مأساة وبطولة وشبهات.. دراما كاملة في تحول يخت «بايزيان» الفاخر لنعش أثرياء

وكالة أنباء حضرموت

تحشد قصة غرق يخت «بايزيان» الفاخر المملوك لقطب الأعمال البريطاني مايك لينش، كل عناصر الدراما المثيرة من واقع كونها مأساة مكتملة لكنها تحتضن خطوط البطولة والغموض والإثارة والمفاجآت.

فمن ناحية، كان من المفترض أن تكون رحلة «بايزيان» بداية حياة جديدة لرجل مبدع في تخصصه إلى حد وصفه بأنه "بيل غيتس بريطانيا"، إذ جلب لينش الذي هو في الأصل عالم رياضيات أصدقاءه المقربين وعائلاتهم للاحتفال بتبرئته من قضية طويلة مرهقة شوهت سمعته ونالت من ابتكاراته لأكثر من 10 سنوات.

سيناريو الحياة الجديدة، ينطبق أيضا على ابنة لينش الشابة "هانا" التي كانت قد انتهت لتوها من امتحان رفيع المستوى ضمن لها مكانًا في جامعة أكسفورد، وانضمت للاحتفال متفائلة ببداية فصل جديد في رحلة حياتها.

ومن ناحية أخرى، تكونت شبهات كبيرة حول إهمال جسيم ارتكبه طاقم السفينة من القبطان إلى بقية الفرق، وما تبع ذلك من نجاة الأغلبية الكاسحة من الطاقم في مقابل وفاة أغلبية الركاب.

خطوط درامية

الخطوط الدرامية مستمرة أيضا بالنظر إلى أن أحد الناجين من بين الركاب هو أنجيلا باكاريس زوجة الملياردير لينش، التي ربما تصبح بدورها مليارديرة تعيسة نظرا لأنها لم تفقد زوجها فقط، بل وابنتها الشابة أيضا.

عنصر البطولة في قصة اليخت "بايزيان" يذهب إلى شارلوت جولونسكي، الموظفة الشابة لدى الملياردير لينش، التي اصطحبت زوجها وطفلتها ذات العام الواحد لليخت، قبل أن تفتك بهم العاصفة التي أغرقته، وتحمل طفلتها مصارعة الأمواج بأيادٍ مرتفعة حتى تم إنقاذهم جميعا.

أما المفاجأة، فهي بشكل ما لا تبعد كثيرا عن حكاية تيتانيك، إذ إن يخت «بايزيان» الفاخر ما كان له أن يغرق بهذه السرعة المتناهية (60 ثانية وفقا تقديرات صحيفة الغارديان)، رغم كل ما يملكه من عوامل أمان وإحكام، بما في ذلك "أطول صاري ألمنيوم في العالم".

وقبل ذلك، مثلت العاصفة في حد ذاتها مفاجأة، إذ كانت بقوة غير مسبوقة.

وفي الخلفية، مثل الحادث درسا مؤلما للإعلام وصدمة جديدة في النظرة لقيمة الإنسان، إذ لم ينل الحادث متابعة إعلامية مكثفة سوى بعد معرفة أن اليخت يحمل أثرياء على متنه.

بداية حياة جديدة!
يخت بايزيان الفاخر

في يونيو/حزيران الماضي حصل مايك لينش أخيرا وبعد معاناة دامت 13 عاما على البراءة من تهم بالاحتيال في الولايات المتحدة.

كانت التهم تتركز في قيام لينش بالتلاعب بدفاتر شركته للبرمجيات "أوتونومي" قبل أن يبيعها عام 2011 إلى الأمريكية العملاقة "هيوليت باكارد" صاحبة الشهرة الواسعة في عالم صناعة الحاسبات.

هذه الصفقة شكلت حجر الزاوية في ثروة لينش التي اختلفت تقديراتها إلى حد القول بأنها ناهزت مليار دولار.

عقب البراءة، اختار قطب الأعمال الاحتفال بأناقة في إيطاليا إلى جانب ابنته هانا وزوجته أنجيلا، ونخبة من الشخصيات البارزة بما في ذلك محاميه كريس مورفيلو وزوجته، وجوناثان بلومر رئيس مورغان ستانلي إنترناشيونال، وزوجته، وشركاء آخرين بينهم موظفين لدى إحدى شركات لينش.

كانت الرحلة الفاخرة جدية بأن تكون بداية حياة جديدة لرجل عانى ظلما لأكثر من عقد.

6 جنسيات في اليخت الفاخر
وفقا لتقدير صحيفة "الغارديان"، حمل اليخت 12 راكبا جاءوا من المملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا ونيوزيلندا وإيرلندا، حيث احتلوا 6 أجنحة فاخرة على متن اليخت "بايزيان".

إلى جانبهم كان هناك طاقم من 10 أشخاص، بعضهم من سريلانكا.

يخت بايزيان.. مصدر الفخر يغرق في دقيقة
يخت بايزيان الفاخر يبلغ طوله 56 مترًا (طول ملعب كرة قدم مرتين ونصف المرة) ويفتخر بأنه يتضمن أطول صاري من الألمنيوم في العالم بطول 75 مترا (تعادل ربع ارتفاع برج إيفل تقريبا).

ينظر إليه على أنه سفينة شراعية، ويحمل العلم البريطاني.

وقد سمي اليخت على اسم عالم الرياضيات في القرن الثامن عشر توماس بايز، الذي ألهم عمله في الاحتمالات تفكير لينش المهني.

تم بناء اليخت عام 2008 من قبل شركة بناء السفن الإيطالية "بيريني" ويديره شركة كامبر آند نيكلسونز.

مسار الرحلة المنكوبة

أبحر اليخت من روتردام في هولندا وعبر الأسبوع الماضي مضيق جبل طارق، ووصل قبالة ساحل صقلية لزيارة جزر إيوليان.

وبعد توقف في ميناء ميلاتسو الإيطالي يوم الأحد 18 أغسطس/ آب، وصل يخت "بايزيان" قبالة سواحل بورتيسيلو وظل راسيا على بعد نصف كيلومتر من اليابسة.

على اليابسة، يقول فابيو سيفالو وهو صياد محلي، لصحيفة "الغارديان" إن سكان بورتيسيلو الذين اعتادوا على رؤية اليخوت السياحية الكبيرة، انبهروا بهذا اليخت وتكهنوا بأنه مملوك لنجم من هوليوود أو حتى لإيلون ماسك أغنى رجل في العالم.

يخت بايزيان الفاخر

وما هي إلا ساعات، حتى ومض البرق في السماء في الساعة 3.30 صباحًا، وفي الساعة 3.55 صباحا ضرب الشاطئ إعصار قوي "لم يشاهد السكان مثله" في حياتهم.

على متن بايزيان، بدأ الوضع يتدهور. وتمايل القارب الشراعي بشكل خطير تحت رحمة الرياح والأمواج.

يخت بايزيان الفاخر

وأظهرت صورة حصلت عليها صحيفة الغارديان من صياد محلي أن يخت بايزيان أطلق شماريخ الاستغاثة حمراء اللون من قارب نجاة مجاور له في الساعة 4.35 صباحًا.

يخت بايزيان الفاخر

وحسب الشهود، غرق يخت "بايزيان" في غضون 60 ثانية، بينما بدا أن الركاب كان لديهم حوالي 16 دقيقة لإنقاذ أنفسهم وتجنب الغرق.

15 ناجيا و 7 جثث وقصة بطولة
عقب غرق اليخت، ظهر قارب نجاة وعلى متنه 15 راكبًا فقط، لتتبدى ملامح المأساة.

في اليوم التالي، تصدرت عناوين الصحف الإيطالية أنباء عن نجاة 15 ناجيًا من أصل 22 راكبًا في اليخت. ومع ذلك، في وقت متأخر من صباح يوم الإثنين، عندما أكدت السلطات الإيطالية أن الملياردير لينش وضيوفه كانوا من بين المفقودين السبعة، استحوذت المأساة بسرعة على اهتمام عالمي.

وتم نقل ما لا يقل عن 10 ناجين إلى المستشفى، بمن فيهم شارلوت جولونسكي، 36 عامًا، وابنتها البالغة من العمر عامًا واحدًا. والتي أخبرت الأطباء أنها أبقت طفلتها طافية من خلال مد ذراعيها إلى الأعلى لمنعها من الغرق.

يخت بايزيان الفاخر

وروت جولونسكي كيف قاتلت لإنقاذ طفلتها من الغرق في البحر المظلم والهائج بينما كانت تسمع صراخ الركاب، وقالت لصحيفة جورنال دي سيسيليا: "لقد فقدت الطفلة لمدة ثانيتين في البحر، ثم احتضنتها على الفور مرة أخرى وسط غضب الأمواج.. احتضنتها بإحكام، ولحسن الحظ، انتفخ قارب النجاة وتمكننا من الصعود إليه".

وبالنسبة للمدعين الإيطاليين الذين يحققون في الحادث، فإن تركيزهم هو ما إذا كان القبطان والطاقم قد اتخذوا جميع تدابير السلامة اللازمة لمنع المأساة.

جهود الإنقاذ.. 5 أيام لانتشال الجثث
بدأت جهود البحث على الفور، في الساعات الأولى من صباح يوم الإثنين، مع عمل غواصين من فرقة الإطفاء بلا توقف. ولم يكن انتشال الجثث بالأمر السهل.


صباح الجمعة: انتشل الغواصون جثة هانا ابنة لينش، الضحية السابعة والأخيرة.

يخت بايزيان الفاخر

حقق لينش، 59 عامًا، نجاحًا كبيرًا عندما باع شركة "أوتونومي" للبرمجيات التي أسسها عام 1996 إلى شركة "هوليت باكارد" مقابل 11 مليار دولار في عام 2011.

لكن الصفقة سرعان ما تحولت إلى عبء بالنسبة له بعد اتهامه بالتلاعب بالدفاتر لإتمام البيع وطرده من قبل الرئيس التنفيذي لشركة HP آنذاك ميغ ويتمان.

قبل تلك الصفقة، كان لينش يحظى بإشادة واسعة النطاق باعتباره صاحب رؤية وأنه النسخة البريطانية من مؤسس شركة مايكروسوفت بيل غيتس والمؤسس المشارك لشركة أبل ستيف جوبز.

كان لينش مستشارًا للعلوم والتكنولوجيا لرئيسي وزراء سابقين في بريطانيا، كما أسس شركة إنفوك كابيتال وهي شركة استثمار ضخت أموالا عديدة في قطاعات الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي.

ووصف لينش بأنه "كان يقود طريق رجال الأعمال في المملكة المتحدة لتسويق اختراعاتهم على نطاق عالمي".

وقدرت مجلة فوربس ثروته بمليار دولار في عام 2015، وهو العام الوحيد الذي ظهر فيه على قائمة أغنياء المجلة.

وقدرت صحيفة صنداي تايمز البريطانية هذا العام أن ثروة لينش وزوجته أنجيلا باكاريس تبلغ 500 مليون جنيه إسترليني (655 مليون دولار).

وقد ترك لينش، عالم الرياضيات المتعلم في كامبريدج، بصمته في إدارة "اوتونومي" التي صنعت محرك بحث يمكنه التدقيق في رسائل البريد الإلكتروني وغيرها من المستندات التجارية الداخلية لمساعدة الشركات في العثور على معلومات حيوية بشكل أسرع.

وقد أدى النمو المطرد الذي شهدته شركة أوتونومي خلال العقد الأول من عمرها إلى منح لينش أحد أعلى الأوسمة في المملكة المتحدة، وهو وسام الإمبراطورية البريطانية من الدرجة الأولى في عام 2006.