التعاون بشأن تغير المناخ ضرورة بيئية تثبّت بناء السلام بين إسرائيل وجيرانها العرب

وكالة أنباء حضرموت

اختتمت فعاليات مؤتمر المناخ العالمي التاسع والعشرون في أذربيجان الأسبوع الماضي. وعلى مدى اثني عشر يوما، اجتمع الدبلوماسيون والمبدعون والناشطون في باكو للتصدي للتحديات التي تواجه كوكبنا، حيث حضر المؤتمر وفد إسرائيلي يضم أكثر من مئة شخص.

وقبل بدء الاجتماع السنوي، صرح جدعون بيهار، مبعوث إسرائيل للمناخ، قائلاً “لا يمكننا إعطاء الانطباع بأن الحرب قد أغلقتنا.” إن الدولة اليهودية “تريد المساهمة في المعركة العالمية ضد تغير المناخ” ولديها “حلول وتكنولوجيا لتقديمها.” وكانت إسرائيل تستخدم ذكاءها التكنولوجي لتعميق تكاملها الإقليمي قبل هجوم حماس في السابع من أكتوبر 2023. وربما أدت الحرب التي تلت ذلك إلى تشتيت هذا المشروع، لكنها لم توقف كل التعاون الإقليمي.

ويرى إيال هولاتا، الزميل الكبير في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في تقرير نشرته مجلة ناشيونال أنتريست، أن مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين هو مناسبة للعودة إلى المسار الصحيح بالكامل. فبالنسبة إلى إسرائيل، فإن التعاون المناخي ضرورة بيئية ووسيلة مثبتة لبناء السلام مع جيراننا العرب.

وقبل عامين، في مؤتمر الأطراف السابع والعشرين، وافقت إسرائيل والأردن والإمارات العربية المتحدة على المضي قدمًا في صفقة المياه مقابل الطاقة التي تنص على قيام إسرائيل بتعزيز صادرات المياه المحلاة إلى الأردن في مقابل الطاقة النظيفة من مزرعة شمسية في المملكة الهاشمية. وكان من المقرر إطلاق “مشروع الازدهار” الثلاثي في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين في دبي، لكن حماس كانت لديها خطط أخرى.

وقبل أسابيع من افتتاح مؤتمر المناخ في دبي، شنت الجماعة المدعومة من إيران هجومها في السابع من أكتوبر 2023، فقتلت واختطفت أكثر من ألف ضحية في جنوب إسرائيل. ولم يكن الهجوم مجرد تمرين، بل كان محاولة محسوبة لعكس اندماج إسرائيل في المنطقة وتخريب اتفاقيات أبراهام، التي بدأت تتجلى في ترتيبات مثل صفقة المياه مقابل الطاقة التي تم التوصل إليها في مؤتمر المناخ في دبي.

وكان ” مشروع الازدهار” أحد الضحايا الدبلوماسية الأولى لحماس. فبعد أن شنت إسرائيل هجومها المضاد ضد حماس، تدهورت العلاقات بين الأردن وإسرائيل، وانسحبت عمان من المشروع الثلاثي. واتهم وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إسرائيل بتعزيز “بيئة الكراهية والعداء” وسخر من فكرة “جلوس وزير أردني بجانب وزير إسرائيلي لتوقيع الصفقة.”

وربما أوقف السابع من أكتوبر توسيع وتعميق العلاقات الإقليمية لإسرائيل، وأخرج بعض الاتفاقيات عن مسارها، وأوقف توقيع اتفاقيات جديدة. لكن الموقعين على اتفاقيات أبراهام ــ الدول البراغماتية التي تسعى إلى الأمن والاستقرار والازدهار ــ وشركاء السلام التقليديين لإسرائيل لم يقطعوا العلاقات مع الدولة اليهودية. وتستمر العلاقات الدبلوماسية، وتظل العلاقات الاقتصادية قائمة.

وتحافظ المصلحة المشتركة في خلق شرق أوسط آمن ومستقر ومزدهر على الحلم الإبراهيمي حياً حتى مع استمرار الحرب حول حدود إسرائيل. ويظل التعاون الإقليمي لصد التهديدات المشتركة وتسخير المصالح المشتركة ممكناً ويمكن أن يحوّل الشرق الأوسط بالكامل. ويمكن لمؤتمر الأطراف التاسع والعشرين أن يلهم المنطقة لإعادة تكريس نفسها لهذه المهمة.

◙ المصلحة المشتركة في خلق شرق أوسط آمن ومستقر ومزدهر تحافظ على الحلم الإبراهيمي حيا حتى مع حرب غزة

ويمكن لإسرائيل وشركائها الإقليميين أن يبدؤوا بتعزيز الجهود المشتركة لمعالجة المخاوف المشتركة المتعلقة بالطاقة والمياه والأمن الغذائي. ولا يزال “مشروع الازدهار الثلاثي” مجمداً ولكنه لم يمت. وبدا أن الأردن تراجع عن انسحابه في مارس عندما طلبت عمان من القدس تمديد الاتفاق لمدة اثني عشر شهراً. وينبغي أن يكون المشروع نموذجاً للتعاون الأكثر طموحاً. وخلال مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، قدمت العديد من الشركات الإسرائيلية تقنيات تحويلية لقطاعات المناخ والطاقة والغذاء والمياه.

وينبغي للحكومات العربية وتلك الأبعد من ذلك أن تشرع في مشاريع مشتركة مع إسرائيل تستفيد من تقنياتها التحويلية. ويمكن لهذه الجهود أن تبني على روح منتدى النقب، وهو إطار للتعاون بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة ومصر والمغرب والبحرين تأسس في عام 2022.

وهناك مبادرة أخرى تستحق الدفع بها وهي ممر اقتصادي عبر الشرق الأوسط يمتد من الهند إلى أوروبا. ففي سبتمبر 2023 أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والهند والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وألمانيا وفرنسا وإيطاليا عن خطط لبناء “الممر الاقتصادي الهندي – الشرق الأوسط – أوروبا” الذي يربط آسيا بأوروبا عبر الشرق الأوسط.

وإذا تحقق هذا الهدف، فإن الممر الاقتصادي الهندي – الشرق الأوسط – أوروبا يمكن أن يبشر بعصر جديد من الاتصال من شأنه أن يسهل تطوير وتصدير الطاقة النظيفة ويعزز الأمن الغذائي وسلاسل التوريد. وتجسد المشاريع الثلاثة الروح المتفائلة التي غلفَت الشرق الأوسط قبل أن تغرق حماس المنطقة في الحرب.

وفي السادس من أكتوبر 2023، كانت اتفاقيات أبراهام مزدهرة، وكانت المملكة العربية السعودية وإسرائيل على وشك التطبيع. وكانت العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والخليج تتعزز، وكانت الفرص للمزيد من التعاون وفيرة. وأطلقت اتفاقيات أبراهام العنان لعصر من التحول والاتجاهات الإيجابية التي من الممكن أن تتغلب على العنف المتفشي في المنطقة.

وأصبحت اتفاقيات أبراهام ممكنة بفضل قيادة إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب والقادة العرب الذين أدركوا أن مصالحهم الوطنية تفضل السلام والتعاون مع إسرائيل، وليس الصراع الدائم. وقد أدى هذا الإدراك إلى تعزيز العلاقات الدبلوماسية، وتوقيع اتفاقيات تجارية، وفتح الأسواق والطرق الجوية.

ولا ينبغي للحرب أن توقف هذا الزخم أو تشوّه مستقبل المنطقة. ويتعين على الحكومات الإقليمية أن تدرك أن من مصلحتها المشتركة أن تضع حداً للحرب، وأن ترى حماس تفرج عن كل الرهائن، وأن تشرع في إعادة بناء مناطق الحرب المدمرة في غزة ولبنان.

وبعد ثلاثة عشر شهراً من الصراع المكثف، لا بد وأن تعكس السياسة الإسرائيلية هذه الغاية المنشودة. وبوسع البلدان الإقليمية أن تساهم في الوصول إلى هذه الغاية، وأن تساعد في خلق الظروف اللازمة لضمان عدم تكرار سيناريو السابع من أكتوبر مرة أخرى.

ويتعين على الزعماء البراغماتيين أن يقودوا الطريق نحو عمليات سياسية جديدة من شأنها أن تعمل على استقرار المنطقة وتعزيز الأمن لجميع الشعوب. ولا بد وأن يكون هذا مجرد بداية لتكامل إسرائيل في الشرق الأوسط البراغماتي حيث يستهدف المتطرفون الراديكاليون كل أولئك الذين يحلمون ويأملون في منطقة مزدهرة.

والواقع أن النجاح المشترك يشكل أهمية بالغة ليس فقط بالنسبة إلى الأمن القومي لإسرائيل، بل وأيضاً بالنسبة إلى جيرانها. وقد تبدو هذه الرؤية لمنطقة متكاملة بالنسبة إلى المتطرفين أشبه بالكابوس. وقد تبدو غير واقعية بالنسبة إلى المتشككين أو اليائسين. ولكن بالنسبة إلى أولئك الذين يسعون إلى مستقبل أفضل للجيل القادم، فإن هذا هو الطريق الوحيد للمضي قدمًا.