الريفيات ضحايا التغيرات المناخية في تونس
تبرز تحديات الريف بشكل واضح في ظل نقص المياه الناتج عن التغيرات المناخية. ويتسبب شح المياه في صعوبات إضافية للنساء الريفيات، اللواتي يقمن بأعباء المنزل وأعمال أخرى خارجه. وتظهر قلة المياه تأثيرات سلبية على حياتهن بشكل أكبر. وتعاني النساء الفلاحات في الوسطين الريفي والواحي بتونس جراء تداعيات التغيرات المناخية وما تخلّفه من شح في المياه وتراجع للموارد الطبيعية التي هي مصدر رزقهن الأساسي.
وأشارت حسيبة بلغيث، رئيسة مشروع “فينا كليمة: الجندرة والتمويل المناخي” الذي تنفذه جمعية “شباب تونس يؤثر”، أن هذا المشروع الذي انطلق سنة 2022 يرمي أساسا إلى مد يد المساعدة للنساء الفلاحات اللاتي ينشطن في المناطق الريفية والواحية ومساعدتهن على تذليل الصعوبات التي تعترض عملهن خاصة تلك المتعلقة بتراجع الموارد المائية وشح مصادر المياه وهو ما أثر على أنشطتهن وعلى مواردهن الحياتية.
وأضافت خلال ندوة صحفية حول موضوع “النساء الريفيات ضحايا التغيرات المناخية” نظمته جمعية “شباب تونس يؤثر” أن التمويلات المرصودة اليوم في تونس بعنوان مجابهة تداعيات التغيرات المناخية لا تصل إلى هذه الفئات التي تأثرت كثيرا بتداعيات الظاهرة الطبيعية المتفاقمة، لذلك يسعى هذا المشروع إلى تمكين هذه الفئة من النساء من النفاذ إلى مصادر المياه من خلال التشجيع على اعتماد بعض الطرق التقليدية لتعبئة ما توفر من مياه وترشيد استهلاكها والمحافظة على ديمومتها وتكوين أعداد هامة منهن على ذلك، وتأهيلهن لنقل تجربتهن إلى غيرهن من النساء العاملات في الفلاحة بمناطقهن.
وشددت على أن من أهداف هذا المشروع المساعدة على تعبئة بعض الموارد المالية لتمويل بعض المشاريع الهادفة لمساعدة هؤلاء النساء الفلاحات على مقاومة تداعيات التغيرات المناخية. وأوضحت أن مفهوم العدالة المناخية الذي كثر الحديث عنه في السنوات الأخيرة هو في جوهره يرمي إلى التخفيف من تداعيات مثل هذه الظواهر الطبيعية والمناخية على الفئات والشرائح الاجتماعية الأكثر عرضة لمضارها العديدة والمتنوعة ولا ينبغي أن تتحمل هذه الفئات وزر هذه الإشكاليات لوحدها، وفق تصريحها.
وتم خلال هذا اللقاء الإعلامي عرض شريط وثائقي قصير استعرض تجارب عينة من النساء الفلاحات في جهات قبلي وسليانة والمهدية ونفزة (محافظة باجة) وعين دراهم (محافظة جندوبة) في مجابهة ظاهرة شح المياه الناجمة عن التغيرات المناخية وجهودهن لاستدامة أنشطتهن الفلاحية والمحافظة على مصادر رزقهن. ويشار إلى أن جمعية “شباب تونس يؤثر” تأسست سنة 2018 وهدفها نشر الوعي بأهمية تنمية ثقافة المواطنة والتنمية المستدامة وتنمية روح المبادرة لدى الشباب والفئات الهشة للنهوض بهم وبمساهمتهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وتشكل المرأة في الوسط الريفي الشريان النابض والمقوم لكل الأعمال المنزلية والخارجية، ومقابل ذلك تكون النساء الريفيات الأكثر عرضة للضرر وهي كذلك الحلقة الأضعف على جميع المستويات الاجتماعية والاقتصادية خاصة، فهي أيضا محاصرة بثقافة ذكورية تغذيها عدة عوامل. وتشير بعض الإحصائيات الخاصة بالمرأة الريفية أنّ 10.3 في المئة من العاملات في الأرياف هنّ ضحايا حوادث الشغل، منهن 21.4 في المئة معرضات لمخاطر حوادث العمل، و62.2 في المئة يعملن في ظروف صعبة، و18 في المئة يعملن في ظروف صعبة جداً.
بدورها خلصت دراسة أعدها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية تحت عنوان “التغير المناخي: التأثير والآثار غير المتوقعة الأسباب والنتائج مدينة العلا ومدينة قلعة الأندلس (مدينتين ريفيتن) مثالا”، إلى أن تأثيرات التغير المناخي كانت أشد وقعا على الطبقة الفقيرة التي زاد وضعها الاجتماعي والاقتصادي تعقيدا، إضافة إلى أن الفئات الهشة وفي مقدمتها النساء هي الأكثر تضررا.
وأفادت منسقة قسم العدالة البيئية والمناخية بالمنتدى إيناس الأبيض، خلال ندوة صحفية انتظمت الثلاثاء بالعاصمة، أن هذه الدراسة تهدف للتوعية بأن التغيرات المناخية أصبحت واقعا لابد من التعامل معه بجدية وبحذر والاستعداد له من خلال وضع سياسات تكيف وتأقلم تراعي المجتمعات المحلية وقدرتها على الصمود أمام التغيرات المناخية.
وأوضحت أنه قد وقع الاختيار على منطقتي العلا من ولاية القيروان وقلعة الأندلس من ولاية أريانة، رغم اختلاف موقعهما الجغرافي (الأولى ساحلية والثانية داخلية)، لاشتراكهما في الإشكاليات في علاقة بالشح المائي والجفاف والتأثيرات على موارد الدخل للمواطنين، وانتشار ظاهرة الهشاشة التي تعكسها العديد من المؤشرات على غرار ارتفاع معدل البطالة والفقر وتردي البنية التحتية.
وبيّنت إيمان الكشباطي صاحبة هذه الدراسة وهي أستاذة جامعية مختصة في علم الاجتماع وعلم الديموغرافيا، أن هذه الوثيقة تجمع بين مظاهر التغير المناخي ونتائجه في المنطقتين الأكثر فقرا في تونس حسب معطيات المعهد الوطني للإحصاء في خارطة الفقر 2020، وتهدف إلى كشف العلاقة بين تغير المناخ والهشاشة في هاتين المنطقتين وإمكانية ارتباط الانخراط في الهجرة بمختلف أشكالها بهذه التحولات.
◙ التغير المناخي تسبب في تدهور الوضع الاجتماعي لسكان الريف وأدى إلى زيادة معدلات البطالة وتصدع العلاقات الأسرية
وتسببت أزمة التغير المناخي في تدهور الوضع الاجتماعي لسكان منطقتي العلا وقلعة الأندلس، حيث أدت إلى انخفاض الإنتاج الزراعي والدخل والقدرة الشرائية وجودة الحياة الاقتصادية ونتج عن ذلك زيادة معدلات البطالة والنزوح وتصدع العلاقات الأسرية، كما تأثرت الحالة النفسية الجماعية بسبب الجفاف.
ويواجه سكان هاتين المنطقتين، وفق الدراسة، جملة من التحديات خلال ممارسة أنشطتهم الاقتصادية اليومية أهمها غياب رأس المال ودعم الدولة ونقص الاستثمارات وضعف الأجور اليومية أو الشهرية بالإضافة إلى تدهور القدرة الشرائية. ويعاني المتساكنون من مستويات عالية من الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية خاصة وأن ضعف الإنتاج الفلاحي الذي يشكل العمود الفقري للاقتصاد المحلي أدى إلى فقدان العديد منهم لوظائفهم والالتحاق بالعاطلين.
وكشفت الدراسة أن حدة هذه التأثيرات قد ازدادت بسبب ضعف تدخل الدولة والاضطلاع بمهامها، من خلال ضبط سياسات بيئية واقتصادية واجتماعية ملائمة لهذه التغيرات وممارسة دور الرقابة ضد الإخلالات التي يقوم بها الصناعيون والسكان وتوعية المواطنين بمخاطر التغير المناخية وإشراكهم في إستراتيجية للحد من تأثيراته.
وكشف مسح الاستقصائي للبنك الأوروبي للاستثمار، أن تغيُّر المناخ يؤثر بالفعل على التونسيين. فتونس ضمن البلدان الأكثر تأثرًا بتغيُّر المناخ وشح الموارد المائية وتآكل المناطق الساحلية. وثمة ضرورة إلى الحصول على استثمارات للحد من تداعيات الاحترار وذلك إلى جانب رفع الوعي وتغيير السلوك.
وتؤكد نتائج المسح التأثيرات السلبية لتغيُّر المناخ على سبل كسب عيش التونسيين، إذ أفاد 52 في المئة منهم بأن دخلهم قد تأثر. وتُعزى هذه الخسائر عادة إلى الجفاف الشديد أو ارتفاع منسوب مياه البحر أو تآكل المناطق الساحلية أو الأحوال الجوية بالغة الشدة كالفيضانات أو الأعاصير.
وتعرف تونس أزمة شح في المياه، وستترك الأزمة، وفق عديد الخبراء، تداعيات كبيرة على الطبقات الفقيرة، حتّى في المجتمعات غير الزراعيّة فقرار منع استعمال المياه لغسيل السيّارات، الذي فرضته السلطات التونسيّة مؤخّرًا، أدّى إلى انهيار قطاع كامل يضم 10 آلاف عامل، ينتمي معظمهم إلى فئة الفقراء.
وهذا السيناريو تكرّر كذلك مع العاملين في مجال التنظيف، بعدما قررت السلطات أيضًا منع استعمال المياه لتنظيف المساحات العامّة والأقسام المشتركة في الأبنية السكنيّة.
كما ستدفع ثمن كل هذه الأزمة العائلات الأكثر فقرًا، التي لا تملك القدرة الماليّة لتأمين وسائل تخزين المياه في المنازل والأبنية، للاستفادة منها خلال فترات التقنين. كما لا تملك هذه الأسر القدرة على تأمين وسائل تنقية ومعالجة مياه الشبكة الرسميّة، بعدما ارتفعت فيها نسب الملوحة نتيجة الجفاف، ما يعرّض الفقراء لتداعيات صحيّة وخيمة.
وستعاني الأسر الفقيرة جرّاء عدم امتلاكها القدرة الماليّة لتأمين مياه الشرب المعدنيّة من خلال العبوات، والتي تعتمد عليها الطبقتان الوسطى والثريّة حاليًا، ما سيدفع الأسر الفقيرة إلى الاعتماد على مصادر غير نظيفة لتأمين مياه الشرب.