توفير القمح أولوية مصرية مع تنامي الأخطار الإقليمية

وكالة أنباء حضرموت

اتخذت الحكومة المصرية مجموعة من القرارات لتوفير مخزون إستراتيجي من القمح مع تزايد خطر انفجار صراع إقليمي واسع يُقيد حركة سلاسل الإمداد، لتجنب صعوبات واجهتها بعد اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا وتعثر استيراد القمح الذي يعتمد عليه المصريون.

وقالت الهيئة العامة للسلع التموينية (حكومية)، الجمعة، إنها تتابع بشكل مستمر التحركات السعرية للسلع والعمل على استغلال مستويات الأسعار المنخفضة عالميا لتأمين متطلباتها مع التزامها التام بالإفصاح عن أي صفقات أو ممارسات تبرمها الهيئة مع الغير، ردا على تقارير أشارت إلى أن القاهرة أبرمت واحدة من أكبر صفقات شراء القمح لإمدادات شهرية في الفترة من نوفمبر إلى أبريل من العام المقبل.

وراجت معلومات، الخميس، بأن الصفقة تتضمن شحن القمح إلى الهيئة العامة للسلع التموينية بحوالي 510 آلاف طن متري سيتم توريدها شهريا من مناشئ البحر الأسود، بإجمالي يصل إلى 3.12 مليون طن. ومن المقرر أن يتم توريد الصفقة من خلال مشروع مشترك بين أحد الكيانات المصرية ومورد عالمي كبير على أساس شهري، دون الكشف عن أسماء الشركات.

وكانت القاهرة طرحت ممارسات لاستيراد قرابة 4 ملايين طن من القمح من عدة مناشئ منذ أربعة أشهر، بهدف تعزيز الاحتياطي الإستراتيجي للقمح، وفي ذلك الحين تأثر سعر القمح في أسعار البورصات العالمية لاستحواذ مصر على كميات كبيرة.

وشجعت الحكومة المصرية الفلاحين على زراعة القمح، وقررت زيادة سعر شراء المحصول بنسبة 10 في المئة ليصل إلى 2200 جنيه (الدولار= 48 جنيها) للأردب، وهو أعلى سعر للشراء من المزارعين في تاريخ البلاد.

وتستهدف الحكومة توسيع رقعة أراضي القمح مع بدء زراعة المحصول في نوفمبر المقبل، وهدفها الرئيسي تأمين مخزون البلاد في ظل تصاعد التوترات في المنطقة، دون أن تضع في اعتبارها خفض قيمة الواردات من الخارج وتقنع بأن السير في جميع الاتجاهات يضمن توفيره لنحو ستة أشهر على الأقل.

وتدرك القاهرة أن تصاعد حدة الصراعات في المنطقة يقود إلى ارتفاع أسعار القمح، في وقت بدأت تتوافر فيه العملة الصعبة التي تُمكنها من الاستيراد، وتعي أيضا أن مشكلات شح الدولار قد تتجدد حال شهد الاقتصاد العالمي هزات ضخمة تقود إلى المزيد من التدهور على مستوى عائدات قناة السويس التي تراجعت بالفعل، كذلك معدلات السياحة التي قد تعاني كثيرا.

ولدى القاهرة بنية تحتية تمكنها من تخزين القمح لفترات طويلة من خلال الصوامع وشون التخزين التي توسعت في تدشينها مؤخرا، ولا تخشى من إمكانية تلف المحصول، وعلى قناعة بأن هناك احتياجا متزايدا من الخبز مع ارتفاع أسعار السلع الرئيسية وصعود معدلات التضخم التي تُرغم المواطنين على الإكثار منه، وتترتب على ذلك زيادة في الاستهلاك، خاصة مع تنامى توافد الفارين من الصراعات.

وتسد الحكومة المصرية الثغرات التي قد تأتي منها الانتقادات الموجهة إليها بشأن عدم السيطرة على الأسواق أو عدم توفر بعض السلع، وتتعامل مع الخبز باعتباره العنصر الأهم في منظومة الأمن الغذائي الذي لا يجب أن يتم المساس به تحت أي ظروف اقتصادية صعبة، وترى أن المكاسب التي تحققها جراء توفير مخزون أكبر من أي أموال قد يتم توجيهها لإحداث زيادة متوقعة في معدلات الاستيراد.

وقال نقيب الفلاحين حسين أبوصدام إن استيراد ما يقرب من 10 ملايين طن من القمح سنويا بحاجة إلى اتخاذ قرارات سريعة وحاسمة تضمن توفيرها مبكرا قبل أن تتعرض سلاسل الإمداد لهزات تؤدي إلى ضعف الحركة التجارية حول العالم.

وأوضح لـ”العرب” أن مصر تتخوف من عدم وصول القمح إليها حال جرى استهداف سفن النقل، وتعتمد على السعة التخزينية الكبيرة التي تكفي لأكثر من 4 ملايين طن في الصوامع الحديثة والشون والقديمة، لأن الإنتاج المحلي قد لا يكفي نصف الاستهلاك السنوي فقط.

وذكر أن الحرب الروسية – الأوكرانية دقت جرس إنذار بضرورة التحرك قبل اشتعال الأوضاع، وهناك رصد مستمر للأخطار التي قد تحيط بمناطق مرور سفن النقل، ورصد دائم لأسعار السلع الإستراتيجية ومعدلات ارتفاعها وانخفاضها واختيار التوقيت المناسب للشراء، لافتا إلى أن الحكومة قررت هذا العام لأول مرة تحديد سعر استرشادي لأردب القمح قبل بدء المحصول وتعمل على تقديم المزيد من الحوافز للفلاحين عبر توفير كميات كبيرة من التقاوي المعتمدة لزيادة الإنتاجية.

وتصل حصيلة زراعة القمح في مصر إلى نحو 3.5 مليون طن، وتوفر أكثر من نصف الاستهلاك المحلي، وتتجه الحكومة لإحياء خطط خلط القمح بالذرة البيضاء التي لا يتم استيرادها من الخارج لضمان توفير الخبز، وتدرس إضافة الشعير والبطاطا.

وقدمت وزارة التموين المصرية خطة إلى الخبازين وشركات المطاحن بنهاية الشهر الماضي لخلط الذرة مع دقيق القمح بنسبة 4/1، اعتبارا من أبريل المقبل، ما يوفر حوالي مليون طن متري من القمح، بعد أن ألغت الحكومة خطة سابقة لزيادة معدل استخراج الدقيق المستخدم في الخبز المدعوم من القمح.

وطرحت مصر خططا لاستبدال القمح في ضوء سعيها لتحقيق قدر أكبر من الاكتفاء الذاتي، حيث تم استخدام الذرة لعدة سنوات قبل 20 عاما، لكن حملات الممانعة التي قامت بها مجموعات الصناعة دفعت الحكومة إلى التخلي عن الفكرة.

وقال الخبير الاقتصادي علي الإدريسي إن الحكومة المصرية تتوقع ارتفاع أسعار القمح والبترول والغاز، ما تتبعه زيادة كبيرة في أسعار السلع الرئيسية، وتعمل على تأمين الاحتياجات الرئيسية لتعزيز الأمن الغذائي، وأن الصفقات تأتي من مناطق متعددة لضمان وصول الشحنات، وتسابق الزمن لتنفيذ الصفقات خشية أي مفاجآت.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن القاهرة تهدف إلى أن لا يحدث شح في السلع الإستراتيجية، وتتعامل مع القمح بنفس الأهمية التي توليها للنفط والغاز، واتجهت لأول مرة لاستعادة ثقة المزارعين قبل بدء موسم زراعته بدلا من انتظار تحديد سعر التكلفة، وترى أنها ستكون مطالبة بشراء القمح المحلي بأعلى قيمة من المزارعين لضمان تقديم الخبز للمواطنين.

وأشار إلى أن التجارب التي تعرضها الحكومة للتقليل من استخدام القمح بحاجة إلى تعزيزها وبحث تجربتها على الأرض، وهناك العديد من المقترحات المرتبطة بإنتاج الخبز من الحمص والكتان والذرة والبطاطا، وتعد إعادة تفعيل دور مركز البحوث الزراعية والتعاون مع وزارة التموين للتعرف على احتياجات الناس أمرا ضروريا.

وتحتاج وزارة التموين إلى نحو 8.25 مليون طن من القمح سنويا من أجل توفير الخبز المدعوم لأكثر من 70 مليونا، وفقا لموازنة العام المالي 2024 – 2025، حيث يتم الحصول على حوالي 3.5 مليون طن محليا ويتم استيراد الباقي.