فشل الحل السياسي يدفع نحو استمرار انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا

وكالة أنباء حضرموت

لا تزال انتهاكات حقوق الإنسان تثير جدلا واسعا في الأوساط الليبية في ظل فشل جهود المجتمع الدولي في إخراج البلاد من أزمتها السياسية والأمنية التي لا تزال تخضع لتأثيراتها بعد 13 عاما من الإطاحة بحكم العقيد الراحل معمر القذافي.

وقالت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا إنها وثقت وفاة طالب بالكلية الجوية مصراتة علي رافع السنوسي الصداعي جراء التعذيب الجسدي المبرح بمقر الكلية. وأوضحت في بيان، أن تعذيب الصداعي أفضى إلى إزهاق روحه ووفاته بتاريخ يوم الجمعة 15 نوفمبر 2024 بمقر كلية الدفاع الجوي مصراتة.

وتابعت أن ملابسات الواقعة المذكورة تُشكّل جريمة يعاقب عليها القانون، ومخالفة صريحة للقانون العسكري والمدني. وذكرت المؤسسة أن الواقعة تمثل إساءة لاستعمال السُلطة أدت إلى إزهاق روح إنسان جراء التعذيب، ناهيك عن كون الواقعة تُمثل انتهاكاً جسيمًا لحقوق الإنسان.

وطالبت المؤسسة مكتب المدعي العام العسكري بفتح تحقيق شامل في ملابسات الواقعة واستجلاء كامل المعلومات والأدلة والظروف المتعلقة بواقعة المواطن السابق ذكره تحت التعذيب بحسب ما أعلن أهالي الضحية وذويه. ودعت إلى اتخاذ كافة الإجراءات القانونيّة اللازمة بحق المتهمين بارتكاب الواقعة، بما يكفل حق أهالي الضحية وذويه في الوصول إلى العدالة وإنصافهم.

كما أدانت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا واقعة مقتل امرأة حامل وإصابة زوجها على أيدي مسلحين في طرابلس مطالبة بمحاسبة المسؤولين وتقديمهم للعدالة. ونشرت المؤسسة مقطع فيديو يرصد ويوثق حادثة إطلاق النار على مركبة أحد المواطنين في الطريق العام في منطقة غوط الشعال وسط مدينة طرابلس من قبل مسلحين يرتدون الزي العسكري أو الأمني، أثناء محاولة اعتراض طريقة.

وأدى إطلاق النار العشوائي على السيارة إلى إصابة قائدها محمد أمبارك وهو من سُكان مدينة العجيلات، ومقتل زوجته نسمة إبراهيم وهي حامل في الشهر الرابع.

ودعت المؤسسة النائب العام ووزير الداخلية المكلف بالتحقيق في ملابسات الواقعة، وكشف ظروفها وملابساتها، وضمان ملاحقة المسؤولين عنها والمتورطين في ارتكابها وتقديمهم إلى العدالة ومحاسبتهم.

وأشارت إلى أن الواقعة تشكل جريمة قتل يعاقب عليها القانون، كما تشكل انتهاكا خطيرا وجسيما لحقوق الإنسان، مجددة التأكيد على أهمية ضمان إنهاء إفلات المتورطين في ارتكاب هذه الجريمة من العقاب، وتقديمهم إلى العدالة.

ونادت المؤسسة بضرورة إنهاء ظاهرة الإفلات من العقاب حيال مثل هذه الجرائم والانتهاكات الجسيمة الماسة بحقوق الإنسان، والتي تُرتكب من عناصر وضباط أمن معني بهم صون المواطنين وحمايتهم لا إهانتهم وإذلالهم وإزهاق أرواحهم، وارتكاب هذه الجرائم والانتهاكات الجسيمة بحقهم.

وبحسب ناشطين، فإن المسلحين الذين قاموا بإطلاق النار يتبعون جهاز دعم الاستقرار الذي يترأسه غنيوة الككلي.

ويرى مراقبون، أن انتهاكات حقوق الإنسان لا تزال متواصلة في مختلف أرجاء البلاد نتيجة استمرار هيمنة الميليشيات ولغة السلاح وفشل الأطراف الداخلية والخارجية في الحد من ظاهرة الإفلات من العقاب، بالإضافة إلى انتشار ثقافة الكراهية والعداء المجاني مع تشكل ملامح الدكتاتوريات الناشئة سواء في غرب البلاد أو في شرقها.

وطالبت منظمة رصد الجرائم في ليبيا حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي الليبي والسلطات في شرق ليبيا، بما في ذلك مجلس النواب والقيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية، بوقف حملات الاعتقال التعسفي، ووقف الاعتداء على أسر المعتقلين، والإفراج الفوري عن جميع المعتقلين تعسفيا والكشف عن مصير المختفين قسريا.

ونادت المنظمة باحترام حرية الرأي والتعبير وحمايتها والحق في التجمع السلمي، وضمان عدم ملاحقة المدنيين بسبب مشاركتهم في التظاهرات السلمية وتعبيرهم عن مواقفهم السياسية.

كما حددت مطالبتها السلطات في ليبيا بتحمل المسؤولية عن إنقاذ حياة المهاجرين على طول طرق الهجرة وفي البحر، وإعداد آليات فعالة للبحث والإنقاذ لوقف الخسائر في حياة المهاجرين، والعثور على المفقودين وتحديد هوياتهم، كما تطالب منظمة رصد بفتح تحقيق مستقل وشفاف للكشف عن المسؤولين عن تهريب المهاجرين وضمان محاسبة المسؤولين وفق المعايير الدولية للمحاكمة العادلة.

◄ منظمة رصد الجرائم في ليبيا طالبت حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي بوقف حملات الاعتقال التعسفي

وحثت المنظمة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا على الضغط على جميع الأطراف في البلاد لاحترام حقوق الإنسان وحمايتها، والعمل على تحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية وإنهاء حالة الإفلات من العقاب، وجددت مطالباتها لمكتب المدعي العامة للمحكمة الجنائية الدولية بالتراجع عن قراره بوقف التحقيقات في ليبيا بنهاية عام 2025، لضمان عدم إفلات الجناة من العقاب.

وكان كريم خان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية تحدث عن تحقيق تقدم قوي خلال الأشهر الأخيرة بشأن التحقيقات التي يقوم بها مكتبه في ليبيا. وقال إن “فريق الأمم المتحدة الموحد في ليبيا نفذ 18 مهمة في 3 مناطق جغرافية، وجمع أكثر من 800 دليل، بما في ذلك مواد مرئية وصوتية، فضلا عن أكثر من 30 إفادة، وإفادات عبر المقابلات.”

وفي إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي، أكد خان أنه “تم إحراز تقدم كبير في ما يتعلق بالتحقيق في الجرائم المزعومة في مراكز الاحتجاز في الفترة بين عامي 2014 و2020.” لافتا “واصلنا تقديم دعم ملموس وهادف في ما يتعلق بالإجراءات الوطنية بشأن الجرائم ضد المهاجرين،” مضيفا أنه استضاف أعضاء فريق التحقيق المشترك في المقر الرئيسي للمحكمة في لاهاي في مارس الماضي، حيث “قام الفريق أيضا بتفصيل كيف يمكننا تحقيق التآزر للتأكد من التحقيق في الجرائم المرتكبة ضد هؤلاء الأفراد الأكثر ضعفا، والمساءلة بشكل صحيح.”

وأعرب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية عن اعتقاده بأنه في تقريره السادس لمجلس الأمن “لدينا لحظة تاريخية من خلال الإعلان عن خارطة طريق بشأن ما يمكن أن يكون استكمالا لمرحلة التحقيق في ما يتعلق بالقرار 1970،” وشدد على أن خارطة الطريق هذه تمثل رؤية حقيقية لتنفيذ ولاية مكتبه بشأن ليبيا، وتعرض بالتفصيل مجموعة مركزة من الأنشطة التي سيتم تنفيذها خلال الأشهر الثمانية عشر القادمة وما بعدها “لتوسيع نطاق عملنا بشكل كبير في ما يتعلق بالوضع في ليبيا،” مردفا “الأهم من ذلك، أن خارطة الطريق، في اعتقادي، هي شيء يمكن لضحايا ليبيا أن ينظروا إليه على أنه ليس مجرد كلام فارغ، بل هو شيء مؤثر وهادف لتعزيز حقهم في العدالة.”

وأوضح خان أنه “إذا كان هناك إيمان حقيقي وصادق بأن حياة كل إنسان لها نفس القدر من الأهمية، فإن سيادة القانون يجب أن تطبق في ليبيا كما يجب أن تطبق في كل الحالات الأخرى.” لافتا إلى أنه عند النظر إلى حالات أخرى سواء كانت أوكرانيا أو فلسطين أو الروهينجا، فإن الوقت قد حان للعمل من أجل سيادة القانون، “وهو ما خلص إليه مجلس الأمن كشرط مسبق للسلام والأمن الدوليين.”

ويشير متابعون للشأن الليبي إلى أن الفشل في تحقيق الحل السياسي يدفع نحو استمرار انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا، كما أن غياب موقف جدي من المجتمع الدولي وعجز الأمم المتحدة عن تبني قرارات حازمة ضد الممسكين بمقاليد السلطة يؤديان إلى تفاقم الاستهدافات المتواصلة للحريات العامة والخاصة وإطلاق أيادي حملة السلاح في مواجهة المدنيين الذين يواجهون جبهات الخوف في شرق البلاد وجنوبها.