الأوبئة تهدد قطاع تربية المواشي في ليبيا

وكالة أنباء حضرموت

تتصاعد استغاثات قطاع تربية المواشي في ليبيا للتعجيل في إنقاذه قبل وقوعه في أزمة عميقة قد لا يمكنه النهوض منها سريعا مع ظهور مؤشرات خطيرة على دخول المربين والمنتجين في دوامة تتعلق بانتشار الأمراض.

وتشهد مناطق واسعة من البلاد نقصا غير مسبوق في الأمطار، كما هو الحال في باقي منطقة شمال أفريقيا، ما ينذر بموجة جفاف هي الأقسى منذ قرابة خمسة عقود، والتي من المرجح أن تؤثر طويلا على العديد من المجالات المرتبطة بالمياه.

وتسبب شح الأمطار العام الجاري بنقص شديد بالمساحات الرعوية واتساع دائرة التصحر في بلد يعاني أصلا تصحرا واسعا وانحسارا في الغابات والغطاء النباتي بسبب طبيعته الجغرافية.

ورغم أن الثروة الحيوانية لا تشكل أحد الأعمدة الرئيسية للاقتصاد، الذي يعتمد بشكل كبير على إيرادات الوقود الأحفوري، فإنها ظلت مهمشة خلال عقود لقلة الاستثمارات، مما جعل أداءها ومساهمتها الفاعلة في التنمية دون المستوى المطلوب.

وتصطدم السلطات المنقسمة إلى حكومتين في الغرب والشرق، بالكثير من المطبات في طريق العمل على تحقيق أكبر استفادة من هذا القطاع الذي تشكل مساهمته أهمية بالغة في تأمين غذاء الليبيين.

وتبدو مصراتة الواقعة على بعد 187 كيلومترا شرق العاصمة طرابلس أحد المدن الليبية التي يتعرض فيها مربو الماشية لاستفحال الأوبئة، خاصة مع عدم قدرتهم على تطويق المشكلة في ظل غياب دعم من الدولة.

ويقول أصحاب مزارع حيوانات في مصراتة إن قطاع تربية المواشي في البلاد تعرض لضربة مدمرة في السنوات القليلة الماضية مع انتشار مرضي الحمى القلاعية والجلد العُقدي بسرعة بسبب عدم التطعيم في الوقت المناسب.

وهذان الوباءان عبارة عن عدوى فايروسية تصيب المواشي فقط، وينتشران عن طريق الحشرات الناقلة مثل البعوض ويسببان الحمى وظهور العقد على جلد الحيوانات، لكنهما لا ينتقلان إلى الإنسان ولا يشكلان أي خطورة عليه.

ومن ضمن أعراضهما ارتفاع درجات الحرارة والتهاب الجيوب الأنفية وظهور حبوب على الجلد، بحسب منظمة الصحة العالمية.

وكانت بدايات ظهور هذه الأوبئة في مناطق شرق ليبيا، خصوصا مدن البيضاء والمرج، بعد أن ضرب الإعصار دانيال شرق البلاد العام الماضي. كما رصدتها السلطات الزراعية في بلدات أخرى بمناطق توكرة والجبل الأخضر.

وذكر نجم الدين تنتون، وهو مشرف على مشروع لتربية المواشي، في تصريح لتلفزيون رويترز أن "هذه الحظائر كانت متواجدة فيها 742 رأسا (من الماشية)".

وأضاف "تعرضنا في الفترة الأخيرة إلى مرض الحمى القلاعية والجلد العقدي مما أدى إلى نفوق أكثر من 200 رأس وأكثر من 170 عجلا رضيعا".

وتابع “طبعا البقر الآن يعاني من ارتفاع في الحرارة.. الحرارة العادية بالنسبة إلى البقر من المفروض أن تكون بين 36 و37 درجة مئوية، أما في الوقت الحالي فهي تترواح من 40 إلى 41 درجة، وهذا يؤثر على نسبة إنتاج الحليب.. البقر تقريبا لا يوجد فيه حليب نهائيا”.

وتتأثر ليبيا شأنها شأن أي بلد منكوب بنزاعات بفعل تغير المناخ بدرجة أكبر من غيرها، وهي مصنفة ضمن البلدان الأقل استعدادا لمواجهة الأخطار المناخية على مستوى العالم.

ووفق التقديرات، فقد أدت هذه الظواهر المناخية المتقلبة إلى تدمير حوالي 85 في المئة من الأراضي الزراعية وقرابة 40 في المئة من الثروة الحيوانية في البلد النفطي.

وتشير أرقام منظمة الأغذية والزراعة (فاو) إلى أن ليبيا تمتلك قرابة 7.3 مليون رأس منها 1.5 مليون رأس من الماعز و100 ألف من الأبقار و60 ألفا من الإبل والباقي من الأغنام.

ووصل متوسط استهلاك الفرد الليبي سنويا من اللحوم الحمراء إلى 33.5 كيلوغراما، وذلك حسب آخر رصد لمنظمة فاو في العام 2016. وفي العام الماضي، اضطرت السلطات إلى زيادة الاستيراد، حيث ارتفعت شحنات المواشي الحية بنحو 106 في المئة على أساس سنوي.

وبحسب بيانات الشركة الليبية للموانئ المنشورة في مارس الماضي، اشترت ليبيا من الأسواق الخارجية قرابة 53 ألف رأس، منها 39.6 ألف رأس من الأغنام و11.9 ألف رأس من الأبقار و850 رأسا من الماعز.

◙ مرضا الحمى القلاعية والجلد العُقدي انتشرا بسرعة بين رؤوس الماشية بسبب عدم التطعيم في الوقت المناسب

وأصبحت مصراتة، وهي مركز لإنتاج الألبان، واحدة من أكثر المدن تضررا، فقد نفقت أكثر من 2500 بقرة حلوب منذ عام 2023 مما جعل العديد من المربين على حافة الانهيار المالي، وفقا لمدير مكتب صحة الحيوان في مصراتة سالم البدري.

وقال البدري "يعاني المربون من عدة مشاكل منها الحمى القلاعية والجلد العقدي، طبعا الحمى القلاعية مرض مستوطن وللأسف في غياب التحصين، تم انتشاره بكميات كبيرة".

وأوضح أن بعد ذلك “دخل علينا كذلك مرض الجلد العقدي، هذا المرض المدمر سبب لنا خسائر كبيرة جدا سواء أكانت في نفوق الأبقار أو النقص الشديد في الحليب”.

وأضاف "المرض كما يعرفه الليبيون تعرفنا عليه في الآونة الأخيرة، إنه مرض خطير ومرض مدمر حقيقة، وهذا دمر مشاريعنا بالكامل وسبب أكثر من 2500 نفوق بالنسبة للأبقار المنتجة للحليب".

ويعاني مربو المواشي من خسائر مالية والعديد منهم معرض للإفلاس، إذ يتراوح سعر البقرة الواحدة بين 17 و25 ألف دينار (من 3550 إلى 5220 دولارا) وتنتج القليل من الحليب أو لا تنتجه أصلا.

وتفاقمت الأزمة بسبب استمرار غياب الاستقرار السياسي والاقتصادي حتى أصبح المربون بلا أمل يذكر في التعافي. وأوضح خالد أصويد، وهو صاحب مزرعة، “بالنسبة للمربين خسروا خسائر كبيرة وهناك أناس تضرروا وخرجوا تماما من السوق".

وأرجع الخسائر إلى قلة تحصين القطعان من الأوبئة بالتطعيمات. وقال "الدولة لم تهتم بنا في التحصينات، فتربية الأبقار باتت مكلفة، فالبقرة تكلف من 17 إلى 25 ألف دينار، أي إن المربي عندما تنفق لديه خمس أو ست بقرات، ينتهي مشروعه”.