السيطرة أسهل من الحكم
طالبان تدير أفغانستان بخبرات مسؤولي الحكومة السابقة
يدرك المجتمع الدولي وحركة طالبان أيضا أن سهولة سيطرتها على أفغانستان لا تعني سهولة حكمها للبلاد وإدارة شؤونها، فهناك صعوبات كثيرة سوف يتعين على الحركة مواجهتها، من بينها على سبيل المثال لا الحصر الصراعات الداخلية والمشاحنات القبلية، وتحسين الأوضاع الاقتصادية حيث يعاني الملايين من الأفغان من الفقر المدقع.
وفي الأيام الأولى بعد السيطرة على أفغانستان أعلن مسؤولو طالبان أنهم أنهوا الصراع الذي دام أربعين عاما في البلاد وأنهم سوف يغيرون أوضاع البلاد إلى الأفضل.
واستمرت الحركة في إطلاق الوعود، لكن هل بإمكانها فعلا تحقيقها والتمكن من إدارة شؤون أفغانستان على النحو المطلوب؟
كانت طالبان قد أعلنت أنها تريد تشكيل حكومة شاملة، لكنها في حقيقة الأمر قامت بتشكيل حكومة تصريف أعمال مؤقتة جميع الوزراء فيها من قادتها المعروفين.
وتفيد تقارير بأن معظم أعضاء الحكومة لا يتمتعون بتعليم عال أو مهني، ناهيك عن التعليم ذي الصلة بحقائبهم الوزارية. وحتى مؤهلاتهم الدينية تبدو مشكوكا فيها لأن معظمهم لا يتحدثون العربية، وهي اللغة التي تتحدثها المدارس الدينية في أفغانستان وباكستان، وقد اضطروا إلى استخدام المترجمين الفوريين للتواصل مع مضيفيهم القطريين في الماضي.
ومن بين الوزراء سراج الدين حقاني الذي تم تعيينه وزيرا للداخلية، والذي كان يتزعم جماعة مسلحة تعرف بشبكة حقاني المرتبطة بحركة طالبان، والتي كانت وراء بعض من أكثر الهجمات دموية في الصراع الذي شهدته أفغانستان طوال 20 عاما.
والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة كانت قد صنفت هذه الشبكة تحديدا بأنها إرهابية، وبعد أقل من يوم واحد من إعلان تعيين سراج الدين حقاني وزيرا للداخلية ضاعفت واشنطن المكافأة المخصصة لمن يقدم معلومات تساعد في القبض عليه إلى عشرة ملايين دولار، حيث أنه متهم بالتورط في هجوم على أحد الفنادق في كابول عام 2008 أودى بحياة ستة أشخاص من بينهم أميركي.
ويقول الكاتب والباحث الأميركي تريفور فيلسيث في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأميركية إنه يبدو أن طالبان أدركت خلال فترة ما بعد بسط سيطرتها على أفغانستان حتى الآن مدى صعوبة إدارة شؤون البلاد، إذ أنه رغم أن البلاد غنية بالمعادن، فإنها لا تمتلك الإمكانيات الكافية لاستخراجها. كما أن النظام الصحي الهش في البلاد على وشك الإنهيار.
ومعظم الأموال التي كانت تستخدمها الحكومة السابقة لتوفير الخدمات كان مصدرها المساعدات الدولية التي توقفت تقريبا الآن. وبالتالي أصبحت الحكومة المؤقتة غير قادرة على سداد قيمة واردات الغذاء والكهرباء، وتسعى جاهدة لتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين.
ومنذ سيطرة طالبان على كابول تراجع المانحون الدوليون عن مساعدة الأفغان، إذ علقت ألمانيا والسويد مساعدات التنمية، كما فعل الاتحاد الأوروبي ذات الشيء، بالرغم من إعلانه عن تقديم مساعدات إنسانية. وفي غضون ذلك علق صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تدفقات المساعدات التي ستخضع مباشرة لسيطرة الحركة المتشددة.
ويشير فيلسيث إلى أنه من أجل تجنب أسوأ العواقب لجأ قادة طالبان إلى خيار عملي، فقد طلبوا من المسؤولين في الحكومة السابقة العودة إلى العمل. وطلب مسؤولو طالبان تحديدا من العاملين المتخصصين السابقين في وزارة المالية والبنك المركزي العودة إلى أعمالهم اعترافا منهم بأن هؤلاء يفهمون كيف يديرون البلاد، وهو أمر لا يجيده أعضاء حركة طالبان.
لكنه يؤكد أن مهمة هؤلاء العاملين التكنوقراط ستكون صعبة. فقد تم تجميد أرصدة البلاد الخارجية لتجنب وقوعها في أيدي طالبان. وتستطيع الحكومة داخليا توفير ما بين 500 إلى 700 مليون دولار تقريبا، وهو مبلغ لا يكفي لدفع رواتب مسؤولي الحكومة أو توفير الخدمات العامة في دولة كانت تنفق في السابق ما يصل إلى 11 مليار دولار سنويا.
في المقابل، يقول الباحث الأميركي إنه ليس كل ما فعلته طالبان كان بدون جدوى. فقد كان تواصلها مع قطاعات الأعمال وحثها على استمرار أعمالها نجاحا جزئيا، كما أن التزامها بإنهاء الإرهاب وتجارة المخدرات والسعي لأن يكون لها دور في المجتمع الدولي ساعد في الحفاظ على تدفق المساعدات المالية، وأدى إلى بقاء ممثلي الأمم المتحدة وبعض المنظمات الدولية الأخرى في البلاد. كما تردد أن طالبان اتخذت إجراءات صارمة ضد الفساد الذي كان سمة مميزة لأنشطة الحكومة السابقة.
ويعتبر فيلسيث أن أولوية أجهزة الدولة الباقية في المستقبل القريب سوف تتمثل في تجنب مجاعة توقعت الأمم المتحدة حدوثها في أفغانستان. وسوف تحقق الأجهزة ذلك من خلال تنظيم واردات عاجلة وغيرها من السلع الأساسية مثل زيت الطهي.