تجنيد الأطفال في تندوف يستنفر المنظومات الحقوقية

وكالة أنباء حضرموت

حذرت المنظمة الأفريقية لحقوق الإنسان من استمرار ظاهرة تجنيد الأطفال في مخيمات تندوف، معتبرة أن هذا الانتهاك يشكل خرقا صارخا للمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الطفل، ومشيرة إلى أن استخدام الأطفال في النزاعات المسلحة يهدد مستقبلهم ويحرمهم من أبسط حقوقهم مثل التعليم والعيش في بيئة آمنة ومستقرة.

ويمثل تجنيد الأطفال في مخيمات تندوف انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان ويستدعي تحركًا دوليًا عاجلًا، بتعزيز جهود الرقابة، وإيجاد حلول دائمة لسكان المخيمات، من خلال توفير التعليم والرعاية الاجتماعية، وكسر دائرة الاستغلال التي تحوّل الأطفال من ضحايا إلى أدوات في صراعات لا تخصهم.

وتطرقت المنظمة الأفريقية تحديدا إلى اتفاقية حقوق الطفل والبروتوكول الاختياري بشأن إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة، وأدانت في بيان هذه الممارسات “غير الإنسانية” التي تعرّض الأطفال لخطر كبير.

وطالبت المجتمع الدولي، وعلى رأسه الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، بتحمل مسؤولياته والتدخل العاجل لوقف هذه الانتهاكات وحماية الأطفال في المخيمات، داعية الجهات المسؤولة في المخيمات إلى وقف تجنيد الأطفال فورا وتمكينهم من حقهم في حياة كريمة وآمنة، مع فتح تحقيق دولي مستقل حول هذه الانتهاكات وتقديم المتورطين في تجنيد الأطفال إلى العدالة، وشددت على التزامها بالدفاع عن حقوق الأطفال وضرورة العمل على إنهاء جميع أشكال استغلالهم.

ومنذ سنوات تواصل الكثير من المنظمات الحقوقية سعيها لإيجاد حلول لوضع مخيمات تندوف التي تحولت إلى مراكز لتجنيد الأطفال، وأطلق المركز الدولي للأبحاث حول الوقاية من تجنيد الأطفال نداء دوليا عاجلا في جنيف مطالبا بتعبئة عالمية لضمان العودة الآمنة والفورية للأطفال المجندين قسرا من قبل الجماعات المسلحة؛ بما في ذلك ميليشيات بوليساريو، كما طالب الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بتحمل مسؤولياتهما والتدخل العاجل لوقف هذه الانتهاكات.

وأدان بيدرو إغناسيو ألتاميرانو، رئيس مؤسسة ألتاميرانو، الأوضاع المزرية التي تعيشها مخيمات تندوف، واصفا إياها بـ”مراكز الاعتقال غير القانونية”، كما ندد بالانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان في هذه المخيمات، والتي تشمل تجنيد الأطفال واستغلالهم العسكري، وأضاف أن المجتمع الدولي يجب أن يعترف بمخيمات تندوف كأماكن احتجاز غير قانونية ويتخذ التدابير اللازمة لضمان احترام حقوق الإنسان في هذه المناطق.

ودعت المنظمات غير الحكومية مجلس حقوق الإنسان وآليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى التحقيق العاجل وفتح المخيمات أمام المنظمات الدولية، مع مطالبة الجزائر بتحمل مسؤولياتها؛ ما يطرح تساؤلات حول إمكانية تحريك الآليات الدولية لمواجهة هذه الانتهاكات.

وأكدت اللجنة المستقلة لحقوق الإنسان في أفريقيا أن الحقوق الأساسية داخل مخيمات تندوف تتعرض لانتهاكات خطيرة، منها القيود المفروضة على حركة اللاجئين التي تساهم في عزلة هؤلاء الأشخاص وتحرمهم من الفرص الاقتصادية والتعليمية وغيرها، مطالبة بتنفيذ القانون الإنساني الدولي وتطبيق إجراءات عاجلة لحماية حقوق الأطفال وتنفيذ القانون الإنساني الدولي لحماية اللاجئين والأطفال في المخيمات.

وأكد محمد سالم عبدالفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، في تصريح لـ”العرب” أن هناك انتهاكاً آخر يتمثل في إقحام هؤلاء الأطفال في ما يسمى بـ”المدارس العسكرية”، التي تعتمد نظاما صارما يقوم على التدريبات العسكرية والعقوبات، بالإضافة إلى إجبارهم على القيام بأعمال السخرة، مع تلقين الأطفال، سواء داخل هذه المدارس المزعومة أو في القواعد العسكرية، أفكاراً متطرفة وخطاباً يحض على الكراهية والعنف، مضيفا أنه يتم عزلهم عن أسرهم وبيئتهم الاجتماعية الطبيعية، ويُلقنون أيديولوجيات بعيدة كل البعد عن القيم السمحة للمجتمع الحساني المغربي، وهو ما يهدف إلى تحويل الأطفال إلى أدوات تابعة لأجندات سياسية متطرفة.

تجنيد الأطفال في مخيمات تندوف يمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان ويستدعي تحركًا دوليًا عاجلًا

وأوضح عبدالفتاح أن الأطفال يتم تجنيدهم بشكل مباشر في صفوف الميليشيات المسلحة، حيث يخضعون لتدريبات عسكرية شاقة ويتعرضون لعقوبات صارمة، كما تستخدم هذه الميليشيات الأطفال كوقود للنزاع، من خلال إرسالهم إلى مناطق خطرة، ما يعرض حياتهم وسلامتهم للخطر.

وقد حذرت تقارير أممية من خطورة عمليات التجنيد التي ترعاها الجزائر في مخيمات تندوف، والتي تساهم في زيادة نسب حمل السلاح في صفوف الأطفال والشباب، ومنعهم من الحصول على مستقبل تعليمي، إذ تعد مراكز تجنيد أطفال في تندوف أحد التحديات الكبيرة التي تواجه الأمم المتحدة، حيث تحرص الجزائر على منع الوصول إليها.

في السياق ذاته حذر عبدالوهاب الكاين، رئيس المنظمة الأفريقية لمراقبة حقوق الإنسان (أفريكا ووتش) ونائب منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية، من الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الأطفال الصحراويون، مؤكدًا مسؤولية الجزائر عن حماية قادة بوليساريو من أي مساءلة قانونية، ومشددا على ضرورة إيقاف برنامج “عطل من أجل السلام”، الذي يُستخدم لتهجير الأطفال الصحراويين إلى الخارج، ما يؤدي إلى فصلهم عن ثقافتهم الأصلية وعائلاتهم البيولوجية.

وقال المركز الدولي للأبحاث حول الوقاية خلال مؤتمر دولي تحت عنوان “أطفال شمال أفريقيا.. الولوج إلى التعليم والحماية والتنمية”، المنظم على هامش الدورة الثامنة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، التي ستختتم أعمالها بتاريخ 4 أبريل المقبل في جنيف، إن مخيمات تندوف جنوب غرب الجزائر تشكل إحدى أبرز البؤر التي يتم فيها تجنيد الأطفال قسرا منذ عام 1982 من قبل ميليشيات بوليساريو، حيث يخضع القاصرون لتلقين عسكري وأيديولوجي صارم، ويتم استخدامهم كجنود وجواسيس وعمال بالسخرة وحتى دروع بشرية؛ ما يحرمهم من أبسط حقوقهم الأساسية.

بدورها أدانت منظمة “ماتقيش ولدي” استمرار استغلال الأطفال في النزاعات المسلحة، بما في ذلك الممارسات التي تنتهجها ميليشيات بوليساريو في تجنيد القاصرين قسرا، وتحويلهم إلى أدوات في صراعات تهدد أمنهم النفسي والجسدي وتنتهك حقوقهم الأساسية، رغم أنها تتعارض مع كل المواثيق الدولية، بما في ذلك اتفاقية حقوق الطفل والبروتوكول الاختياري بشأن إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة، مع محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات أمام المحاكم الدولية المختصة؛ بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية، نظرا لكون تجنيد الأطفال يُعد جريمة حرب.