لقاء الحكيم - الكاظمي مؤشر على تحالف انتخابي جديد داخل العائلة السياسية الشيعية في العراق

وكالة أنباء حضرموت

استهل رئيس الوزراء العراقي السابق العائد حديثا إلى العراق بعد غيابه عنه منذ نحو ثلاث سنوات بلقاء مع عمار الحكيم زعيم تيار الحكمة الوطني والقيادي في الإطار التنسيقي الشيعي المشكّل للحكومة الحالية بقيادة محمّد شياع السوداني، الأمر الذي أثار التساؤلات بشأن العلاقة التي ستجمع الكاظمي مع الإطار التنسيقي وإن كان سيقوم بدور الوسيط وحامل الرسائل بينه وبين واشنطن نظرا إلى علاقات الرجل الواسعة داخل الولايات المتّحدة، أم أنّه سيكتفي بالتحالف مع قوى بعينها داخل الإطار ضدّ قوى أخرى سبق لها أن ناصبته عداء شديدا وفرضت عليه ضغوطا كبيرة خلال فترة قيادته للسلطة التنفيذية.

وتشكّل عودة الكاظمي متغيّرا سياسيا هاما على الساحة العراقية في مرحلة الاستعداد لإجراء الانتخابات البرلمانية المقررة لأواخر السنة الحالية، في انتظار المتغيّر الآخر الكبير متمثّلا في عودة رجل الدين مقتدى الصدر بتياره الوطني الشيعي لممارسة العمل السياسي والمشاركة في الانتخابات والتي باتت متوقّعة أكثر من أيّ وقت مضى منذ توجيه الصدر لأنصار تياره بتحديث معطياتهم الانتخابية.

ولن تكون عودة الكاظمي والصدر من دون تأثير على تركيبة التحالفات القائمة داخل البيت السياسي الشيعي الموسّع، حيث لا تبدو الصيغة الحالية المعتمدة على قيادة الحكومة عن طريق الإطار التنسيقي قابلة للاستمرار والتجدّد خلال الانتخابات القادمة بعد أن أصبحت قوى الإطار تتعايش داخله على مضض بسبب استشراء الخلافات في ما بينها وهي خلافات مرشحة للتصاعد بسبب التنافس على المواقع في السلطة بما في ذلك منصب رئيس الوزراء نفسه.

◙ ضعف موقف حلفاء إيران المحليين وخوفهم من الضغوط جعلا عودة رئيس الوزراء السابق ممكنة في هذه الفترة

وقالت مصادر سياسية عراقية إن ما جعل من عودة الكاظمي ممكنة في الوقت الحالي على الرغم من أنّ بعض القوى الممسكة بالسلطة حاليا تكنّ له عداء شديدا وتوجّه له تهما تتراوح بين اتهامه بالفساد ومعاداة الحشد الشعبي و”العمالة لواشنطن”، أن الرجل يستطيع أن يكون مفيدا لقوى الإطار في حال رغبت في استغلال شبكة علاقاته الواسعة داخل الولايات المتحدة للتواصل مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وتفادي “ضغوطها القصوى” التي لم تفتأ تتوعّد بها إيران وأذرعها في المنطقة بما في ذلك حلفاؤها العراقيون من أحزاب وفصائل شيعية مسلّحة.

لكنّ متابعين للشأن العراقي يلفتون إلى أنّ علاقة الكاظمي بالقوى الشيعية بمختلف أحزابها وفصائلها ليست على نفس السوية، وأنّ الرجل كان منذ فترة رئاسته للحكومة أميل إلى بعض القوى والشخصيات التي يرى أنّها معتدلة قياسا بغيرها ولم تشارك في استعدائه وتسليط الضغوط على حكومته.

ورأى هؤلاء أن الاختيار على شخصية عمار الحكيم في أول لقاء للكاظمي بعد عودته إلى بغداد تعطي مؤشّرا أوليا على الشق السياسي الذي قد ينحاز إليه ويتحالف معه خلال الانتخابات المقبلة.

ومع وجود قوى وشخصيات داخل الإطار التنسيقي مناوئة لرئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني وعاملة على منع تجديد ولايته على رأس الحكومة لفترة ثانية، أصبح الحكيم أحد أبرز حلفاء السوداني إلى جانب رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي ورئيس الحشد الشعبي فالح الفياض وآخرين، في مقابل معسكر مضاد يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الذي تقول بعض المصادر إنّه ما يزال يحتفظ بالطموح إلى العودة لقيادة السلطة التنفيذية لفترة ثالثة بعد الفترتين السابقين اللتين امتدتا من سنة 2006 إلى سنة 2014.

◙ عودة الكاظمي تشكّل متغيّرا سياسيا هاما على الساحة العراقية في مرحلة الاستعداد لإجراء الانتخابات البرلمانية المقررة لأواخر السنة الحالية

ويظل السؤال المطروح بمناسبة عودة مصطفى الكاظمي إن كان الرجل سينضم إلى معسكر السوداني – الحكيم وخوض الانتخابات القادمة من خلاله.

وخلال اللقاء الذي جمع في بغداد رئيس الوزراء السابق بزعيم تيار الحكمة الوطني هنّأ عمار الحكيم مصطفى الكاظمي بعودته إلى العاصمة بغداد.

وقال المكتب الإعلامي للكاظمي إنّه “تم خلال اللقاء البحث في مختلف المواضيع الداخلية والتطورات الجارية على مستوى المنطقة. وأكّد الجانبان على ضرورة الحفاظ على الدولة والنهوض بمؤسساتها وخدمة العراق وأهله على ضوء التحديات والمخاطر المحدقة.”

وشدّد الطرفان بحسب بيان للمكتب “على إدامة التواصل وتقريب وجهات النظر بين مختلف الفرقاء السياسيين لصياغة رؤية جامعة ترتكز على استثمار اسم العراق ومكانته وإمكاناته وكفاءاته في مختلف المجالات.”

من جهته كتب الكاظمي في حسابه على منصّة إكس قائلا “استقبلنا زعيم تيار الحكمة الوطني سماحة السيد عمار الحكيم، وبحثنا في مختلف المواضيع الداخلية، والتطورات الجارية على مستوى المنطقة.”

وأضاف قوله “نحن مدعوون جميعا إلى إدامة التواصل وتقريب وجهات النظر بين مختلف الفرقاء السياسيين لصياغة رؤية جامعة ترتكز على استثمار اسم العراق ومكانته وإمكاناته وكفاءاته في مختلف المجالات،” مذيلا تعليقه بشعار “العراق أولا”.

◙ عودة الكاظمي والصدر لن تكون من دون تأثير على تركيبة التحالفات القائمة داخل البيت السياسي الشيعي الموسّع

ويمكن للكاظمي أن يكون مفيدا لمن يتحالفون معه سياسيا حيث يتجاور في شخصيته البعدان الأمني من خلال رئاسته السابقة لجهاز المخابرات، والسياسي من خلال قيادته للحكومة في فترة انتقالية حساسة أعقبت الانتفاضة الشعبية التي شهدها العراق سنة 2019 وأطاحت بحكومة عادل عبدالمهدي وجاءت بحكومة الكاظمي كبديل توافقي عنها حيث لم يكن الرجل محسوبا ضمن معسكر الأحزاب الشيعية التي طالب المنتفضون آنذاك بسقوط نظامها.

وكان الكاظمي قد غادر البلاد بعد انتهاء ولايته على رأس الحكومة سنة 2022، في ظل ضغوط من قبل القوى التي لم تتوافق مع سياساته وخصوصا ما يتعلّق منها بالشأن الأمني وسلاح الميليشيات المشكّلة للحشد الشعبي. وتمت في فترة غيابه ملاحقة بعض مساعديه قضائيا بتهم فساد وتجاوزات مالية.

ولا يبدو أن مواقف بعض القوى الشيعية المتنفذة من الكاظمي قد تغيّرت وهو ما ظهر في الهجوم الإعلامي الفوري عليه من قبل وسائل إعلام وشخصيات مقربة من الحشد، حيث وصف القيادي في منظمة بدر مختار الموسوي الرجل بأنه بلا ثقل سياسي أو جماهيري مطالبا الحكومة باعتقاله.

وتعمّد الموسوي التقليل من شأن الكاظمي موجها نقدا مبطنا لمن يعتزمون التحالف معه معتبرا أنّه “لا يمثل شيئا في المشهد السياسي وليس لديه أيّ رصيد سوى الأموال التي استولى عليها من الدولة”.

وكان الكاظمي قد دخل أثناء رئاسته للحكومة في تجاذبات حادّة مع الحشد الشعبي حينما حاول تقليص دور الميليشيات السياسي وحضورها الطاغي في المشهد الأمني دون أن ينجح في ذلك.

وبلغت تهديدات الميليشيات لرئيس الوزراء السابق حدّ قيامها باغتيال مقربين منه بينهم ضباط في جهاز المخابرات واقتحامها المنطقة الخضراء ومحاصرتها مقرّ إقامته إثر اعتقال القوات الأمنية قياديا في الحشد الشعبي اتهم آنذاك بالتورط في قضايا فساد.

وقامت إحدى الميليشيات في مارس 2021 بتنظيم استعراض عسكري في شوارع بغداد سيرت خلاله العشرات من الشاحنات رباعية الدفع وعلى متنها مقاتلون مسلّحون قاموا برفع صور للكاظمي ومسؤولين في حكومته وعليها آثار دوس بالحذاء.