رمضان في مصر شهر الرحمة والتآزر
تحقق الجمعيات الخيرية في مصر نوعًا من العدالة الاجتماعية وتخلق دورًا تكافليًا جيدا لعدد كبير من أفراد المجتمع. وتُعتبر حلقة وصل بين الأغنياء والفقراء، وارتفعت مؤشرات عملها مؤخرا بشكل واضح، وحققت الكثير من الأهداف التنموية، بدعم من أجهزة الدولة المصرية. لكن دورها وحده لا يكفي لسد حاجة شريحة كبيرة.
مع حلول شهر رمضان أو اقترابه يبرز دور الجمعيات الخيرية، وتتزايد مساعدات الأفراد. ويتضح ذلك من خلال متابعة وسائل التواصل الاجتماعي والإعلانات المتكررة، وهو ما يبدو مرفوضا من قبل البعض، لأن الفقير يحتاج إلى هذا العطاء طوال العام، وليس في رمضان فقط.
وتحرص وزارة التضامن الاجتماعي والمؤسسات التابعة لها على تضافر الجهود لتحقيق المشاركة المجتمعية على أكمل وجه. وزادت أهمية هذه المسألة بعد إعلان سنة 2022 عاما للمجتمع المدني، وجرى بحث سبل التعاون لتوفير المساعدات اللازمة.
ونتج عن ذلك ظهور التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي، ويتكون من 34 كيانًا تنمويًا وخدميًا، أهمها الاتحاد العام للجمعيات الأهلية ويضم نحو 35 جمعية ومؤسسة أهلية خدمية وتنموية، منها الاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية ويضم في عضويته 30 اتحادًا نوعيًا و27 اتحادا إقليميًا، وبيت الزكاة والصدقات المصري، وفي مصر 34 ألف جمعية خيرية منتشرة في مختلف المدن والقرى.
قال فتحي المزين رئيس مجلس أمناء جمعية “حلقة وصل” إن المؤسسات الخيرية في مصر تقوم بدور محوري وشديد الأهمية وتساعد في رفع مستوى المعيشة لفئة من المواطنين، بسبب ارتفاع الأسعار، خصوصًا للسلع الغذائية، ولدى التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي قاعدة بيانات للمستحقين، ويتم التركيز على مناطق معينة كانت محرومة من الخدمات والمساعدات، تحقيقًا للمساواة.
وأضاف لـ”العرب” أن مؤسسة “حلقة وصل” الخيرية منتشرة في خمس قرى فقيرة تابعة لمدينة دسوق بمحافظة كفر الشيخ، في شمال القاهرة، وتستهدف الجمعية القرى التي لا تصل إليها المؤسسات الخيرية الكبيرة، وتعتمد المساعدات على الجهود الذاتية ويشارك في المساهمات عدد من أبناء القرى المحتاجة ممن يعملون خارج البلاد.
ولفت المزين إلى أن قرى محافظات جنوب مصر هي الأكثر احتياجًا إلى دور الجمعيات الخيرية، وتعاني من طقس سيء طوال العام، ولديها نسبة كبيرة من الفقراء، وتتم المشاركة المجتمعية عبر العمل الفردي، ولكل مؤسسة رسالة خيرية تُعتبر أيقونة.
وأكد هاني عبدالفتاح، الرئيس التنفيذي لمؤسسة “صُناع الخير” وعضو التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي، أن مؤسسته تجاوبت مع إطلاق حملة دعم كبرى لتلبية الاحتياجات الأساسية للأسر الأولى بالرعاية خلال شهر رمضان.
وأوضح لـ”العرب” أن عملها يسد بعض الاحتياجات الغذائية من خلال إطلاق حملة “بالخير جايين”، ودعم مليون مواطن بالمواد الغذائية خلال شهر رمضان عبر توزيع 200 ألف صندوق مواد غذائية على 200 ألف أسرة، بمتوسط خمسة أفراد للأسرة الواحدة في كافة محافظات مصر، وتركز على القرى الأشد احتياجًا وتلك التي تقع في نطاق المبادرة الرئاسية “حياة كريمة” والمناطق الحدودية والتجمعات الصحراوية.
ويتم ذلك من خلال فرق عمل المؤسسة ومتطوعيها بالتنسيق والتعاون مع أكثر من ألفي جمعية منتشرة في أنحاء مصر، بإشراف محافظي الأقاليم ومديريات التضامن الاجتماعي، ويتم التوزيع وتوصيل المساعدات إلى الأسر الأولى بالرعاية في منازلهم قبل وأثناء أيام رمضان للحفاظ على كرامة المتلقي من خلال الجمع بين إدخال الفرحة إلى قلبه والبعد عن أي مظهر يسيء إليه، والتحقق من طبيعة المستفيدين، وهل يستحقون بشكل فعلي أم لا، ضمانًا لوصول الصناديق إلى مستحقيها الفعليين دون غيرهم.
وشدد عبدالفتاح على أن المبادرة تخصص لكل أسرة محتاجة صندوق مواد غذائية يزن 14 كيلوغراما، ويحوي مكونات أهمها الأرز والمعكرونة والسكر والفول واللوبيا والزيت والبلح والصلصة والملح.
وذكر لـ”العرب” أن العمل يشمل المستهدفات في القطاع الطبي، حيث تسعى مؤسسة “صُناع الخير” خلال شهر رمضان إلى مواصلة جهودها لتقديم خدماتها النوعية في القطاع الطبي ومضاعفة أعداد المشمولين بأكثر من مبادرة طبية، تخص مرضى العيون والقدم السكرية، مع غرف مجهزة طبيا في نحو 20 مستشفى جامعي بمصر.
وتستمر المؤسسة الخيرية في متابعة جهودها في قطاع التمكين الاقتصادي، وتحرص على استمرار جهودها التي تقدمها لقطاع غزة منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر 2023، مع الاستمرار في تقديم الخدمات طوال شهر رمضان.
وجنبًا إلى جنب مع عمل المؤسسات الخيرية ودورها المجتمعي، يضطلع الأفراد العاملون في مجال العمل الأهلي بدور مهم في المجتمع المصري، وساهمت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير في إيجاد حلقة وصل بين المتبرعين والمحتاجين ومجموعات تحب عمل الخير.
قالت ندى مرزوق، وهي متطوعة لعمل الخير بشكل فردي منذ 20 عامًا، “كان للمجمعات السكنية (الكمبوند) دور كبير في الأعمال الخيرية بمصر من خلال بعض الأفراد الذين يحملون على عاتقهم مسؤولية العمل التطوعي والإعلان عن مبادرات خيرية يتغير هدفها من وقت إلى آخر، بعمل وتجهيز حقائب رمضان الشهيرة في مصر.”
وحقائب رمضان عبارة عن صندوق يضم بعض المواد الغذائية أو وجبات لإطعام الصائمين، أو ملابس العيد، وتدير مرزوق أكثر من مجموعة على موقع واتساب، تضم متبرعين لا يبخلون بمالهم أو جهودهم طوال العام.
وذكرت ندى مرزوق، أو “سيدة الخير” كما يناديها البعض، لـ”العرب” أنها ليست بحاجة إلى مؤسسة خيرية، ولا تملك الوقت لذلك، وتخشى المسؤولية وألا تستطيع تحمل مسؤولة فريق كبير.
وتعتقد أن العمل الفردي أو من خلال مجموعة من الجيران والأصدقاء والأقارب هو الأنسب لها، والكل يحاولون المساهمة في أي عمل خيري يساعد في تخفيف الأعباء عن الناس، ولا ينحصر العمل الخيري في شهر رمضان فقط، بل يتواصل طوال العام.
وتتفق سهام أبوغالي مع رأي سيدة الخير، وقالت لـ”العرب”: “لم أفكر في تشكيل مؤسسة خيرية، فلست في حاجة إليها، ووجدت في عمل الخير ما أحبه فأنا ماهرة في الطبخ، ومن أكثر اللحظات سعادة بالنسبة إلي حينما أقوم بإعداد وجبات للصائمين المحتاجين في شهر رمضان.”
وقبل خمس سنوات كانت تطبخ كل يوم عشر وجبات فقط، ثم توسع الأمر واستأجرت وحدة سكنية حولتها إلى مطبخ كبير، وأصبحت تُعد ألف وجبة يوميا، ولا يتوقف مطبخها عن العمل طوال العام، وبعض المتبرعين يطلبون عددًا من الوجبات لإطعام المساكين والفقراء، والأمر يزيد في شهر رمضان.
وتعمل مع سهام أبوغالي في المطبخ 20 فتاة، جميعهن مطلقات أو أرامل ويحتجن إلى العمل، وسعر الوجبة المتكاملة والمشبعة والصحية لا يتجاوز أربعة دولارات.