المعارضة المصرية توظف المراجعة الدولية لحقوق الإنسان في الضغط على السلطة
وظفت الحركة المدنية الديمقراطية المعارضة أجواء المراجعة الدورية الشاملة للملف الحقوقي أمام المجلس العالمي لحقوق الإنسان، والتي من المقرر أن تتم في الأسبوع المقبل، في التصعيد ضد الحكومة المصرية، حيث تقدمت بمذكرة قانونية طالبت فيها النائب العام بمراجعة ملف المحبوسين والإفراج عنهم.
وقد تضع هذه الخطوة عبئا جديدا على كاهل المعارضة المدنية، ويترتب عليها توجيه انتقادات لها من قبل مؤيدي السلطة، إذ تزامنت خطوتها مع المراجعة الدورية الدولية، ما يعزز الضغوط الخارجية على القاهرة بملف المعتقلين في قضايا رأي.
وقالت الحركة المدنية، وتضم في عضويتها 12 حزبا وعددا من الشخصيات العامة، إن وفدا يمثلها تقدم بمذكرة رسمية إلى مكتب النائب العام لمراجعة موقف المحبوسين احتياطيًا على ذمة قضايا حرية الرأي والتعبير تمهيداً للإفراج عنهم.
وطالبت المذكرة بمراجعة ظروف احتجاز المحبوسين بما يتماشى مع المعايير العامة لحقوق الإنسان وحقوقهم في الزيارات العائلية المنتظمة، وإصدار الأمر اللازم لإخلاء سبيل هؤلاء الأفراد حتى يتم اتخاذ القرارات المناسبة بشأنهم.
ومع أن الحركة أكدت سابقا أنها انتهت من صياغة عريضة تطالب بالإفراج عن سجناء الرأي، لكن لم تقدمها سوى قبيل موعد مراجعة الملف الحقوقي المصري أمام مجلس حقوق الإنسان الثلاثاء المقبل، وفي خضم تصاعد حدة البيانات التي تقدمت بها منظمات حقوقية دولية وجهت انتقادات للملف المصري، ما يعني أن تحرك المعارضة يعول على استجابة الحكومة للضغوط الخارجية بعد أن فقدت الحركة المدنية القدرة على القيام بضغط حقيقي على السلطة خلال السنوات الماضية.
ويمكن التعامل مع عريضة المعارضة بصورة إيجابية، حال كانت نابعة من جهود بذلت الفترة الماضية لتحريك ملف المحبوسين. لكن الواقع يشير إلى أنه منذ تقدمها بقائمة أسماء حول عدد من المحبوسين الذين طالبت بالإفراج عنهم مع انطلاق الحوار الوطني لا توجد محاولات جادة أخرى، وغالبا ما ترتبط مواقفها بأحداث موسمية.
ويرى مؤيدون للحكومة المصرية أن جزءا من المعارضة، ممثلا في الحركة المدنية، يخدم مصالح أجندات خارجية، ما يجعل التجاوب الرسمي معها ضعيفا، وهناك قناعة بوجود حبل سري يربط بينها وبين جماعة الإخوان المصنفة إرهابية في مصر، ما يخلق ترددا في ترك الحركة كي تشغل حيز الفراغ الذي تركته الجماعة، منذ رحيلها عن السلطة قبل نحو اثني عشر عاما.
وبرهن توقيع 17 شخصية فقط داخل الحركة المدنية على العريضة الموجهة إلى النائب العام على وجود خلافات داخلها حول توقيت التحرك الذي قد لا يخدم الحركة على مستوى تنسيق مواقفها مع الحكومة، ويضعها في خانة واحدة مع منظمات حقوقية ترى الحكومة المصرية أنها لا تعمل بجدية لتحسين الملف الحقوقي.
وتعد حالة فقدان الثقة بين مطالبات الإفراج عن سجناء الرأي وبين الحكومة أحد أبرز أسباب التراخي في اتخاذ قرارات تتعلق بهذا الملف، مع مخاوف توظيفه سياسيا للمزيد من الضغط على الدولة المصرية في ملفات سياسية أخرى.
وقالت المحللة السياسية والقيادية بحزب التجمع اليساري أمينة النقاش إن الحركة المدنية لا تمثل كل المعارضة، وهي جزء منها فقط، وهناك أحزاب أخرى توجه انتقادات لسياسات الحكومة دون أن تتماهى مع سرديات يسوقها تنظيم الإخوان.
وأضافت النقاش في تصريح لـ”العرب” أن حزب التجمع من مؤسسي الحركة المدنية، لكنه قرر الانسحاب منها بسبب توجهاتها، حيث ترى أن الإخوان جماعة وطنية يجب احتواؤها، في حين هناك حكم قضائي مصري صنفها جماعة إرهابية.
وأوضحت أن مطالبات الحركة المدنية الأخيرة تصب في صالح الضغوط الخارجية على الدولة، وهو اتجاه لا يلقى قبولا في مصر، ولن يحقق المرجو منه بعد ارتكاب إسرائيل أكبر جرائم العصر في قطاع غزة ولم يحرك المجتمع الدولي ساكنا.
وذكرت النقاش أن المعارضة المصرية تجد صعوبات جمة في التحرك حاليا، ليس فقط لأن مساحات الحركة ضيقة، وإنما أيضا لأن الجمهور يعزف عن السياسة كثيرا، كما أن الواقع يشير إلى أن مصر ليست مجتمعا يتعاطى السياسة بكثافة.
◙ المعارضة المصرية تجد صعوبات كبيرة في التحرك حاليا ليس فقط لأن مساحات الحركة ضيقة وإنما أيضا لأن الجمهور يعزف عن السياسة كثيرا
وشددت على أن الأوضاع يمكن أن تصبح أفضل إذا كانت التصورات السياسية عملية، حيث تجعل رجل الشارع العادي طرفا في كل ما يدور بالبلاد، وبدا بيان الحركة المدنية الذي صدر في وقت يخفت فيه الاهتمام الداخلي بملف الحريات السياسية وكأنه موجه إلى الخارج أولا.
وقبل أن تبدأ المراجعة الدورية حذر أعضاء بالمجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي) من تسييس ملف حقوق الإنسان من خلال بعض المنظمات والجهات التي تسعى لتحويل منظمة الأمم المتحدة إلى مؤسسة مكايدة سياسية ضد بعض الدول، ما يشير إلى وجود تحفظ مصري على طبيعة التعامل مع ملفها الحقوقي قبل أن تبدأ الجلسات، وستكون لهذا التوجس تداعياته على العلاقة بين الحركة المدنية المعارضة والحكومة المصرية في الفترة المقبلة، والتي قد تشهد المزيد من التصعيد بين الجانبين.
ولا ينفصل هذا التصعيد عن إصرار الحركة المدنية على تشكيل تحالف انتخابي خاص بها لخوض انتخابات البرلمان في أكتوبر المقبل، وقد يكون الهدف من المذكرة المقدمة للنائب العام المزيد من إحراج الحكومة، لأنها وضعت مجموعة من الضمانات كي تشارك المعارضة في الانتخابات.
وشددت أمينة النقاش في حديثها لـ”العرب” على أن على السلطة في مصر مراجعة توجهاتها تجاه التعامل مع الأحزاب السياسية، وأن التدخلات المتزايدة في الحياة العامة سوف تقود إلى ظهور معارضة أكثر تشددا.
وكانت وزارة الداخلية المصرية تصدر تقريرا سنويا عن أوضاع حقوق الإنسان والانتهاكات الواقعة في حق السجناء، وحظي ذلك بترحيب داخلي وخارجي، لأنه قدم وجها حقيقيا لطبيعة الممارسات الأمنية، بلا مواربة أو تجميل، لكنه توقف في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك.
وتعد استجابة الحكومة لمطالب تعديلات قانون الحبس الاحتياطي وانتهاء مسألة المدد المفتوحة وقصرها على مدتين فقط، تطورا إيجابيا، وما ينقص هو التعامل بشفافية إلى جانب الاستجابة لبعض المطالب، خاصة في قضايا سجناء الرأي مع تقدم نقابة الصحافيين منذ سنوات بمطلب إلغاء عقوبة الحبس الاحتياطي في قضايا الرأي.