الاستثمارات الخليجية تساعد مصر للحد من تأثير التوترات الإقليمية
يسهم تزايد الاستثمارات الخليجية بمصر في مساعدتها على تلافي التأثيرات السلبية للتوترات الإقليمية، حيث أرخت تداعياتها بظلال قاتمة على الاقتصاد المصري، جعلت الحكومة في موقف صعب أمام مواطنين تئن شريحة كبيرة منهم بسبب تفاقم الأزمات الاقتصادية، وبات الإقبال الملحوظ من بعض دول الخليج على الاستثمار في سواحل مصر المطلة على البحرين المتوسط والأحمر تطورا مهما.
ويعزز التعاون الاقتصادي في مجالات مختلفة ومتنوعة التنسيق السياسي بين مصر ودول الخليج، في وقت تمر فيه المنطقة بمنحى إستراتيجي خطر، يتطلب قدرا واعيا من الفهم لما سوف يجري فيها من ترتيبات حيوية الفترة المقبلة.
وأصبحت منطقة الساحل الشمالي المصري المطلة على البحر المتوسط عنصر جذب لرؤوس الأموال الخليجية منذ أن وقّعت مصر صفقة تطوير مشروع “رأس الحكمة” مع دولة الإمارات، في وقت تمضي فيه مفاوضات مع السعودية لإبرام صفقة مماثلة في منطقة “رأس جميلة” على البحر الأحمر، وأخيراً أعلنت القاهرة التجهيز لاتفاق جديد مع دولة قطر، ما يمنح الاقتصاد المصري جرعة أكسجين مهمة.
وأعلنت الحكومة المصرية أخيرا عن تعاون مع قطر في مشروع استثماري وصفته بـ”المهم للغاية” في منطقة الساحل الشمالي، دون ذكر المزيد من التفاصيل، وسط توقعات أن تحصل الدوحة على منطقة قريبة من “رأس الحكمة”.
وأكد بيان صادر عن الحكومة عقب لقاء عقده رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي مع نظيره القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، أن قطر تقدمت بطلب لمصر للاستثمار في قطاع السياحة والضيافة في منطقة الساحل الشمالي، وأن المباحثات تطرقت إلى رغبة الجانب القطري للتعاون الاستثماري في قطاع الموانئ والمناطق اللوجستية، وكذلك رغبة الدوحة في إنشاء مراكز البيانات.
وتحمل الاستثمارات الخليجية على ساحل البحر المتوسط أبعادا سياسية وتقدم براهين على أن تلك البقعة تتسم بحالة من الهدوء الذي يجعل هناك فرص نجاح للاستثمارات، وأن الصراعات الحالية في المنطقة لن تثني دول الخليج عن تطوير فرص التعاون الاقتصادي بما يشكل حائط صد يحد من توالي النتائج التي سببتها حرب غزة على الملاحة في البحر الأحمر وضعف موارد قناة السويس.
وتستفيد مصر من السياق الذي يجعلها أكثر قدرة على تحقيق التماسك المجتمعي والسياسي بفعل تدفق المليارات من الدولارات عليها في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط تحولات تظهر بوادرها مع إمكانية تبريد المعارك على جبهات مختلفة والاتجاه نحو جني مكاسب، وتتجنب القاهرة تداعيات حرب إسرائيل على غزة وستكون في حاجة إلى أن تكون في وضع قوي يضمن لها توظيف قدراتها للحفاظ على مصالحها.
وقال نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية عمرو هاشم ربيع إن الدول الخليج بوجه عام لديها رغبة في فتح منافذ سياحية على ساحل البحر المتوسط، والذي يمتاز بكونه منطقة تمتاز بمناخ مناسب لجذب السياحة طوال العام.
وأكد لـ"العرب" أن مناخ الاستثمار أصبح مغريا مع قدرة القاهرة على تثبيت سعر صرف الجنيه مقابل الدولار (الدولار= 50 جنيه) منذ مارس الماضي، وأن الانتظار إلى حين تراجع الجنيه مجددا لم يعد مجديا ودفع ذلك لتوافد الاستثمارات.
وأوضح أن القاهرة تحقق مكاسب من وراء صفقات تجعلها طرفا ملتزما بتوجيهات صندوق النقد الدولي الذي يشجع على بيع مناطق وطروحات لـ"مستثمر إستراتيجي" كي تجذب عوائد دولارية ضخمة يظهر تأثيرها المباشر على الاقتصاد المصري، ويساهم في إرجاء مطالب أكثر صعوبة.
وشدد على أن المكسب السياسي الذي تحققه مصر من وراء الصفقة المزمع إبرامها مع قطر يتمثل في أن تصبح الدوحة أكثر قربا من القاهرة وليس جماعة الإخوان، وسبق وأن حققته أيضا مع تنامي الاستثمارات التركية التي تعزز من فرص التعاون السياسي وتضيق الخناق على جماعة الإخوان المصنفة في مصر إرهابية.
وتبرهن الصفقة المنتظرة مع الدوحة صواب رؤية القاهرة نحو إنجاز صفقة “رأس الحكمة” مع دولة الإمارات، حينما وقعت اتفاقا مع شركة القابضة الإماراتية بقيمة 35 مليار دولار، ومؤخرا أعلن الجانبان عن مخطط المشروع واختيار شركة مُدن القابضة الإماراتية مطورًا رئيسًا له.
◙ الاستثمارات تساعد القاهرة على تجنب تداعيات الحرب الإسرائيلية في غزة ولتكون في وضع يضمن لها الحفاظ على مصالحها
وأكدت عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي سمر عادل أن المناطق السياحية بوجه عام تتوفر لها عوامل جذب الاستثمار الخليجي، مع النظرة المستقبلية لمصر لتتحول إلى منطقة جذب تتوافد عليها السياحة العربية التي تزايدت معدلاتها مع تدشين مدينة العلمين الجديدة، ويحقق ذلك أرباحا هائلة تستفيد منها مصر ودول الخليج.
ولفتت في تصريح لـ”العرب” إلى أن التواجد الخليجي على الساحل الشمالي لا ينفصل عن توجهات هذه الدول نحو إيجاد بدائل تدر عوائد ضخمة بديلة للطاقة في صورتها التقليدية، وأن التواجد في مناطق مهمة يحقق مكاسب اقتصادية وسياسية، وتستفيد القاهرة من تسهيل مهمتها نحو سداد القروض وتحقيق استقرار نسبي في ميزان المدفوعات، وتوفير فرص عمل تقلل من معدلات البطالة. وسرعت مصر وقطر من التحركات الخاصة بإبرام شراكات ضخمة ومشروعات عملاقة بعد فترة هدوء نسبي منذ عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد قمة العُلا.
وذكر الباحث في الاقتصاد السياسي كريم العمدة أن دول الخليج تستهدف إقامة مشروعات على البحر المتوسط بما يسهل جذب السائح الأوروبي، ويظهر ذلك من إقامة مطار دولي في منطقة رأس الحكمة، كما أن البحر المتوسط يجذب المستثمرين بعيداً عن المشكلات الأمنية والصراعات المشتعلة في مناطق عدة، وبات وجهة عالمية مع التسويق لسياحة أوروبية تتسم بالإنفاق المرتفع.
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن القطاع العقاري من القطاعات الواعدة التي تحقق أرباحا سريعة وتجذب ودائع دولارية ضخمة وفي توقيت قصير، وهو ما تحتاجه مصر حاليا، ويجعلها تتجه نحو الدخول في شراكات استثمارية ضخمة أو بيع أراض لمستثمرين أجانب لإقامة مشروعات عليها.
وتساعد البنية التحتية المصرية في جذب دول الخليج للاستثمار في مشروعات سياحية ليس فقط الساحل الشمالي، لكن أيضا على البحر الأحمر نتيجة ربط المنطقتين من خلال القطار السريع، ما يساعد على تحقيق أهداف الحكومة لجذب 30 مليون سائح سنويا، بدلاً من الأرقام الحالية التي تقف عند حدود 15 مليون سائح سنويا أو أقل. ويعد ذلك أداة إنقاذ سريعة للاقتصاد بدلا من انتظار عوائد الاهتمام بالإنتاج المحلي والصناعة التي هي في حاجة إلى الوقت وتواجه في المقابل بيروقراطية حكومية قد تعرقلها.