مصر تعيد الاعتبار للآباء في الولاية على الأبناء بعد القطيعة معهم
أدركت الحكومة المصرية أخيرا مخاطر القطيعة بين الآباء والأبناء في مسألة الحضانة والولاية حتى قررت إيجاد حل ينهي تلك المعاناة من خلال إعادة ترتيب الحضانة ليكون الأب بعد الأم مباشرة، إذا سقطت الولاية عن الأخيرة أو فارقت الحياة، في توجه مغاير تماما لما كان يحدث عبر عقود طويلة.
أصبح الأب في مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد في المرتبة الثانية في ترتيب حضانة الأبناء عند الانفصال، بينما كان الترتيب القديم يمنح الأم الأولوية في الحضانة، تليها الجدة (أم الأم) ثم أم الأب وبعدها الأخوات الشقيقات، ثم الأخوات للأم فالأخوات للأب، ثم ابنة الأخت الشقيقة، وبعدها ابنة الأخت للأم.
ثم الخالات بالترتيب المذكور في الأخوات، وبعدهن بنت الأخت للأب، ثم بنت الأخ بالترتيب المذكور، ثم خالات الأم فخالات الأب بالترتيب المذكور، فعمات الأم ثم عمات الأب، أي أن والد الطفل كان في نهاية القائمة من حيث الولاية، ويأتي في المرتبة السادسة عشرة، ما جعل علاقته بأولاده بعد الطلاق شبه منقطعة أحيانا.
الترتيب القديم كان يمنح الأم الأولوية في حضانة أبنائها، تليها الجدة (أم الأم) ثم أم الأب وبعدها الأخوات الشقيقات
نجحت ضغوط مارستها منظمات حقوقية معنية بحقوق الطفل في إقناع اللجنة القانونية المعنية بإعداد التشريع الجديد للأحوال الشخصية قبيل عرضه على مجلس الوزراء، لوضع حد لابتعاد الأب في الولاية عن أولاده باعتبار أن النصوص القديمة، والمطبقة حاليا، غير إنسانية وتظلم الطرفين معا سواء الأب أو أبنائه.
من المتوقع أن يحظى التعديل التشريعي الخاص بالحضانة بأغلبية برلمانية عقب تحويله من الحكومة إلى مجلس النواب، حيث يتوافر له تأييد واسع من المنظمات الحقوقية وأعضاء البرلمان ومؤسسات الطفل، أي أنه بات على بعد خطوات من التطبيق لينهي معاناة طويلة واجهت عددا كبيرا من الرجال المطلقين.
وظل النقاش حول نقل الوصاية بعد الأم إلى الأب مباشرة من المسائل الأسرية شديدة الحساسية، لأنها جزء من الإرث الفكري والثقافي المرتبط بالعادات والتقاليد، لكن مع ظهور نماذج ذكورية تعرضت للقهر من عدم وجود أي صلاحية لها في تحديد مصير أولادها، صار هناك قبول لحل المشكلة بطريقة قانونية.
من هؤلاء سعيد زكي، وهو أب لطفلين جاهد لإسقاط ولاية الأم عنهما بعد الانفصال، لأنها غير أمينة عليهما، حيث اعتادت العبث بمستقبلهما التعليمي وعدم الاهتمام بهما، ونجح في انتزاع حكم قضائي بعدم أحقية الأم في استمرار حضانتها للطفلين، لكن الولاية انتقلت إلى أم مطلقته وفق القانون.
قال الأب لـ”العرب” إنه يشعر بمرارة عندما يكون والدا لطفلين، ولا يستطيع أن يتدخل في أي شيء يخصهما، رغم أن الولاية لم تعد مع مطلقته، وذهبت إلى الجدة، “هذا ظلم وقهر للأب. فهو على قيد الحياة، وليس لديه الحق في تحديد مستقبل أولاده، أو لقائهم بأريحية، أو حتى الخروج معهم أينما شاء”.
ويرى مؤيدون لإنصاف الأب في الولاية على أبنائه ليكون بعد الأم مباشرة أنه من الصعب على الأبناء أن يكونوا أسوياء نفسيا واجتماعيا وهم محرومون من العيش مع آبائهم، وإذا كانت التعديلات التشريعية تنصف الأب، فتصب في مصلحة الأبناء أولا.
ومعضلة القانون الحالي أنه جعل الأبناء الحلقة الأضعف في النزاعات الأسرية، خاصة في مسألة الولاية، فالرجل الذي ظل لسنوات يُعاني من تهميشه في حضانة أولاده، إذا لو توفت الأم تذهب الولاية إلى أقاربها وتستمر الصراعات بين العائلات وتتسع دائرة المكائد ويستمر دفع الأبناء فاتورة تلك الخصومات.
وإذا أصبح الأب في الترتيب الثاني للحضانة من المتوقع أن تتراجع الصدامات الأسرية إلى الحد الأدنى، باعتبار أن الرجل الذي تنتقل إليه ولاية أبنائه تلقائيا بعد الأم لن يكن بحاجة إلى دخول صراعات مع عائلة مطلقته، لأن أولاده صاروا تحت رعايته ومسؤوليته دون أن يصبح مضطرا لخوض معارك من أجل استعادتهم.
وكان جزء أساسي من انتقام الأب من مطلقته بعد الانفصال أن قانون الأحوال الشخصية يضعه في مرتبة متأخرة من حيث الولاية، حيث لا يحق له أن يتقدم لهم في مدرسة بعينها أو ينقلهم منها أو تكون له علاقة بهم، تعليميا وصحيا واجتماعيا إلا لبضع دقائق يراهم فيها، وهو ما يعرف بـ”الرؤية”.
ومع الوقت تحولت وقائع استغلال الأبناء وقت الخلافات الزوجية على الولاية إلى ظاهرة أسرية، وكل ذلك بسبب التشريعات القديمة التي ساعدت على تكريس الانتقام بين المطلقين ومحاولة كل طرف ابتزاز الآخر من خلال الأبناء، بما قاد إلى تراجع فكرة إدارة الخلافات بين الطرفين بشكل متحضر.
من المتوقع أن يحظى التعديل التشريعي الخاص بالحضانة بأغلبية برلمانية عقب تحويله من الحكومة إلى مجلس النواب، حيث يتوافر له تأييد واسع من المنظمات الحقوقية وأعضاء البرلمان ومؤسسات الطفل
ويعتقد متخصصون في العلاقات الأسرية بالقاهرة أنه ليس تربويا أن يُحرم الأب من أولاده وهو على قيد الحياة، دون أن يكون له أي دور في تربية ورعاية وتعليم ورؤية أولاده بشكل مناسب، مقابل أن تحتكر الأم وأقاربها تلك الميزة، وهو ما يعزز أهمية إعادة الاعتبار للأب في ولايته على أولاده بعد الأم مباشرة.
وأكد الاستشاري الأسري والمتخصص في الطب النفسي وتقويم السلوك محمد هاني أن وجود الأب في مرتبة متأخرة على مستوى الولاية لا يخدم أي طرف، ويترك تداعيات سلبية خطيرة عند الأبناء ويُكرس للخلافات العائلية التي تصل حد الانتقام في بعض الأحيان، والإنسانية تقتضي أن يأتي الرجل بعد الأم دون وسيط.
وأوضح لـ”العرب” أن التشريعات الأسرية القديمة ظالمة ومجحفة بحق كل الأطراف، فليس من المنطق أن يُحرم الابن من والده لمجرد أنه لا يتمتع بالولاية، وإن توفيت الأم أو كانت غير أمينة على أبنائها، وكذلك يُحرم من رؤية أولاده إلا ساعات معدودة، وبالتالي فالتشريعات الراهنة هي التي كرست القطيعة بين الأبناء والآباء.
وظلت أحكام القضاء الأسري منصفة للأم وحدها في مسألة الولاية والحضانة للأبناء، ودائما ما كان يأتي الرد من الأب بمطاردتها للوصول إلى ثغرة تجعلها متهمة ومقصرة ومهملة كي يحصل على حقه في أن يكون قريبا من أولاده، ما يؤثر بالتبعية على الأبناء ويجعلهم حلقة ضعيفة في الصراعات التي تقع بين المطلقين.
ويرفض أغلب الآباء فكرة احتكار الأم وأقاربها حضانة الصغار بعد الطلاق بحجة أنها وعائلتها أكثر رحمة وإنسانية من الأب في التعامل مع الأطفال على مستوى التربية والاحتواء العاطفي، دون إدراك لمخاطر القطيعة الممتدة بين الطفل ووالده، وعدم العيش معه بعد الطلاق، خاصة إذا قرر عدم الزواج مرة ثانية.
وما يمهد الطريق لانتزاع الآباء هذا الحق، أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يدعم فكرة وضع حد للقطيعة بين الأب وأولاده، فمن الصعب عليهم التعايش وهم أسوياء مع غياب والدهم اضطراريا، بما يُجبرهم على حياة لم يعتادوا عليها، وهو ما يفسر تمسك اللجنة واضعة التشريع الأسري الجديد بإعادة الاعتبار لولاية الأب.