التي قادت إلى الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية في 2015، باتت السلطنة وجهة ذات مصداقية لدى الغرب، وخاصة لدى الأميركيين، وسيمثل اجتماع مسقط فرصة لتأكيد دورها.

واعتبر محمد العريمي الكاتب والباحث العماني في الشؤون السياسية أن الاجتماع المرتقب بين الولايات المتحدة وإيران، في مسقط، يشكل لحظة اختبار حقيقية للنوايا السياسية، لاسيما من الجانب الإيراني.

وقال العريمي في تصريح لـ”العرب”، “نحن في عُمان نأمل أن يشكل اجتماع مسقط بداية فعلية لحوار مباشر يعيد بناء الثقة بين الطرفين، خصوصا أن سلطنة عُمان لعبت دورًا تاريخيًا وموثوقًا في جهود التهدئة، كما حدث في محادثات ما قبل الاتفاق النووي خلال إدارة باراك أوباما.”

وأشار إلى أن “إيران لم تعد اليوم في الموقع ذاته الذي كانت عليه قبل سنوات، حيث أن نفوذها الإقليمي تراجع، والضغوط الاقتصادية تتزايد، ما يمنحها فرصة ذهبية لإعادة التموضع، والتفاعل مع المبادرات المطروحة بعقلانية سياسية،” مضيفا أن “هناك مؤشرات أميركية تدل على استعداد للتسوية، شريطة أن تبقى الخطوط الحمراء واضحة، وفي مقدمتها منع إيران من امتلاك سلاح نووي.”

وأكد العريمي “من هنا، يصبح من الضروري تغليب لغة الحوار على منطق التصعيد، فالعالم اليوم لم يعد يحتمل حروبًا جديدة. فالتنمية والاستقرار أضحيا أولوية، والتصعيد سيكلف الجميع أثمانًا باهظة.”

ورغم أن سلطنة عمان تمتلك علاقات متقدمة مع إيران، ما يوحي أحيانا بالانحياز، إلا أن ذلك يمثل نقطة قوة لدى مسقط تمكنها من أن تنقل صورة دقيقة للإيرانيين عن المحاذير والمخاطر التي تحيط بملفات التفاوض وخاصة في الوقت الحالي، حيث يظهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب حزما أكبر وعزما على تقليص نفوذ طهران إقليميا والضغط للتوصل إلى اتفاق حاسم في برنامجها النووي.

ولا شك أن الإيرانيين قد وجدوا خلال الأزمة الحالية في سلطنة عمان القناة المثالية لإيصال رسائل الطمأنة للأميركيين بشأن التزامهم بالتهدئة الشاملة في المنطقة واستعدادهم لوقف دعم المجموعات الموالية لهم مثلما هو الأمر بالنسبة إلى الحوثيين وكذلك الميليشيات الحليفة في العراق، وهو ما يفسر الانفراجة مع واشنطن وإعلان ترامب بنفسه عن عقد لقاءات مباشرة في مسقط، وهو أمر لم يكن ليتم لو لم تصل تعهدات واضحة من طهران عبر سلطنة عمان.

ويرى مراقبون أن التوصل إلى اتفاق جديد وحاسم بين إيران وإدارة ترامب، بالرغم من لحظة التوتر القصوى التي تعيشها المنطقة، سيحول السلطنة إلى مرجع في حل الأزمات الإقليمية.

وخلال السنوات الماضية كانت سلطنة عمان وجهة لاجتماعات بعضها معلن والبعض الآخر سري بهدف التوصل إلى حل لوقف الحرب في اليمن بدعم من إيران والسعودية والولايات المتحدة. كما أمّنت لقاءات بين مسؤولين أميركيين وحوثيين، وقبلها بين الأميركيين والإيرانيين ما سهل مهمة التوصل إلى اتفاق 2015.

وأعلن ترامب ليل الاثنين بشكل مفاجئ، أن بلاده ستبدأ مباحثات “مباشرة” رفيعة المستوى مع إيران بشأن برنامجها النووي السبت المقبل، وذلك خلال استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض.

لكن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أكد الثلاثاء على موقف طهران بضرورة أن تكون المفاوضات غير مباشرة مشيرا إلى ما وصفه بضغوط وتهديدات أميركية.

وتثير تحذيرات ترامب من عمل عسكري التوتر في الشرق الأوسط مع اشتعال الأوضاع في المنطقة المُصدرة للنفط منذ 2023 بسبب الحرب في غزة والأعمال القتالية في لبنان والغارات في اليمن وتبادل إطلاق النار بين إيران وإسرائيل والإطاحة بالنظام السابق في سوريا.

وقال ثلاثة مسؤولين إيرانيين إن طهران تعتبر تحذيرات ترامب وسيلة لإجبار الجمهورية الإسلامية على قبول تنازلات في المحادثات التي طالب الرئيس الأميركي بإجرائها وإلا تعرضت للقصف.

وأضافوا أن واشنطن ترغب أيضا في طرح قضايا أخرى، منها النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط وبرنامج طهران للصواريخ الباليستية، والتي قالوا إنها غير مطروحة للنقاش.

تحذيرات ترامب من عمل عسكري تثير التوتر في الشرق الأوسط مع اشتعال الأوضاع في المنطقة المُصدرة للنفط منذ 2023

وقال مسؤول إيراني كبير “يريد ترامب اتفاقا جديدا: إنهاء نفوذ إيران في المنطقة، وتفكيك برنامجها النووي، ووقف أنشطتها الصاروخية. هذه أمور لا تقبلها طهران. لا يمكن تفكيك برنامجنا النووي.”

وقال مسؤول آخر “دفاعنا غير قابل للتفاوض. كيف يمكن لطهران نزع سلاحها وإسرائيل تملك رؤوسا نووية؟ من يحمينا إذا ضربتنا إسرائيل أو غيرها؟”

ورفضت إيران تحذيرات ترامب باتخاذ إجراء عسكري مؤكدة أن التهديدات لن تخيفها.

وقال عراقجي لوكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء (إرنا) إن “المفاوضات غير المباشرة تضمن حوارا حقيقيا وفعالا.” وأضاف أن المحادثات سيقودها هو ومبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف بوساطة من وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي.

وأكد مصدر مطلع على الخطط الأميركية للمحادثات أن ويتكوف سيقود الوفد الأميركي، وأن المناقشات ستكون شاملة سعيا للتوصل إلى اتفاق نووي، ولن تكون فنية بطبيعتها.

وذكرت مصادر إيرانية وإقليمية أن طهران ترغب في رؤية مبادرات أميركية ملموسة قبل أيّ محادثات مباشرة بين الطرفين.

وقال دبلوماسي إقليمي “أبلغنا الإيرانيون أن المحادثات المباشرة ممكنة، ولكن يجب أن تكون هناك بادرة حسن نية. مثل رفع بعض العقوبات أو إلغاء تجميد بعض الأموال.”

وقال المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف الثلاثاء إن روسيا تدعم إجراء محادثات مباشرة أو غير مباشرة بين إيران والولايات المتحدة وتراها فرصة لتهدئة التوتر، مضيفا “نعلم أن هناك اتصالات معينة، مباشرة وغير مباشرة، مخططا لها في عمان.”