الإعلام الفرنسي يسخر من الترويج للدفع الإلكتروني كإنجاز جزائري استثنائي
تحوّل تدشين مسؤولين جزائريين لمنظومة الدفع الإلكتروني إلى مادة للجدل على منصات التواصل الاجتماعي وفي الإعلام الفرنسي. واعتبر نشطاء هذه الخطوة مظاهر شعبوية موجودة في كل الدول ولا تستحق تدشين رسمي ولا تليق بصورة الجزائر، في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد.
وعلقت صحيفة لوموند الفرنسية على التدشين بتخصيص أحد أعمدتها الرئيسية للحديث عن إدخال الجزائر نظام الدفع الإلكتروني بنوع من التهكم، مشيرة إلى أنها “تعيش في عالم مواز،” في إشارة ساخرة إلى الحملة الإعلامية الواسعة التي رافقت هذا الحدث، وكأنه إنجاز استثنائي.
وتطرقت الصحيفة في مقالها المنشور الجمعة، إلى الهوة الكبيرة بين جهود الحكومة الجزائرية لتحديث النظام المصرفي وبين الواقع العملي، حيث ما يزال المسؤولون يتعاملون مع البطاقات البنكية وكأنها تكنولوجيا ثورية.
وأثار هذا المشهد ردود فعل واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ رأى الكثيرون أن الجزائر لا تزال متأخرة في رقمنة اقتصادها، رغم محاولات الإصلاح المستمرة، وأعاد الكثيرون نشر مقال الصحيفة الفرنسية معتبرين أن المسؤولين الجزائريين لا يعبأون بصورة البلاد عن التعامل مع أحداث عادية وطبيعية في كل الدول على أنها إنجاز حكومي مهم، وجاء في تعليق:
zine_ouali@
في 2025، مسؤول جزائري يكتشف البطاقة البنكية كما لو أنه يضع قدمه على سطح القمر لأول مرة! التحول الرقمي عندهم أشبه بفيلم خيال علمي… لكن بإنتاج رديء! الفضيحة أصبحت عالمية، حتى Le Monde تتحدث عن تأخرهم! #الجزائر_الجديدة #التكنولوجيا_على_طريقة_العسكر.
وكتب ناشط:
benazziAbdelja2@
لم أكن أعلم أن الجزائر لا يوجد بها نظام الدفع الإلكتروني حتى شاهدت احتفالا بتدشين لأول مرة بداية الدفع الإلكتروني فاستغربت نحن في 2025 ولازالت الجزائر متخلفة في النظام البنكي والمعاملات التجارية الحديثة ويطلع علينا الرئيس تبون بتصريح دون حياء ليعلن أن الجزائر ثالث اقتصاد عالمي.
وجاء في تعليق:
adam_tt88@
الأولوية يجب أن تكون لقطاع الدفع الإلكتروني. الجزائر آخر بلد في العالم في هذا المجال. يجب أن يختفي الكاش من أغلب المعاملات لتحسين الجباية الضريبة وتطوير التجارة. غير معقول تماما الوضع الحالي.
وسخر ناشط:
krim237@
أفغانستان شمال أفريقيا.
تدشين أول جهاز نقاط بيع الإلكتروني في دولة أفغانستان مبروك هذا الإنجاز العظيم.
وعلقت مغردة:
la3yon_OFFICIEL@
هذه جريدة ورقية جزائرية نشرت خبرا يوم الثلاثاء 14 ديسمبر 2004 مفاده أن نظام الدفع الإلكتروني بالجزائر سيطبق مع نهاية سنة 2005، إلا أنه لم يطبق إلا في سنة 2025 يعني 20 سنة كم هو رهيب هذا الفارق الزمني! وكم هو جميل هذا التأخر!
وحاولت بعض الحسابات الدفاع عن الحكومة ورد التهمة بمهاجمة الدول العربية والزعم بأنها متأخرة مقارنة بالجزائر:
krimou011264@
العديد من الدول العربية والأفريقية متخلفة في هذا المجال. الدفع الإلكتروني متوفر في الجزائر منذ 15 سنة. الحديث الآن هو الدفع عن طريق الجوال (التليفون)! لماذا السخريةً؟ لقد زرنا الكثير من الدول العربية وكلهم متخلفون ما عدا الذين أجبروا من الغرب لإن الغرب هو الذي يسير أمورهم.
بعض الحسابات حاولت الدفاع عن الحكومة ورد التهمة عنها بمهاجمة الدول العربية والزعم بأنها متأخرة مقارنة بالجزائر
وأشارت الصحيفة الفرنسية في تقريرها عن منظومة الدفع الإلكتروني الجزائرية إلى أن الدفع النقدي ما زال الخيار الأكثر انتشارًا بين الجزائريين، رغم توفر البطاقات البنكية وأجهزة الدفع الإلكتروني.
وأرجعت ذلك إلى ضعف البنية التحتية، وتردد التجار والمستهلكين في استخدامها، إضافة إلى الأعطال التقنية المتكررة التي تزيد من حالة الإحباط لدى المواطنين، وتُبقي المعاملات الرقمية في دائرة محدودة.
كما أن الجو السائد في البلاد هو انعدام الثقة بالحكومة الجزائرية التي أعلنت في نوفمبر الماضي السماح باستخدام بطاقات الدفع الدولية مثل فيزا وماستر كارد، زاعمة أنها تهدف إلى جذب المستثمرين والسياح. كما أطلقت حملة توعوية عبر “بريد الجزائر” لتعزيز استخدام البطاقة الإلكترونية “الذهبية” وتطبيق “بريدي موب”.
ورغم ذلك يبقى المواطنون متخوفين من فاعلية هذه الإجراءات، بسبب الأعطال المتكررة ونقص السيولة في النوافذ الآلية، ما يعطل تجربة المستخدم ويؤدي إلى إحجام الكثيرين عن الاعتماد على أنظمة الدفع الحديثة.
وسلطت الصحيفة الضوء على انتشار مقاطع فيديو لمسؤولين جزائريين بدوا مندهشين أمام أنظمة الدفع الإلكتروني، وهو ما اعتبرته تجسيدًا للفجوة العميقة بين الطبقة الحاكمة والواقع الاقتصادي والاجتماعي للجزائريين.
الحكومة تسعى إلى تحسين صورتها من خلال حملات دعائية عن الإصلاحات والمبادرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية
وأضافت أن الجزائر لا تزال أمامها طريق طويل لتحقيق تحول رقمي فعلي، خاصة في ظل العراقيل التقنية، وانعدام الثقة في القطاع المصرفي، وسيطرة المعاملات النقدية على الحياة اليومية.
ومنذ سنوات ينتشر في الجزائر على نطاق واسع جدا استعمال الهواتف الذكية، في كافة الميادين، كما يحمل الملايين من الجزائريين البطاقات البنكية والبريدية، غير أن غالبيتهم يحجمون عن دخول عالم الدفع الإلكتروني.
وتحدث خبراء عن التخلف في مجال الدفع الإلكتروني بالجزائر، حيث أصبح محط كل الأنظار في العالم، وانعكس سلبا على صورة البلد وإمكاناته وطموحه، في ظل نظام معولم وأكثر قوة، من ناحية كفاءة أنظمة المعلومات المالية والتقنية.
وأرجعوا السبب إلى ضعف الإرادة السياسية، بسبب سيطرة “لوبيات” ريعية، تشتغل أساسا في الأسواق العينية والنقدية الموازية، التي لا يمكنها أن تتعايش مع رقمنة الإدارة.
وقال مصدر مطلع إن الجماعات البيروقراطية تنتعش من أموال مجهولة المصدر في الغالب، وتشغلها في إطار عمليات تبييض بأسواق مثل العقار والسيارات.
وأكد أنها عطلت كافة المشاريع العمومية في ميدان المالية والنقد والضرائب والأنظمة التجارية، بهدف إيجاد حالات الارتياب في البيانات، والمحافظة على معدل الاستفادة بطريقة متسارعة. ومن أهم مظاهر ذلك التعطيل هو إجهاض عمليات الإمضاء والمصادقة الإلكترونيين، وهما قاعدة عمل الدفع الإلكتروني، مما عقّد أكثر فأكثر مهمة الحكومة.
وجزم بوجود تكلفة باهظة يتحملها الاقتصاد الوطني جراء تلك الممارسات، على عكس بلدان أفريقية نجحت في إرساء الدفع الإلكتروني بإمكانات محلية.
في المقابل تسعى الحكومة إلى تحسين صورتها من خلال حملات دعائية عن الإصلاحات والمبادرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. غير أن متابعين يؤكدون تلميع صورة الحكومة الجزائرية يبقى مرهونًا بمدى تنفيذ الإصلاحات بفاعلية واستجابة الدولة لمطالب الشعب بصدق وشفافية. فالتغيير الحقيقي لا يكون بالشعارات فقط، بل بالإجراءات الملموسة التي يشعر بها المواطن في حياته اليومية.