تبون يكلف شنقريحة بمهمة رقيب إمكانيات الجيش المالية والمراقب بكيفية إنفاقها
دفع الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بآلية جديدة تتيح له رفع الحرج نسبيا عن البلاد، في ما يتعلق بتقارير الشفافية ومحاربة الفساد الصادرة عن الهيئات الدولية، لكنه يبقي ميزانية الدفاع بعيدا عن الرقابة السياسية التقليدية، وذلك عبر إطلاق آليات لضمان مساءلة داخلية ورقابة على أموال المؤسسة، وتكليف قائد الجيش والوزير المنتدب لدى وزير الدفاع سعيد شنقريحة بمتابعة كل ما يتعلق بالمسائل الاقتصادية والمالية للمؤسسة، الأمر الذي يضع القيادة نفسها في وضعية المراقِب والمراقَب، والمُسائل والمسؤول، وهي خطوة تمنح الرئيس أفضلية في ميزان القوة داخل السلطة.
وتضمن العدد الأخير من الجريدة الرسمية الجزائرية مرسوما رئاسيا يمنح المراقبة العامة للجيش صلاحيات واسعة لمتابعة الرقابة والتفتيش على مستوى مختلف هيئات وهياكل وزارة الدفاع والمؤسسات التابعة لها.
كما وقع تبون على مرسوم رئاسي آخر يكلف شنقريحة بمتابعة الشؤون المالية للمؤسسة العسكرية وينص على أن “يجمع ويعالج (شنقريحة)، لحساب وزير الدفاع، المسائل الاقتصادية والمالية وكذا المسائل المتصلة بالميزانية، وينسق أشغال تحضير مخطط تطوير وزارة الدفاع الوطني وميزانيتها التي يكون الآمر بالصرف الرئيسي لها، ويتولى الوزير المنتدب، لحساب وزير الدفاع، اللجنة القطاعية للصفقات، وكذا رئاسة المجلس الوطني لأمن الأنظمة المعلوماتية مع تنظيم الاحتياطات الوزارية وتسييرها.”
بحجة السر العسكري تفرض الجزائر منذ عقود تعتيما على الإنفاق العسكري، رغم شبهات الفساد التي تحوم حول مؤسسة الجيش
ويتيح القرار الأول للمراقبة العامة للجيش صلاحية الرقابة والتفتيش على مستوى مختلف هيئات وهياكل وزارة الدفاع والمؤسسات التابعة لها، وهو ما يوفر للدولة آليات مراقبة ومساءلة داخلية، بعدما نزعت تلك الصلاحيات من المؤسسات التقليدية، كالبرلمان الذي لم يعد بإمكانه مساءلة الهيئات الدبلوماسية والعسكرية للبلاد، بموجب نص تشريعي أقره تبون سابقا.
وبحجة السر العسكري والإستراتيجي تفرض الجزائر منذ عقود تعتيما على الإنفاق العسكري، رغم شبهات الفساد التي تحوم حول المؤسسة العسكرية، في العديد من الملفات كإبرام صفقات التسليح والتموين ودعم مخيمات اللاجئين الصحراويين في منطقة تيندوف، وهو الأمر الذي أثار ارتدادات كبيرة داخل المؤسسة، أفضت إلى عزل وسجن عشرات الضباط السامين بتهم فساد وتبديد المال العام، لكن ذلك تم بعيدا عن آليات الشفافية والرقابة الشعبية.
وباتت المخصصات المالية الضخمة التي تحوزها وزارة الدفاع سنويا، مثارا للجدل والشكوك في الأوساط السياسية المعارضة وحتى منظمات الشفافية ومحاربة الفساد الدولية، لاسيما بعد تصنيف مجموعة العمل المالي التابعة لمجموعة السبعة الكبار في أكتوبر الماضي، الجزائر وبعض الدول في اللائحة الرمادية التي تتطلب شفافية وتدقيقا خاصا في تسيير وحركة رؤوس الأموال.
وخصت الحكومة الجزائرية في قانون الميزانية العامة للعام الجديد غلافا ماليا يقدر بـ25 مليار دولار، بزيادة تقدر بثلاثة مليارات دولار عن ميزانية العام الجاري، الأمر الذي أثار تساؤلات لدى الدوائر المختصة وحتى الشارع الجزائري، حول دواعي ومبررات هذه الميزانية الضخمة في ظل خطاب الاستقرار والقضاء على الإرهاب الذي تردده السلطة، والتي مازالت تضع المخاطر الإقليمية والتوازن الإستراتيجي بالمنطقة والصراعات الجيوسياسية في صدارة ذرائع الإنفاق العسكري.
ومنح المرسوم الرئاسي المراقبة العامة للجيش صلاحية الرقابة والتفتيش وذلك على مستوى مختلف هيئات وهياكل وزارة الدفاع الوطني والمؤسسات التابعة لها، بغرض “توحيد مهام الرقابة والتفتيش ضمن هيئة مركزية تابعة لوزارة الدفاع الوطني، لضمان الكفاءة والشفافية في التسيير الإداري والمالي.”
وينص البند الثاني من المرسوم الرئاسي على أن “تكلف المراقبة العامة للجيش، بصفتها هيئة مركزية للرقابة البعدية موضوعة تحت سلطة وزير الدفاع الوطني، لاسيما بالرقابة والتدقيق والتفتيش والتحليل والدراسة والتقييم على مستوى مختلف هيئات وهياكل وزارة الدفاع الوطني والمؤسسات التابعة لها.”
ولفت البند الثالث والرابع إلى تكليف المراقبة العامة للجيش، بالتنسيق مع مجلس المحاسبة طبقا للتشريع والتنظيم الساري المفعول، بـ”مراقبة الحسابات ومراقبة تسيير مختلف هيئات وهياكل وزارة الدفاع الوطني والمؤسسات التابعة لها، مهما كانت طبيعتها القانونية، فضلا عن تركيز المراقبة العامة للجيش على ضمان الالتزام الصارم بالتشريعات والتنظيمات السارية، خصوصا في مجالات المحافظة على الأموال العمومية، وحماية ممتلكات الدولة المخصصة لوزارة الدفاع الوطني، والتسيير الناجع للموارد البشرية، والحفاظ على حقوق المستخدمين، والقواعد المطبقة في مجال الوقاية الصحية والأمن وطب العمل والحماية الاجتماعية، والقواعد المتعلقة بالأمن الصناعي وحماية البيئة، وحماية الممتلكات الثقافية الواقعة ضمن النطاقات العسكرية.”
ويرى متابعون للشأن الجزائري أن المرسوم الرئاسي بقدر ما وضع قيادة المؤسسة العسكرية أمام مسؤولياتها وأمام الأمر الواقع، وتعزيزها بنص تشريعي يكرس دور الرقابة والمساءلة الداخلية، جعلها أيضا في وضع الحلقة الخاضعة لعيون القيادة السياسية، إذ أن تخصيص المهام الجديدة للهيئات الداخلية المختصة، دون إشراك المؤسسات التقليدية، يبقيها بعيدا عن حق الرأي العام في معرفة دواعي ووجهات إنفاق ميزانيات سنوية ضخمة، وهو ما لا يوفر آليات الشفافية اللازمة لمقدرات وزارة الدفاع.
وتبقى الإمكانيات المالية والعقارية واللوجستية التي تحوزها الوزارة المذكورة غير معروفة للرأي العام الجزائري، تحت مبرر السر العسكري، خاصة ما تعلق بالملفات الكبرى كالدعم الموجه لمخيمات اللاجئين الصحراويين، والثروات المنجمية بجنوب البلاد، وحتى ما أسماه المرسوم بـ”الممتلكات الثقافية” المتمثلة في المعالم والمتاحف الطبيعية والمساحات التراثية، التي لا تستطيع المؤسسات الحكومية المدنية تسييرها وتأمينها، كما هو الشأن بالنسبة إلى كهوف مدينة سيفار، في أقصى جنوب البلاد.