المكسيك تسير نحو تحقيق قفزة اقتصادية كبرى في منطقة أميركا اللاتينية.

المكسيك قوة صاعدة لا يعيقها تفشي الفساد والجريمة

واشنطن

رغم أنها تملك العديد من المشكلات المعقدة، حيث تعاني من انتشار واسع للفساد والجريمة المنظمة يضاف إليهما تدهور كبير في قطاع الطاقة نتيجة سنوات من الاحتكار، إلا أن المكسيك تسير نحو تحقيق قفزة اقتصادية كبرى، يدعمها في ذلك كونها واحدة من الدول النفطية الكبرى وتمتلك قطاعا زراعيا كبيرا.

وتعدّ المكسيك نموذجا للدول ذات الإمكانيات الكبيرة والمشكلات الأكبر، فهي وإن كانت تسير نحو تحقيق قفزة اقتصادية إلا أنها تشهد موجات هجرة كبيرة نحو الولايات المتحدة، هربا من الفقر والبطالة.

ورغم كل ذلك يرى المحلل الأميركي تيلر كوين في تقرير نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء أن المكسيك قادرة على تحقيق معجزة اقتصادية لتصبح الدنمارك الجديدة في منطقة أميركا اللاتينية.

ويقول كوين “أنا أراهن على المكسيك”، مضيفا أنه يدرك أن الكثيرين يرون المكسيك باعتبارها مكانا خطيرا وفاسدا، لكن الحقائق الأساسية وهي الأهم وبخاصة بالنسبة إلى المستثمرين والاقتصاديين، تقول إن المكسيك واحدة من أكبر الاقتصادات الصاعدة من حيث متوسط دخل الفرد، كما أنها تمتع بتنوع الثقافات وقربها الشديد من الولايات المتحدة.

ويتوقع تقرير لمؤسسة “برايس ووتر هاوس كوبرز” للخدمات المهنية الدولية تقريرا بعنوان “العالم في عام 2050″، أن تصبح المكسيك، التي تحتل الآن المرتبة 11 بين اقتصادات العالم، بحلول عام 2050، سابع أكبر اقتصادات العالم. إذ ساهم التركيز على الصناعة والتصدير في دفع عجلة النمو الاقتصادي في السنوات الأخيرة.

ويضيف تيلر كوين إنه إذا لم يكن رأيه كافيا لإثارة التفاؤل بشأن مستقبل المكسيك، فيمكن سماع رأي أغلب سكان أميركا الوسطى الذين يقولون إن المكسيك أصبحت قريبة الشبه من الولايات المتحدة وبخاصة في ما يتعلق بسيادة النمط التجاري المفرط. هذا الانتقاد نفسه دليل على التقدم الذي تشهده المكسيك.

وتشير تقديرات إلى أن عصابات المخدرات تسيطر على حوالي 20 في المئة من أراضي المكسيك، كما أن معدلات القتل عالية فيها. هذه المشكلات لن تنتهي بالكامل، ولو أنها تعكس مستويات الطلب على المخدرات في الولايات المتحدة الجارة الشمالية للمكسيك.

ورغم ذلك فهذه المشكلات يمكن أن تصبح تحت السيطرة. فمع نمو ثروة المكسيك، ستزيد قدرة الحكومة المركزية وحكومات الأقاليم على فرض سيطرتها على أراضيها. ورغم أن الولايات المتحدة لا تستطيع التحكم في الكثير مما يدور بالمكسيك، فإن استمرار دعمها المالي للحكومة سيساهم في تحقيق الاستقرار.

وإذا كانت حكومة المكسيك شديدة الفساد ويقودها حاليا مجموعة من الشعبويين، فإن هذه الأوضاع يمكن أن تتحسن أيضا، مع زيادة قدرات الدولة. ففي المكسيك حاليا توجد طبقة متوسطة تصوت في الانتخابات وتنتظر الحصول على مقابل الضرائب التي تدفعها.

في الوقت نفسه، هناك أسباب تدعو للتفاؤل بشأن المكسيك الآن. أول هذه الأسباب هو توقف العولمة الاقتصادية بصورة ما، بل والانقلاب عليها في بعض المجالات. ومع تراجع ثقة الأميركيين في سلاسل الإمدادات القادمة من الصين، هناك فرصة جيدة أمام الشركات المكسيكية لكي تحل محل الصينيين في السوق الأميركية. كما أن المكسيك بشكل عام مصدر للعمالة الرخيصة في المصانع الأميركية.

وإذا استمرت صعوبة الرحلات السياحية إلى آسيا وأوروبا، أو أصبحت غير مريحة، سيزور الأميركيون المكسيك بصورة أكبر، ويعودون إلى قضاء العطلات في مناطق عديدة بالمكسيك غير إقليم كانكون. ومن المحتمل أن تستمر هذه العادات حتى بعد عودة السياحة إلى آسيا وأوروبا.

والمكسيك مثل أغلب دول أميركا اللاتينية تشهد ازدهارا في الشركات الناشئة وبخاصة في مجالي التجارة وتكنولوجيا الخدمات المالية. وقد تصبح مكسيكو سيتي عاصمة التكنولوجيا لأميركا اللاتينية. وسيحل هذا واحدة من المشكلات الاقتصادية في المكسيك، وهي أن الشركات الصغيرة تقرر البقاء صغيرة لتجنب الضرائب والقيود التنظيمية. وعلى العكس من ذلك، فإن شركات التكنولوجيا الناشئة الناجحة، تستطيع النمو بسهولة أكبر مع مواجهة قيود أقل من تلك التي تواجه الشركات الصناعية.

وهناك سبب آخر يدعو للتفاؤل بمستقبل المكسيك. فالبيانات الأخيرة تشير إلى أن المهاجرين من أصل لاتيني في الولايات المتحدة يندمجون بسهولة أكبر في المجتمع الأميركي. والكثير منهم لديهم تراث مكسيكي، وقد يصبحون مصدرا للاستثمارات والتعاون مع المكسيك. كما أنهم يمثلون تذكرة بأن الازدهار والنجاح في الولايات المتحدة لا يقتصران على ذوي الأصل الأوروبي.

ويقول كوين إنه يزور المكسيك منذ 40 عاما تقريبا، وفي كل مرة يرى الأمور تتحسن. والازدهار يبدو واسع النطاق، وهو ما يقلل التباينات العرقية والطبقية في البلاد. وعلى خلاف الكثير من دول العالم لا تواجه المكسيك مخاطر تتعلق بالأمن القومي. وتلك الميزة تضفي عليها أهمية متزايدة، إذ يتعين على الدول المنافسة للمكسيك التعامل مع مشكلات من جانب الصين، أو روسيا أو غيرهما من المصادر.

والحقيقة هي أن الكثير من الدول الأكثر نجاحا في العالم مثل الدنمارك لم تحقق طفرات كبيرة في النمو كما فعلت الصين. وبدلا من ذلك نجحت تلك الدول في تحقيق وتيرة نمو ثابتة مع بعض التراجعات الكبيرة القليلة.
والمكسيك، بصلاتها القوية مع الولايات المتحدة، في وضع جيد لتحقيق هذا النوع من النمو المطرد خلال العقود القادمة.

وعلى عكس الثمانينات، يدير البنك المركزي المكسيكي تكنوقراط متعلمون. حتى أثناء جائحة فايروس كورونا المستجد، التي أضرت بالاقتصاد المكسيكي بشدة، ظل التصنيف الائتماني للمكسيك في الحدود المقبولة.

ويؤكد كوين على أنّ “المكسيك هي الدنمارك المقبلة” عبارة قد تبدو غريبة ورغم أنها غير قابلة للتصديق، فهي عبارة قد تتحول إلى حقيقة في نهاية المطاف.