زيارة الدروز إلى إسرائيل تثبّت وضعهم في مرحلة حاسمة من تأسيس "سوريا الجديدة"

وكالة أنباء حضرموت

عبَر وفد يضم نحو ستين رجل دين من الدروز السوريين خط الهدنة في مرتفعات الجولان المحتل إلى إسرائيل الجمعة في أول زيارة من نوعها منذ حوالي خمسين عاما. وأثارت الزيارة ردود فعل كبيرة داخل الطائفة الدرزية، في وقت يقول فيه مراقبون إن كسر حاجز المقاطعة من شيوخ الطائفة يأتي امتدادا لتغييرات كثيرة تشهدها المنطقة وتمس الكثير من المسلمات.

ويشير المراقبون إلى أنه من الصعب اتهام شيوخ الدروز، الذين يزورون إسرائيل، بالعمالة كما كان يحصل في السابق حين كان المتعاملون معها يتهمون بالعمالة مثلما حصل مع سعد حداد وغيره، لافتين إلى أن الطائفة التي كانت تلتزم بالموقف السوري والعربي في مقاطعة إسرائيل لم تحصل على مكاسب تحفظ هويتها وتساوي بينها وبين طوائف أخرى حصلت ولا تزال تحصل على امتيازات اقتصادية وسياسية واعتراف بخصوصيتها الثقافية والدينية، في حين يجد الدروز أنفسهم مهمشين.

وتتزامن الزيارة مع التوترات الطائفية في سوريا بعد المجازر المروعة ضد العلويين في الساحل، واستفزاز الدروز أنفسهم من خلال محاصرة مدينة جرمانا ومحاولة فرض القبضة الأمنية عليها، ما يوحي بأن الزيارة تهدف إلى البحث عن الأمان من خلال توحيد الطائفة وتمتين الروابط بين أبنائها في إسرائيل وسوريا، حتى وإن تم التعامل معها على أنها تطبيع أو عمالة أو تآمر على الثورة الجديدة.

وحتى لو تم التعامل مع الزيارة على أنها احتماء بالعدو، فإن هذا لا يدين الطائفة بل يدين من دفعها إلى البحث عن الأمان في مكان آخر يصنف على أنه عدو بينما تتزايد مخاوف الطائفة بسبب سيطرة جماعات إسلامية مسلحة على السلطة في سوريا.

◙ الطائفة التي كانت تلتزم بالموقف السوري والعربي في مقاطعة إسرائيل لم تحصل على مكاسب تحفظ هويتها وتساوي بينها وبين طوائف أخرى

ووصل الوفد في ثلاث حافلات رافقتها مركبات عسكرية إسرائيلية إلى بلدة مجدل شمس في الجولان السوري، وتوجه شمالا للقاء الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز في إسرائيل الشيخ موفق طريف. ثم توجه الوفد إلى زيارة مقام النبي شعيب في بلدة جولس بالقرب من طبريا.

واستقبل الزوار نحو مئة درزي ورحبوا بهم عبر ترديد الأغاني التراثية والتصفيق فيما لوح عدد من الشباب بالرايات الدرزية باللون الأخضر والأحمر والأصفر والأزرق والأبيض.

وارتدى بعض الرجال الزي الأسود التقليدي واعتمروا عمامة بيضاء تشبه الطربوش وتتميز بغطائها الأحمر. وقال جمال أيوب (61 عاما)، وهو مزارع جاء من الجليل للترحيب بعمه ضمن وفد الشيوخ، لوكالة فرانس برس “كنا ننتظر لقاءهم منذ سنوات طويلة، إنها لحظة مؤثرة جدا.”

ويتوزّع الدروز بين لبنان وإسرائيل والجولان المحتل وسوريا، ولاسيما في محافظة السويداء المجاورة للقنيطرة في الجنوب. لكن مصدرا درزيا قال إن الزيارة لقيت “معارضة شديدة” داخل المجتمع السوري، علما أن الدروز يمثلون أقل من 3 في المئة من عدد سكان سوريا.

وأدان أهالي قرية حضر التي يسكنها سوريون دروز زيارة الوفد. وقالوا في بيان "نستنكر زيارة بعض المشايخ إلى فلسطين المحتلة تلبية لدعوة جهات موالية للاحتلال وأن إسرائيل تستغل زيارة دينية لزرع الانقسام في الصف الوطني."

ويقيم في إسرائيل والجولان المحتل حوالي 150 ألف درزي. وأغلبهم في إسرائيل يحملون الجنسية الإسرائيلية ويعملون في صفوف الجيش. غير أن أغلب المقيمين في الجولان المحتل، والبالغ عددهم 23 ألفا، لا يحملون الجنسية الإسرائيلية وما زالوا يعتبرون أنفسهم مواطنين سوريين.

احتلت إسرائيل معظم مرتفعات الجولان عام 1967، وأعلنت ضمها عام 1981، في خطوة لم تعترف بها سوى الولايات المتحدة. وتأتي زيارة الوفد في وقت عبرت فيه إسرائيل عن دعمها للدروز في سوريا وعدم ثقتها بقادة البلاد الجدد.

وعقب الإطاحة بنظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي شنت إسرائيل المئات من الغارات الجوية على سوريا وتوغلت قواتها في المنطقة العازلة منزوعة السلاح في الجولان جنوب غرب سوريا.

وقال المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية ديفيد مينسر الخميس إن 10 آلاف طرد من المساعدات الإنسانية أُرسلت إلى "الدروز في مناطق تشهد معارك في سوريا" خلال الأسابيع القليلة الماضية. وأضاف للصحافيين أن "إسرائيل لديها تحالف شجاع مع إخوتنا وأخواتنا الدروز."

وأثارت التصريحات الإسرائيلية مؤخرا جدلا في سوريا، بعدما قال وزير الدفاع يسرائيل كاتس مطلع مارس “إذا أقدم النظام على المساس بالدروز فإننا سنؤذيه،” وذلك إثر اشتباكات محدودة في مدينة جرمانا الواقعة في ضاحية دمشق والتي يقطنها دروز ومسيحيون.

وأبدى قادة ومرجعيات دينية درزية رفضهم للتصريحات الإسرائيلية. وأكدوا تمسكهم بوحدة سوريا. وتجري حاليا محادثات بين ممثلين عن طائفة الدروز والإدارة الجديدة في سوريا للتوصل إلى اتفاق يضمن دمج فصائلهم المسلحة في وزارة الدفاع السورية.