مصر تنشغل سياسيا بملف غزة وتتجاهل سوريا

وكالة أنباء حضرموت

بدأت مصر تستعيد تأثيرها في ملف غزة، واصطفت طوابير من الشاحنات عند معبر رفح، السبت، استعدادا لدخول القطاع، بعد الموافقة على صفقة الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس، وبدء تطبيقها اليوم الأحد.

في المقابل، لم تظهر القاهرة تجاوبا كافيا مع الإدارة السورية الجديدة ما يؤكد أنها عازمة على إعادة الاعتبار إلى علاقتها الحيوية والتاريخية مع دمشق، وكأنها قابلة بغيابها حاليا وفرض تركيا وقطر هيمنتهما على الساحة السورية.

وقد تكون هذه المقارنة بعيدة عن أذهان بعض المسؤولين في مصر، لكن النتيجة المباشرة تعزز الربط، فلا تزال القاهرة عازفة عن دمشق، بينما يتسابق آخرون في الذهاب إليها، ومعرفة مواقف الإدارة الجديدة فيها عن كثب وإجراء حوارات دون انتظار رسائل أو تلقي إشارات تحمل تفسيرات متباينة.

ويبدو أن البراغماتية التي تعاملت بها السياسة المصرية مع قضايا عدة لا يصلح تطبيقها مع سوريا، ما يضاعف من حدة أزمة مكتومة يمكن أن تستمر طويلا لصعوبة التوصل إلى قواسم مشتركة حول النقطة الخلافية المركزية، الخاصة بالهوية السياسية للإدارة السورية الجديدة بالرغم من تطميناتها، ورفض مصر التعامل مع تيار الإسلام السياسي إلا بشروط معينة.

◄ مخاوف من إعادة هندسة الأوضاع في سوريا عبر تركيا وقطر، بما لا يجعل للقاهرة مكانا، وتصاب العلاقة مع دمشق بشرخ كبير

وقالت مصادر مصرية لـ”العرب” إن التركيز على غزة فرضه الدور الذي تقوم به مصر ضمن عملية وساطة ممتدة تتشارك فيها مع قطر والولايات المتحدة، ترمي إلى ضمان تنفيذ الاتفاق بين إسرائيل وحماس، وهناك إجراءات محددة تقوم بها مصر، بحكم البعد الجيوسياسي لغزة، والأهمية التي تمثلها للأمن القومي المصري.

وأكدت المصادر ذاتها أن الانشغال بملف غزة جاء انطلاقا من الدور الذي تقوم به مصر تاريخيا إزاء القضية الفلسطينية، والتي يمكن أن تشهد تطورات تضعها على طريق التسوية السياسية، أو تعيد القطاع إلى الحرب مرة أخرى وهو ما تعمل القاهرة على تحاشيه، وهذا لا يعني أنها بعيدة عن سوريا، أو نفضت يديها منها.

وأوضحت المصادر لـ”العرب” أن ملف سوريا يستحيل وضعه على الرف والإشارات القادمة من دمشق خلال الأيام الماضية مطمئنة نسبيا، وتتعلق بتوقيف بعض العناصر المطلوبة من الأمن المصري والمحكوم عليها في قضايا عنف وإرهاب، لكنها ليست كافية حتى الآن لتتخذ القاهرة موقفا بالانفتاح بكثافة على دمشق.

وذكر الخبير الإستراتيجي والمحاضر بأكاديمية ناصر للعلوم العسكرية التابعة للجيش المصري اللواء سمير فرج أن القاهرة لم تطلب شيئا من الإدارة السورية الجديدة كي تتواصل معها سياسيا، وكل ما في الأمر أن مصر في مرحلة دراسة الموقف على الأرض لتحدد بالضبط أسلوب التعامل الذي يتناسب مع تلك الإدارة.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن مصر لن تهرول وراء الإدارة السورية وهي لا تعرف توجهاتها المستقبلية، ولذلك تتريث في التعامل، ثم إن قائد الإدارة السورية (أحمد الشرع) تحدث عن مصر وجيشها بشكل سلبي في الماضي القريب، فهل تغيرت أفكاره واتجاهاته القديمة أم لا، وكل ذلك سيحدد طبيعة علاقة القاهرة معه.

ولفت سمير فرج إلى أن مصر ليست بعيدة عن سوريا وتتعامل معها كجزء من أمنها القومي، ولا تنسى هذا الملف مقابل الاهتمام بنظيره الفلسطيني، لكن القضية الفلسطينية في قلب مصر على مدار تاريخها، وهناك تحديات فرضت مزيدا من إنجاز مهمة كبرى ممثلة في وقف الحرب على غزة، ولا يعني ذلك أنها أهملت سوريا، بدليل المساعدات المصرية الأخيرة التي أرسلت إلى الشعب السوري واتصال وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي بنظيره السوري أسعد الشيباني.

وتخشى دوائر سياسية من إعادة هندسة الأوضاع في سوريا عبر تركيا وقطر، بما لا يجعل للقاهرة مكانا في المستقبل، وتصاب العلاقة معها بشرخ كبير، فمهما كانت مواقف الإدارة الجديدة في دمشق غير مرضية لمصر أو للثانية تحفظات عليها، فهناك سباق بين بعض الدول لتمتين العلاقات معها، وخلق أمر واقع يتناسب مع مصالحها، خاصة أن رئيس إدارة العمليات أحمد الشرع بدأ تحركات دبلوماسية تجاه دول عدة، الغرض منها طمأنتها بشأن تصوراته المقبلة.

ونجح الشرع في توطيد العلاقات مع أنقرة والدوحة، وتلقى وعودا أوروبية بمساعدته اقتصاديا، وقام باستدارة نحو بعض الدول الخليجية، وإجراء اتصالات هاتفية، ما يعني أن الرجل لن يعدم وجود خيارات عربية جيدة، إذا أصرت القاهرة على تجنب التواصل معه، بسبب مواقفه المتشددة السابقة، ووجود عناصر مصرية متطرفة في بعض الدوائر القريبة منه، وهي رسالة سلبية بالنسبة إلى القاهرة، يصعب قبولها.

وتعد زيارة نائب رئيس الجامعة العربية السفير حسام زكي إلى دمشق ولقاء الشرع، السبت، ذات علاقة بترتيب تسلم حكومة الإنقاذ مقعد سوريا في الجامعة، لكنها لا تخلو من توصيل وتسلم رسائل متبادلة بين القاهرة ودمشق، فزكي هو سفير مصري سابق، ودرجت بلاده على توظيف الجامعة العربية لتحقيق أهداف سياسية غير معلنة.

وشهدت مدينة العريش المصرية، السبت، استعدادات نهائية كبيرة لإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة عبر معبر رفح الحدودي، بحضور وزيرين مصريين، هما وزير الصحة خالد عبدالغفار، ووزيرة التضامن الاجتماعي مايا مرسي.

وتهدف هذه الزيارة إلى تعزيز الاهتمام المصري بملف غزة، والاطمئنان على جاهزية المستشفيات لاستقبال المصابين من القطاع، ومتابعة سير الاستعدادات النهائية لدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع.

واصطف عدد كبير من شاحنات المساعدات أمام معبر رفح البري تمهيدا لدخولها إلى غزة، وتحمل على ظهرها عشرات الآلاف من المواد الغذائية الأساسية للقطاع.