حلب أخطر امتحان للأسد بعد خمس سنوات من الهدوء النسبي: عليك الاختيار مع من تقف

وكالة أنباء حضرموت

يعكس اختيار توقيت التصعيد في شمال غرب سوريا ومهاجمة حلب ومحيطها وجود مخطط مدروس من قبل فصائل المعارضة التي من الواضح أنها تريد الاستفادة من الضعف الذي بات عليه وضع إيران والفصائل الموالية لها بعد الضربات الإسرائيلية، وهو ما يضغط على الرئيس السوري بشار الأسد ليحدد موقفه بشكل معلن ويختار مع من يقف.

وتعتقد الفصائل المعارضة أن الظرف الدولي يصب في صالحها، وأن الهجوم على الوجود الإيراني في سوريا واستهداف الميليشيات الحليفة لطهران سيجدان تفهما كبيرا خاصة من الولايات المتحدة، التي أوقفت في السابق وعود الدعم للمعارضة السورية، وفضلت بقاء الأسد بدعم وحماية من إيران وحزب الله وروسيا على انتقال يتسم بالغموض في ظل سيطرة تيارات متشددة على المعارضة.

فبعد الهجوم على حزب الله في لبنان، والضربات الإسرائيلية لمواقع تخزين أسلحته ومعابر تهريبها، وانكشاف التمدد الإيراني في سوريا، لن يعارض الغرب هجوما من المعارضة السورية على مواقع للقوات الحكومية. وعلى العكس من ذلك، ربما يكون الأمر مفيدا ليستنتج الرئيس السوري أن الغرب يطلب منه أن يحدد موقفه، إن كان سيظل في صف إيران ويسكت عن تهريب الأسلحة إلى حزب الله، أو أنه سينأى بنفسه عن طهران بشكل واضح.

ومن الواضح أن الرئيس السوري فشل في التقاط الإشارات الإيجابية للتقارب التي أرسلها إليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وفهمها ضعفا من جانب أنقرة. لكن تطورات الأحداث، وخصوصا بعد الانهيار التام لجبهة حزب الله في لبنان، قد تبين أن الرئيس التركي إنما كان يريد ترتيبات تمنع تجدد الحرب الأهلية في سوريا حرصا على بلاده وليس لأنه أعاد اكتشاف “محاسن” الرئيس الأسد.

ورغم التسريبات التي ظهرت في تقارير غربية عن أن الأسد منزعج من النفوذ الإيراني وأنه لا يريد أن تكون سوريا ميدانا لحرب بالوكالة لصالح إيران، لم يصدر عن دمشق ما يفيد بأنها منزعجة من أنشطة المجاميع الموالية لطهران، أو أنها عرقلت إمدادات الأسلحة من العراق وإيران إلى حزب الله، ما يجعلها فعليا في صف إيران حتى وإن أوحت بعكس ذلك.

◙ الهجوم الذي تشنه المعارضة السورية على حلب تم ترتيب توقيته بشكل محكم ويهدف إلى استمالة الغرب وإسرائيل ويظهر وقوف تركيا وراءه

وقد يقود غموض الموقف السوري الرسمي تجاه الوجود الإيراني إسرائيل إلى تغيير موقفها من الأسد، فهي إلى حد الآن تتعامل معه كطرف غير معني، وتكتفي باستهداف مواقع الوجود العسكري والاستخباري لإيران وحزب الله.

ويمتلك الأسد فرصة الخروج من الغموض من خلال استثمار التصعيد في حلب لإطلاق دعوة علنية إلى انسحاب القوات الأجنبية الموجودة في بلاده بما في ذلك المجاميع التابعة لإيران وتركيا، وهي خطوة ستقوي موقفه سياسيا. لكن استمرار الصمت لن يصب في صالحه في ظل معرفته بأن إسرائيل ستستمر في تفكيك النفوذ الإيراني في الإقليم بما في ذلك سوريا، وأن الاستهدافات قد تتخذ أشكالا أقوى.

وذكر تقرير لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل” أن سلسلة الضربات على المعابر الحدودية بين لبنان وسوريا، قبل سريان وقف إطلاق النار مع حزب الله، كانت بمثابة تحذير صارخ لدمشق من أن إسرائيل ستتخذ إجراءات صارمة لمنع محاولات إعادة تسليح حزب الله بالأسلحة الإيرانية عبر الأراضي السورية.

ويعرف الإيرانيون أن الهدف من تحريك جبهة حلب وبالقوة والسرعة الحاليتين هو جزء من إضعاف نفوذهم في سوريا، سواء أكان ذلك بترتيب مسبق أم بتحركات منفردة وبالهدف نفسه بين الغرب وتركيا والمعارضة السورية. وندد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الجمعة بهجمات للمعارضة السورية ووصفها بأنها “خطة أميركية صهيونية بعد هزيمة النظام الصهيوني في لبنان وفلسطين.”

وجاء في بيان لوزارة الخارجية الإيرانية أن عراقجي “شدد على دعم إيران المستمر لحكومة سوريا وأمتها وجيشها في كفاحها ضد الإرهاب،” في اتصال هاتفي أجراه مع وزير الخارجية السوري بسام الصباغ.

ويعتقد مراقبون أن الهجوم الذي تشنه المعارضة السورية على حلب تم ترتيب توقيته بشكل محكم، ويهدف إلى استمالة الغرب وإسرائيل، ويظهر وقوف تركيا وراءه لتقاطع مصالحها مع الهجوم، فهي من ناحية تضغط على الأسد ليقبل بالتطبيع معها، والأهم أنها ستستفيد من تحجيم نفوذ إيران كمنافس إقليمي قوي، وفي الوقت نفسه تأكيد أن أنقرة تبقى دائما حليفا للغرب ومصالحها، ما يفسر صمت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وعدم تعليقه على الهجوم، وهو الذي لا يتوقف عن الخوض يوميا في ملفات صغيرة.

وقال المحلّل نيك هيراس من معهد نيو لاينز للإستراتيجية والسياسة إن تركيا ترى أن “حكومة الأسد تواجه وضعا صعبا بسبب عدم اليقين بشأن مستقبل الوجود الإيراني في سوريا، وترسل رسالة إلى دمشق وموسكو للتراجع عن جهودهما العسكرية في شمال غرب سوريا.” ورأى هيراس أن الفصائل المعارضة تتمتع الآن بـ”موقع أفضل للاستيلاء على القرى مقارنة بالقوات الحكومية السورية المدعومة من روسيا، بينما ينصبّ تركيز الإيرانيين على لبنان.”

◙ الرئيس السوري فشل في التقاط الإشارات الإيجابية للتقارب التي أرسلها إليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وفهمها ضعفا من جانب أنقرة.

ودعت تركيا الجمعة إلى “وقف الهجمات” على مدينة إدلب ومحيطها، معقل المعارضة المسلحة في شمال غرب سوريا، بعد سلسلة غارات شنتها القوات الجوية الروسية والسورية. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية أونجو كيتشيلي “لقد طالبنا بوقف الهجمات. وقد أدت الاشتباكات الأخيرة إلى تصعيد غير مرغوب فيه للتوترات في المنطقة الحدودية،” مشيرا إلى “التطورات في إدلب ومحيطها.”

ودخلت مجموعات مسلحة، من بينها هيئة تحرير الشام وفصائل مدعومة من تركيا، الجمعة مدينة حلب في شمال سوريا، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، بعد قصفها في سياق هجوم بدأته قبل يومين على القوات الحكومية هو من أعنف جولات القتال منذ سنوات. وقال مدير المرصد رامي عبدالرحمن إن الفصائل “دخلت إلى الأحياء الجنوبية الغربية والغربية” للمدينة. وقال شاهدا عيان من المدينة إنهما شاهدا رجالا مسلحين في منطقتهما، وسط حالة هلع في المدينة.

وأودت العمليات العسكرية بحياة 255 شخصا، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، معظمهم مقاتلون من طرفي النزاع، ومن بينهم 24 مدنيا قضى معظمهم في قصف من طائرات روسية تدعم قوات النظام في المعركة. ومع حلول يوم الجمعة كانت الفصائل قد بسطت سيطرتها على أكثر من خمسين بلدة وقرية في الشمال، في أكبر تقدّم تحرزه المجموعات المسلحة المعارضة للنظام منذ سنوات. ووصلت في المقابل تعزيزات من الجيش السوري إلى مدينة حلب، ثانية كبرى المدن في سوريا، وفق ما أفاد به مصدر أمني سوري.

وقال المصدر “وصلت التعزيزات العسكرية ولن يجري الكشف عن تفاصيل العمل العسكري حرصا على سيره، لكن نستطيع القول بأن حلب آمنة بشكل كامل ولن تتعرض لأي تهديد.” وأعلن الجيش السوري في بيان الجمعة مواصلته “التصدي” للهجوم و”استعادة السيطرة على بعض النقاط التي شهدت خروقات خلال الساعات الماضية.”

وتزامنا مع الاشتباكات شنّ الطيران الحربي الروسي والسوري أكثر من 20 غارة على إدلب وقرى محيطة بها، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، أدّت إلى مقتل شخص. واعتبر المتحدّث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف الجمعة أن الوضع في حلب “انتهاك لسيادة سوريا.” وأعرب عن دعم بلاده “للحكومة السورية في استعادة النظام في المنطقة وإعادة النظام الدستوري.”