تحقق وقف إطلاق النار.. لبنان يعود إلى تحديات مشاكله الأخرى

وكالة أنباء حضرموت

دخل وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة لإنهاء الحرب بين إسرائيل وحزب الله حيز التنفيذ. واستيقظ لبنان بعد ساعات من ذلك على أصوات إطلاق النار الاحتفالية بدلا من الضربات الجوية الإسرائيلية والطائرات المسيرة التي سبق أن اجتاحت سماء المنطقة.

وشكّلت تلك لحظة راحة نادرة للبنان. وتوقفت القنابل بعد سنة من الحرب. وعاد آلاف النازحين مسرورين إلى مدنهم وقراهم في جنوب لبنان وشرقه.

لكن لحظة إدراك ما ينتظرهم سرعان ما خيمت على الفرحة، حيث تسببت الحرب في تدمير بلدات في الجنوب والشرق وأجزاء من العاصمة بيروت. وسُوّيت قرى حدودية بأكملها بالأرض، وتضررت آلاف المباني. ويقدر البنك الدولي بلوغ الخسائر حوالي 8.5 مليار دولار.

ويقول كريم شهيب في تقرير على الأسوشيتد برس أن لبنان واجه كوارث معقدة لأكثر من نصف عقد. وجلب له اتفاق وقف إطلاق النار أسئلة أكثر من الإجابات. فمن سيدفع فاتورة إعادة البناء؟ هل سيسحب حزب الله مقاتليه وترسانته بالكامل من الجنوب، وينتقل إلى شمال نهر الليطاني؟ وكيف سيضمن الجيش اللبناني ذلك؟ وهل ستقبل إسرائيل في النهاية تراجع المسلحين دون تدميرهم؟

وتفاقم في الوقت نفسه الشلل السياسي في لبنان بين الجماعات المتحالفة والمعارضة لحزب الله خلال الحرب. ويزيد هذا من احتمال عدم الاستقرار الذي يمكن أن يهز وقف إطلاق النار.

التمويل الدولي والدعم السياسي سيكونان مهمين لتخفيف وطأة الحرب على اللبنانيين الذين يعانون اقتصاديا

ومن المقرر أن ينسحب حزب الله والقوات الإسرائيلية من جنوب لبنان خلال المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الذي يستمر 60 يوما، استنادا إلى قرار مجلس الأمن رقم 1701. كما من المقرر أن نشهد تدخل الجيش اللبناني.

ويجب أن تضمن القوات اللبنانية تفكيك حزب الله لمنشآته ومواقعه العسكرية وعدم محاولته إعادة البناء. وتعدّ هذه نقطة توتر رئيسية، مما قد يضع الجيش في مواجهة خطيرة مع الجماعة المتشددة الأكثر قوة.

ويعدّ الجيش، الذي تموله الولايات المتحدة وحكومات غربية أخرى، نقطة نادرة للوحدة في النظام السياسي الطائفي المتوتر المصمم لموازنة القوى في لبنان. وطالما حاول تجنب الاحتكاك مع حزب الله، الذي يدعمه جمهور كبير من المسلمين الشيعة في لبنان.

وقال حسن فضل الله، النائب عن حزب الله، للصحافيين الخميس إن الجماعة ستتعاون مع الجيش لتنفيذ وقف إطلاق النار. لكنه ذكر كذلك أن الجيش لا يتمتع بالقدرة على الدفاع عن لبنان ضد إسرائيل، وهو الدور الذي تبناه حزب الله منذ فترة طويلة. وقال إن الجماعة ستواصل لعب هذا الدور. وشدد على أن حزب الله يحتفظ بحق الدفاع عن نفسه إذا هاجمته إسرائيل.

ويرى المعلق اللبناني مايك عازر أن الجيش “في موقف مستحيل.” وذكر في منشور على الإنترنت أن الإيحاء باستطاعته نزع سلاح حزب الله أو تفكيك بنيته التحتية يعد أمرا محالا.

وقال مسؤول عسكري لبناني لوكالة الأسوشيتد برس إن نشر القوات سيكون تدريجيا في مناطق الجنوب، بما في ذلك تلك التي تنسحب منها القوات الإسرائيلية. وستشارك الولايات المتحدة وفرنسا أيضا في آلية مراقبة للتأكد من تنفيذ القرار 1701.

وقال سلمان الشيخ، الذي عمل مستشارا سياسيا لمبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى لبنان خلال حرب 2006، عند تمرير القرار، إن قابلية تطبيقه تخضع للاختبار، إن وُجد هذا الالتزام حقا بين جميع الأطراف. ويدير سلمان اليوم مجموعة الشيخ، وهي منظمة للوساطة وحل النزاعات.

منتقدو الاتفاق يخشون من أن يكون الضغط على لبنان أكبر بكثير، مع منح إسرائيل مساحة أكبر لمهاجمة حزب الله

ويخشى منتقدو الاتفاق من أن يكون الضغط على لبنان أكبر بكثير، مع منح إسرائيل مساحة أكبر لمهاجمة حزب الله وهو ما تعهدت بفعله إذا رأت أن حزب الله لا يلتزم بشروطه.

وقال ماثيو داس، نائب رئيس مركز السياسة الدولية في واشنطن، إن إسرائيل منحت نفسها، بدعم من الولايات المتحدة، الحرية شبه الكاملة لتحديد متى تحتاج أو تريد مهاجمة لبنان مرة أخرى لأي سبب يُذكر.

وغرق لبنان منذ أواخر 2019 في أزمة مالية خانقة جرت الملايين إلى فوهة الفقر. ودمرت نظامه المصرفي، ولم تعد الحكومة توفّر لسكان البلاد سوى بضع ساعات من الكهرباء يوميا.

وعانى الجيش اللبناني أيضا. واستقال الجنود أو عملوا في وظائف ثانية لدفع فواتيرهم. لكن الهدف من الاتفاق ينص على تجنيد لبنان المزيد من العسكريين ونشره 10 آلاف جندي جنوب نهر الليطاني. وسيكون هذا الأمر مستحيلا دون أي تمويل كبير، خاصة مع تكاليف إعادة البناء الهائلة التي تواجهها البلاد اليوم.

وتعهد المجتمع الدولي في مؤتمر للمانحين في باريس الشهر الماضي بتقديم مليار دولار للبنان، بما في ذلك 800 مليون دولار للمساعدات الإنسانية و200 مليون دولار لدعم الجيش. لكن جماعات الإغاثة تقول إن هذا التمويل لم يُوزّع بعد.

وذكرت منظمة ميرسي كور غير الحكومية الدولية أن الناتج المحلي الإجمالي اللبناني تقلص بنسبة 6.4 في المئة (أي حوالي 1.15 مليار دولار) خلال الشهرين الأخيرين من الحرب. وتعمل المنظمة على تأمين السكن والخدمات للنازحين قبل فصل الشتاء.

وقالت ليلى الأمين، مديرة مكتب بيروت لمنظمة الإغاثة الدولية ميرسي كور، في بيان إنه ما زال من الممكن أن تبرز أسوأ الآثار المدنية في المستقبل.

ويكمن السؤال الأبرز فيمن سيدفع الفاتورة. وعرضت إيران المساعدة، لكنها تعاني من ضائقة مالية وتخضع لعقوبات غربية. وسئمت دول الخليج العربية الغنية بالنفط، التي ساعدت في إعادة الإعمار بعد حرب 2006، الطبقة السياسية اللبنانية ولا يبدو أنها تميل إلى التدخل.

التوترات المحلية

كان حزب الله وترسانته حتى قبل الحرب نقطة خلاف في لبنان. ويقول حلفاؤه إن مقاتلي حزب الله يبقون مهمين في حماية البلاد. لكن منتقديه يشددون على أن أسلحته تنتهك سيادة الدولة وتُستغل للضغط على المعارضين السياسيين. وطالبوا لذلك منذ فترة طويلة بنزع سلاح الجماعة.

وقال النائب آلان عون إن للبنان قائمة طويلة من الأمور العاجلة التي تُستوجب عليه معالجتها. وتشمل انتخاب رئيس بعد أكثر من عامين من الفراغ وتأمين تمويل إعادة الإعمار وحل مجموعة من القضايا الاقتصادية المهملة. وصرّح لوكالة الأسوشيتد “تنتظرنا العديد من التحديات.”

وسبق أن غضب معارضو حزب الله من قراره البدء من جانب واحد بإطلاق الصواريخ على شمال إسرائيل في 8 أكتوبر 2023. وقالت الجماعة حينها إنها تتضامن مع حليفتها حماس في قطاع غزة. وتعهدت بعدم التوقف حتى يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في القطاع. ويقول منتقدون إنها جرت لبنان إلى الحرب وجلبت قصفا إسرائيليا مدمرا.

وأعرب بعض حلفاء حزب الله أيضا عن إحباطهم. وقال النائب جبران باسيل، الذي يرأس حزبا كان لسنوات الحليف المسيحي الرئيسي لحزب الله في الحكومة، في مقطع فيديو نُشر على موقع إكس إن الجماعة “يجب أن تكون في خدمة الدولة،” وليس العكس.

وطالما ضغط رئيس البرلمان نبيه بري، حليف حزب الله الرئيسي الذي قاد جهود المفاوضات، على الجماعة لفصل حملتها ضد إسرائيل عن الحرب في غزة. وهو يدعو البرلمان الآن إلى التصويت لانتخاب رئيس في يناير لتخفيف الجمود السياسي في لبنان. ويمكن أن تضع هذه الخطوة سلطة حزب الله السياسية على المحك.

ويرى سلمان الشيخ أن التمويل الدولي والدعم السياسي سيكونان مهمين في هذه النقطة. وقال إن على المجتمع الدولي “مساعدة اللبنانيين في حل مشاكلهم التي لا تزال قائمة، والتي لا تقتصر على الإجراءات الإسرائيلية ضدهم.”