العراق أمام لحظة الحقيقة: انعدام الخيارات حيال الاعتماد على غاز إيران
يسعى العراق إلى إيجاد بدائل عن واردات الغاز الإيراني قبل حلول فصل الصيف، بعد سنوات من المراوغة والتأخير، ليجد نفسه أمام لحظة الحقيقة في ظل موقف حاسم من الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي أنهي الإعفاء الممنوح لبغداد الذي يسمح لها بالاعتماد على الغاز الإيراني لتأمين حاجتها إلى الكهرباء.
ويرى مراقبون أن حكومة محمد شياع السوداني تجد نفسها أمام وضع تنعدم فيه خيارات التخلي عن إيران لاستيراد الغاز، فعلى الرغم من أن العراق كان يدرك اعتماده الكبير على الغاز الإيراني لتشغيل محطات الكهرباء، إلا أن الجهود لتوفير مصادر بديلة كانت محدودة.
ويعرف العراقيون أن التعامل مع إدارة ترامب ليس هو نفسه مع الإدارات السابقة، وأن أسلوب المراوغة أو إعلان موقف وتنفيذ خلاف ذلك سيجلبان لحكومة السوداني مصاعب وسيربكان علاقتها بواشنطن مع إدارة متحفزة.
ألف ميغاواط على العراق أن ينتجه من الكهرباء في السنة ليحول ذلك دون انقطاع التيار الكهربائي
ولا يزال العراق يعتمد على الغاز الإيراني في الوقت الحالي لتلبية حاجته، لكن هذا الاستمرار يثير استياء الولايات المتحدة التي تسعى بشكل متسارع إلى وقف هذا الاعتماد كجزء من جهودها للضغط على إيران وفرض العقوبات.
وقال المسؤول في وزارة الكهرباء العراقية سعد فريح جاسم إن العراق “لم يتوقف حتى الآن عن استيراد الغاز” من إيران. ولم تمدّد الإدارة الأميركية الإعفاء الممنوح للعراق منذ عام 2018 لشراء الكهرباء من طهران رغم العقوبات الأميركية على إيران.
ولم تتطرّق إدارة ترامب علنا إلى مسألة واردات الغاز العراقية. لكن دبلوماسيا أميركيا قال لوكالة فرانس برس، طالبا عدم الكشف عن هويته، إن “الإدارة أوضحت للحكومة العراقية أن عليها إحراز تقدّم سريع لوقف جميع مشتريات الغاز الطبيعي الإيراني.”
ورغم المحاولات الجارية لاستيراد الغاز من قطر وتركمانستان، بالإضافة إلى خطة لاستئجار محطات عائمة للغاز الطبيعي، لا تزال هذه الخيارات تواجه عقبات لوجستية تجعل من الصعب الاعتماد عليها في المدى القريب.
وقال جاسم “من الخيارات المطروحة تركيب منصات عائمة للغاز الطبيعي في جنوب البلاد،” مشيرا إلى أن بغداد يمكن أن تلجأ إلى الاستيراد من قطر وعُمان.
وأضاف جاسم، وهو مدير عام قسم الوقود، “هي بدائل لكي لا نعتمد على مصدر واحد. المصدر الوحيد كان المستورد من إيران. هناك توجيهات حكومية وإرادة سياسية بالاعتماد على عدة مصادر من الاستيراد لتحقيق الاكتفاء الذاتي.”
ويمثّل استيراد الغاز والكهرباء من إيران ثلث حاجة العراق إلى الطاقة. ويتمتع البلد بثروة نفطية هائلة، لكنّ عقودا من الصراعات والحروب تركت آثارا كبيرة، وبنية تحتية متداعية. ويشهد العراق انقطاعات يومية في التيار الكهربائي.
وقال جاسم “علينا أن نفكّر في الاحتمال الأسوأ. في حالة حصل القطع، نكون قد أعددنا بدائل لهذا الأمر.” وأضاف أن من بين الخيارات تركيب منصتين عائمتين للغاز الطبيعي في ميناء خور الزبير، متصلتين بشبكة الكهرباء عبر خط أنابيب بطول 45 كيلومترا. وتابع “الإرادة موجودة ووصلت نسبة إنجاز الأنبوب بالتعاون مع ملاكات وزارة النفط إلى 95 في المئة، في فترة قياسية،” على أمل أن يتم تشغيل المنشآت اعتبارا من الأول من يونيو القادم. وأعرب عن أمله في “تقليل الضرر الواقع إذا حصل قطعٌ للغاز الإيراني.”
وعن الغاز البديل قال المسؤول العراقي “قطر أكبر منتج للغاز الطبيعي في المنطقة. قمنا بعدة زيارات إليها، وهم (القطريون) أبدوا استعدادهم لمساعدة العراق وحتى بأسعار تفضيلية.” وأشار إلى أن “عُمان لديها إنتاج أيضا” يمكن أن يسعى العراق للحصول عليه.
وأوضح جاسم أن المنصتين العائمتين ستعالجان ما بين 500 و700 مليون قدم مكعب يوميّا، أي ما بين 14 و19 مليون متر مكعب. وأعرب عن أمله في “التمكّن من تركيب وحدة ثالثة، فيمكننا أن نصل إلى 800 أو 900 مليون قدم مكعب.” ومن شأن ذلك أن “يعوّض النقص في الغاز الإيراني في عموم المنطقة الجنوبية.”
وتجري المفاوضات أيضًا لشراء الغاز من تركمانستان الذي يمكن أن يتم تسليمه عبر خطوط الأنابيب التي تمرّ عبر إيران، وفقا للمسؤول العراقي.
بغداد تسعى باستمرار للحفاظ على توازن حساس في علاقاتها بين الجارة النافذة إيران والولايات المتحدة، الحليف الإستراتيجي
وأشار إلى أن العراق يمكن أن يحصل من تركمانستان على ما بين 16 و18 مليون متر مكعب يوميا، بعد أن تحصل إيران ذاتها على نسبة محددة من الغاز مقابل السماح بالمرور.
ويرى جاسم أن “مسألة الطاقة حيوية بالنسبة إلى المواطن، وأن قطع الغاز يعني قطعا لإمدادات الطاقة الكهربائية بشكل كبير.”
وتسعى بغداد باستمرار للحفاظ على توازن حساس في علاقاتها بين الجارة النافذة إيران والولايات المتحدة، الحليف الإستراتيجي.
ومن أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة تسعى حكومة السوداني، التي وصلت إلى السلطة بدعم الأحزاب المقربة من إيران، بشكل خاص إلى القضاء على حرق الغاز المصاحب بحلول عام 2028. بعد ذلك سيتمّ استخدام هذا الغاز، المحترق حاليا في حقول النفط، لتشغيل محطات الطاقة.
وفي السنوات الأخيرة كانت إمدادات الغاز الإيراني غير منتظمة بالفعل، بسبب المستحقات المتأخرة التي يتوجب أن يدفعها العراق لإيران، وأيضا بسبب زيادة الاستهلاك المحلي الإيراني.
وتخفّض طهران بانتظام الكميات التي يتم تسليمها للعراق، ما يؤدي إلى تزايد انقطاع التيار الكهربائي في بلد يبلغ عدد سكانه 46 مليونا، لاسيما خلال ذروة الاستهلاك في الصيف، عندما تتجاوز الحرارة 50 درجة مئوية.
وفي عام 2024 جدّدت بغداد وطهران اتفاق استيراد الغاز لمدة خمس سنوات، مع إمكانية الوصول إلى تسليم 50 مليون متر مكعب يوميا.
لكن بغداد تحصل حاليا على 15 مليون متر مكعب فقط يوميا، من أصل 25 مليونا ينبغي تسليمها من حيث المبدأ خلال هذه الفترة من العام، وفقا لجاسم.
وتعتبر قضية الكهرباء حساسة جدا بالنسبة إلى العراق الذي تهزّه بانتظام تظاهرات عندما يتزايد انقطاع الكهرباء في الصيف.
ويقول جاسم إن على العراق أن ينتج حوالي 55 ألف ميغاواط من الكهرباء في السنة ليحول ذلك دون انقطاع التيار الكهربائي. بينما وصل الإنتاج حاليا إلى نحو 16 ألف ميغاواط. وتهدف الوزارة إلى تجاوز 27 ألف ميغاواط في الصيف المقبل.