تصعيد الحوثيين ضد الأمم المتحدة يدفعها لوقف أنشطتها في مناطق سيطرتهم
دخلت العلاقة بين الأمم المتحدة وجماعة الحوثي المسيطرة على مناطق شاسعة من شمال وغرب اليمن منعطفا جديدا من التوتّر بما سينعكس على الوضع الاجتماعي والإنساني الهش في تلك المناطق التي تقوم فيها الهيئات التابعة للمنظمة بأدوار كبيرة في تقديم المساعدات الضرورية والحفاظ على حدّ أدنى من الخدمات الأساسية لشرائح واسعة من سكانّها.
وقالت الأمم المتحدة في بيان أصدرته الجمعة إن الحوثيين اعتقلوا المزيد من موظفيها وذلك بعد احتجازهم في يونيو الماضي ثلاثة عشر فردا من هؤلاء الموظفين.
وينطوي تصعيد الحوثيين ضدّ الأمم المتحدة على لبس كبير ومفارقات صادمة كون المنظمة لعبت الكثير من الأدوار التي صبّت في مصلحتهم حيث قادت جهودا مضنية لتوقيع اتفاق ستوكهولم قبل أكثر من خمس سنوات، الأمر الذي جنبهم خسارة محافظة الحديدة الإستراتيجية على الساحل الغربي لليمن والتي كان التحالف العسكري بقيادة السعودية على وشك انتزاعها من أيديهم، كما حرصت على الإبقاء عليهم كطرف مرشّح للمشاركة في السلام رغم عدم استجابتهم لجهودها في هذا المجال، بالإضافة إلى تحمّلها جزءا كبيرا من العبء الاجتماعي والإنساني في مناطقهم التي يفترض أنّهم مسؤولون عن أوضاع سكانها باعتبارهم سلطة أمر واقع.
وجاء قرار المنظمة الجديد غداة إعلان إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن إعادة وضع جماعة الحوثي على قائمة الإرهاب الدولي، الأمر الذي يضع المزيد من التعقيدات على طريقة تعامل الدول والمنظمات معها ويعسّر إيصال المساعدات الأممية والدولية إلى مناطقها.
وأوضح مكتب منسق الأمم المتحدة المقيم في اليمن أنّ “سلطات الأمر الواقع في صنعاء قامت الخميس باحتجاز المزيد من موظفي المنظمة العاملين في المناطق الواقعة تحت سيطرتها.”
وقالت الهيئة في بيانها إنّ “لضمان أمن وسلامة جميع موظفيها قامت الأمم المتحدة بتعليق جميع التحركات الرسمية ضمن وإلى المناطق الواقعة تحت سيطرة سلطات الأمر الواقع”، مشيرة إلى أن هذا الإجراء سيظلّ قائما “حتى إشعار آخر”.
ويعمل مسؤولو الأمم المتحدة في اليمن بشكل فعّال مع كبار ممثلي الحوثيين للمطالبة “بالإفراج الفوري ودون شروط عن جميع موظفي الأمم المتحدة والشركاء المحتجزين”، وفق ما جاء في البيان.
وبذلت جهات وسيطة جهودا لإطلاق سراح هؤلاء الموظفين المحتجزين لدى الجماعة دون جدوى، حيث اكتفى الحوثيون قبل أيام بإطلاق سراح أفراد طاقم سفينة شحن كانوا محتجزين لديهم وذلك بعد وساطة من قبل سلطنة عمان.
وزار المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ مؤخرا العاصمة صنعاء ومكث فيها لأول مرّة لعدة أيام وذلك في نطاق محاولته إقناع القيادات الحوثية بإطلاق سراح موظفي الأمم المتحدة.
وفي يونيو 2024 اعتقل الحوثيون ثلاثة عشر موظفا من المنظمة من بينهم ستة يعملون في المفوضية السامية لحقوق الإنسان فضلا عن خمسين عاملا في منظمة غير حكومية وموظفة في إحدى السفارات.
وقالت الجماعة وقتذاك إنها فكّكت شبكة تجسّس أميركية – إسرائيلية تعمل تحت غطاء منظمات إنسانية، الأمر الذي نفته الأمم المتحدة بشكل قاطع.
كما تحتجز الجماعة منذ نوفمبر 2021 وأغسطس 2023 موظفين اثنين آخرين معنيين بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة.
وجاء اعتقال الحوثيين للمزيد من الموظفين الأممين بمثابة ردّ فعل متوقّع على إمضاء الرئيس الأميركي الجديد ترامب على مرسوم يعيد إدراج جماعتهم في عداد “المنظمات الإرهابية الأجنبية”.
وقال محمد الباشا، مؤسس مجموعة الاستشارات “باشا ريبورت” في الولايات المتحدة، إنّ الحوثيين “يعتبرون أنه من خلال اعتقال موظفين في الأمم المتحدة، سيكون في وسعهم الضغط على المجتمع الدولي كي يضغط بدوره على إدارة ترامب.”
ويواجه اليمن الذي تمزّقه حرب أهلية منذ أكثر من عقد إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، بحسب الأمم المتحدة التي حذّرت قبل أقل من أسبوعين من أنّ الأزمة الإنسانية تتفاقم في البلد حيث سيحتاج ما لا يقلّ عن 19.5 مليون شخص هناك إلى مساعدات إنسانية هذا العام، مبدية قلقها خصوصا على الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية.
وقالت جويس مسويا، نائبة رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، أمام مجلس الأمن الدولي إنّ “الشعب اليمني مازال يواجه أزمة خطرة على الصعيدين الإنساني وحماية المدنيين.”
وأوضحت أنّه بحسب تقديرات النداء الإنساني لعام 2025 فإنّ “الأزمة تتفاقم”. ولفتت إلى أنّ “نحو نصف” سكّان البلاد، أي أكثر من 17 مليون يمني، “لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية”، معربة عن قلقها بشأن “الأكثر تهميشا من بينهم، مثل النساء والفتيات والنازحين البالغ عددهم 4.8 مليون شخص.”
ونبّهت نائبة رئيس أوتشا إلى أنّ من بين الفئات الأكثر عرضة للخطر فإنّ “ما يقرب من نصف الأطفال دون سن الخامسة يعانون من تأخر خطر في النمو بسبب سوء التغذية.” كما حذّرت من المستوى “المروّع” لتفشّي وباء الكوليرا في اليمن، مما يزيد من الأعباء التي يرزح تحتها نظام صحّي يعاني أساسا من “ضغوط شديدة”.