اخبار الإقليم والعالم

تجديد ولاية بعثة “أونمها” في الحديدة.. قراءة في دلالات التهدئة ومؤشرات التصعيد

وكالة أنباء حضرموت

صوّت مجلس الأمن بالإجماع، في 14 يوليو الجاري، على تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة “أونمها” حتى يناير 2026م. وتبدو الخطوة اعتيادية في سياق السلوك الأممي، لكنها لا تبدو كذلك في سياق التوقيت المتزامن مع استئناف جماعة الحوثي تصعيدها في البحر الأحمر، وإغراقها سفينتي شحن، إثر الهجوم عليهما، ما تسبب بمقتل أربعة مِن طواقمها، واختطاف ستة مِنهم، وفقدان آخرين.

وفي ظل ردود فعل دولية باهتة إزاء هذا التصعيد تأتي خطوة تمديد ولاية البعثة لمدة ستة أشهر قادمة لتثير عدة تساؤلات، مِنها: هل هذه خطوة مضافة في مسار تجميد معركة تحرير الحديدة لصالح تسوية سياسية؟ أم هي تأجيل للمعركة إلى ما بعد إغلاق الملف الإيراني؟ أم هي مجرد حدث هامشي غير مؤثر على استئناف التصعيد ضد الحوثيين؟

هذه الورقة تحاول قراءة دلالات وتداعيات هذا القرار، في ضوء مؤشرات التصعيد ومؤشرات التهدئة في الملف اليمني.

مضامين “اتفاق استكهولم”:

وقع وفدي الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي اتفاقًا في العاصمة السويدية (استكهولم)، تحت رعاية الأمم المتحدة، في 13 ديسمبر 2018م؛ وتضمن الاتفاق ثلاث مسارات: مسار بنود الإجراءات الخاصة بمدينة الحديدة ومينائها وميناء رأس عيسى، ومسار آلية تنفيذية لتفعيل اتفاقية تبادل الأسرى، ومسارًا خاصا بإعلان تفاهمات حول تعز؛ كما تضمن بنودًا مِن أبرزها: وقف إطلاق نار شامل بمحافظة الحديدة، وانسحاب قوات الطرفين مِن مدينة وميناء الحديدة، ومِن ميناء رأس عيسى، خلال 14 يومًا مِن توقيع الاتفاق، بهدف تأمين عمل الميناء لتدفق المساعدات الإنسانية. كما نص الاتفاق على إيداع جميع إيرادات الموانئ في حساب البنك المركزي اليمني فرع الحديدة، للمساهمة في دفع مرتبات موظفي الدولة، على أن تتشكل لجنة أممية لتنسيق إعادة انتشار القوات العسكرية ومراقبة تنفيذ الاتفاق، بما في ذلك إزالة الألغام مِن الحديدة ومينائها، وتحت إشراف السلطات المحلية وفق القوانين اليمنية.

تشكيل البعثة الأممية:

على إثر الاتفاق، أصدر مجلس الأمن قرارًا بتفويض الأمين العام للأمم المتحدة بتشكيل فريق أممي لدعم التنفيذ الفوري للاتفاق، ووفق القرار الدولي (2452)، في 22 ديسمبر 2018م. وتشكلت البعثة تحت مسمى بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة “أونمها”. ووصلت البعثة إلى الحديدة مطلع عام 2019م، وأنشأت مركز عمليات مشتركة، يضم ضباط ارتباط مِن البعثة وممثلي الحكومة وجماعة الحوثي.

انتهاكات وخروقات تنفيذ الاتفاق:

منذ الأسابيع الأولى لتوقيع الاتفاق كشفت الحكومة عن خروقات قامت بها مليشيا جماعة الحوثي المتمركزة في المدينة، حيث لم تلتزم بتنفيذ بند الانسحاب، وتجددت الاشتباكات المسلحة بينها وبين القوات الحكومية، كما أعلنت اللجنة العليا للإغاثة أن مليشيا الحوثي منعت دخول أكثر مِن (88) سفينة إغاثية وتجارية ونفطية حتى شهر يناير 2019م، واستهدفت سبع سفن بالقصف المباشر، مِنها أربع سفن سعودية وسفينتان إماراتيتان وسفينة تركية في البحر الأحمر. كما أوضحت اللجنة أن المليشيا احتجزت عددًا مِن الشاحنات الإغاثية في الطرق الرابطة بين محافظات الحديدة وصنعاء وإب وتعز وحجة وذمار، بما فيها شاحنات تحمل أدوية خاصة بوباء “الكوليرا” ولقاحات الأطفال، وشاحنات تحمل مادة القمح المقدم عبر برنامج الأغذية العالمي.

وخلال السنوات الماضية، منذ توقيع الاتفاق وحتى اليوم، لم ينفذ شيء مِن بنود الاتفاق سوى وقف إطلاق النار في الحديدة، حيث عطلت جماعة الحوثي الاتفاق وفق تفسيراتها الخاصة لبنود الاتفاق، بما في ذلك نشر عدد مِن عناصرها بزي قوات الأمن المحلية وقوات خفر السواحل، ومنعت توريد العائدات إلى الحساب الحكومي لصرف المرتبات، كما احتجزت سفينة “صافر” المتهالكة، ومنعت وصول فرق التفتيش والصيانة لعدة سنوات، واستمرت في تسخير الميناء لتدفق الأسلحة المهربة لصالح حروبها التي لم تتوقف.

ظلت البعثة قائمة بصورة شكلية، حيث أوضحت وزارة الإعلام اليمنية في بلاغ صحفي أن البعثة توقفت عن عملها منذ عام 2020م، في ظل غياب أي تحرك فاعل لتنفيذ الاتفاق في ظل سيطرة الحوثيين على مكاتب وسكن البعثة، ما جعل طاقمها رهينة ضغوط وابتزاز الجماعة المسلحة. وطالبت الحكومة في 2022م بنقل مقر البعثة الأممية إلى منطقة محايدة.

ومؤخرًا اتهمت الحكومة اليمنية، عبر وزير الإعلام، معمر الإرياني، بعثة الأمم المتحدة بالفشل الذريع في تنفيذ مهامها طيلة سبع سنوات، معتبرًا أنها تحولت إلى غطاء سياسي يتيح لجماعة الحوثي التهرب مِن التزاماتها وتعزيز نفوذها العسكري والاقتصادي غربي اليمن، وطالب بإنهاء ولايتها.

استمر التجاهل الأممي والدولي لهذه المواقف الحكومية، وصولًا إلى تصويت مجلس الأمن بالإجماع، في 14 يوليو الجاري، على تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة “أونمها” حتى يناير 2026م. وهذا التمديد يمنح الحوثيين مناخًا مساعدًا لاستمرار انتهاكاتهم وهجماتهم البحرية، ويُقيد القوات الحكومية عن تنفيذ عمليات تحرير الحديدة، بعد الفشل الذريع الذي مُني به “اتفاق استكهولم” حتى اليوم، بينما يرى آخرون أن تمديد عمل البعثة سيظل شكليا ولن يمثل عائقًا أمام أي عمل عسكري في ظل وجود مؤشرات عودة التصعيد 

السياق العام:

في 15 مارس الماضي، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية حملة جوية ضد جماعة الحوثي، المصنفة منظمة إرهابية أجنبية   مِن قبل الولايات المتحدة وأستراليا وكندا ونيوزلندا. واستمرت الحملة مدة سبعة أسابيع. وفي 6 مايو الماضي، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي، “دونالد ترامب”، عن اتفاق مع جماعة الحوثي، قضى بإيقاف الغارات الجوية الأمريكية، وإيقاف الحوثيين هجماتهم ضد السفن الأمريكية في خطوط الملاحة الدولية.

في 13 يونيو المنصرم، بدأ الكيان الصهيوني حملة جوية ضد النظام الإيراني، ما دعاها للرد عليه بقصف صاروخي، واستمرت الهجمات المتبادلة بين الطرفين لمدة (12) يومًا، ثم شاركت الولايات المتحدة الأمريكية بغارات جوية استهدفت منشآت نووية إيرانية، ثم أعلنت الإدارة الأمريكية عن توصل إسرائيل وإيران إلى اتفاق لإيقاف إطلاق النار.

اتسمت كلا الحملتين، في اليمن وإيران، بالمفاجأة في إعلان بدء تنفيذهما، وفي إعلان إنهائهما، دون وجود اتفاق مُعلن يتضمن الشروط والالتزامات والضمانات، وهو ما جعل مستقبل كل مِن الاتفاقين ضبابيا، مع القابلية للعودة في أي لحظة للمواجهة. هذه الضبابية ليست مقتصرة على هذين الحدثين، بل هي سمة بارزة في عدة أحداث في المنطقة، والتي يبدو أنها تشهد مرحلة إعادة تشكيل جديد.

معضلة التمويل وتكتيكات الضغط:

خلال الأشهر الماضية تجاوزت الأحداث عمل بعثة الأمم المتحدة، والغاية مِن إنشائها، خاصة منذ تنفيذ الحوثيين هجماتهم في البحر الأحمر، والتصعيد العسكري الدولي في اليمن، بما في ذلك الغارات الجوية الأمريكية في حملتها الأخيرة ضد المواقع والأهداف في مناطق سيطرة الحوثيين، حيث بدت الغارات أكثر فاعلية في الأثر عما سبقها منذ بداية انخراط الحوثيين في إستراتيجية النفوذ الإيراني في البحر الأحمر تحت غطاء مساندة غزة.

ظلت عدة دول أوربية وعربية تنأى بنفسها عن المشاركة في هذه الحملة، فالأوربيون اكتفوا في تعاملهم مع تهديدات ممرات الملاحة البحرية بإستراتيجية دفاعية في “تحالف حارس الازدهار”، وفي المهمة الأوربية “إسبيدس”، لحماية سفنها، عدا عن مشاركة محدودة للمملكة المتحدة (بريطانيا) في الحملة الأمريكية قبيل إعلان إنهائها.

وبحسب بعض التقارير الإعلامية المتداولة، فقد رفضت كل مِن السعودية ومصر المشاركة في تلك الحملة، فالسعودية فيما يبدو تشعر بأنه تم خذلانها مِن قبل المجتمع الدولي طيلة سنوات الحرب، منذ إعلان عملية “عاصفة الحزم”، كما أن بعض السياسات الدولية أسهمت في إطالة أمد الحرب في اليمن، وحولتها إلى موسم استثمار سياسي واقتصادي متعدد الاتجاهات، بما في ذلك قيام الجماعات الشيعية المسلحة التابعة لإيران باستهداف المنشآت النفطية في المملكة. كما أن تلك السياسات عرقلت معركة الشرعية عن الحسم، في عدة محطات. ومِن المحتمل أن السعودية باتت ترى أن مشكلة الحوثيين تطورت لتكون مشكلة دولية في البحر الأحمر وخليج عدن، وتمس المصالح الدولية، ووفق هذا التقييم فقد بدت المملكة غير متحمسة لتمويل الحملة الدولية نيابة عن كافة المتضررين مِنها.

أما بالنسبة لجمهورية مصر، فبحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” فقد رفضت طلبًا أمريكيا، مطلع أبريل الماضي، بالمشاركة في العمليات العسكرية ضد الحوثيين، لتأمين ممرات الملاحة، رغم تضرر الاقتصاد المصري بسبب تراجع تدفق سفن الشحن التجاري على قناة السويس؛ كما رفضت تصريحات الرئيس الأمريكي “ترامب” بشأن مرور السفن الأمريكية مِن قناة السويس دون دفع الأجور المفروضة. ومِن المحتمل أن اهتمام مصر حاليا منصب بأولويات أمنها القومي المباشر، والذي أصبح مهددًا بتداعيات الحروب المشتعلة على كافة المناطق المحاذية لحدودها.

مِن جهة أخرى، أشارت تقارير أمريكية وأوربية متعددة عن تقديم روسيا والصين، عبر وسطاء، تسهيلات تقنية ودعمًا فنيا لجماعة الحوثي، نكاية بالولايات المتحدة في سياق صراع الأقطاب الدولية.

في ظل هذا الواقع، يبدو أن الإدارة الأمريكية اختارت -بعقلية التاجر- تأمين مصالحها الخاصة بمعزل عن بقية الدول؛ وذلك عبر إبرام اتفاق مع الحوثيين، تُحمى بموجبه السفن والمصالح الأمريكية مِن أي اعتداء حوثي، بغض النظر عن إنهاء تهديدات الملاحة ومصالح بقية الدول التي لم تسهم في تحمل تكاليف خسائر المواجهة مع الحوثيين. ومع ذلك، فإن المعركة قابلة للعودة في أي لحظة، وقد يكون أحد أشكال عودتها المحتملة عبر تحالف أوسع، يتشارك التمويل والتبعات، في سياق معركة أشمل تبدأ بطهران وتنتهي بما تبقى مِن أذرعها في المنطقة.

ويلاحظ -في هذا السياق كله- أن العالم لا ينظر إلى الملف اليمني مِن واقع إشكالاته المحلية، بل مِن زاوية تداعيات ما يحدث فيه على المصالح الدولية، في ظل ما يراه كثير مِن المحللين والمراقبين مِن قصور في أداء عمل قيادة الشرعية لخدمة قضيتها، انتظارًا لحدوث تحولات في أولويات الخارج، ليأتي بالحلول ويُطبقها على الأرض نيابة عنها.

مؤشرات عودة التصعيد في اليمن:

رغم التعقيدات التي تحيط بالملف اليمني إلا أن طبيعة التطورات الحاصلة في المنطقة تشير إلى تحولات قد تقود لإنهاء الأزمة في اليمن، سواء عبر الحرب أو عبر التسوية السياسية، لذلك نستعرض مؤشرات كل مِنهما؛ والبداية هنا باستعراض ما يمكن اعتبارها مؤشرات لفرضية عودة التصعيد سواء في اليمن، أو في الشأن الإيراني لارتباط وتأثير ما يحدث في إيران على الواقع في اليمن.

عودة تصعيد الحوثيين ضد الملاحة بصورة غير مسبوقة:

في الآونة الأخيرة عاودت جماعة الحوثي هجماتها في خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر. وفي حين أن تلك الهجمات لم تغرق خلال (21) شهرًا، منذ بداية هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وحتى يونيو الماضي، سوى سفينتين تجاريتين، إلا أنها في أسبوع واحد، مِن يوليو الجاري، أغرقت سفينتين أخريين، ونفذت هجمات باستخدام زوارق مسيرة وصواريخ باليستية، وعبر اشتباك بالسلاح الخفيف ضد طواقم السفن المستهدفة. وقد جاء هذا التصعيد بعد توقف الحوثيين عن استهداف السفن منذ إعلان إيقاف الهجمات الجوية الأمريكية. ورغم اقتصار الاتفاق على السفن الأمريكية إلا أن “ترامب” أعلن حينها أن الملاحة قد أصبحت آمنة. وهذا التصعيد الأخير يضع الموقف الأمريكي وتصريحاته على المحك أمام العالم.

مطالبة واشنطن بإنهاء مهمة البعثة الأممية في الحديدة:

طالبت المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة بإيقاف مهمة البعثة الأممية لاتفاق الحديدة (أونمها)، قبل أسبوع مِن تصويت مجلس الأمن على القرار الأخير القاضي بتمديد مهمتها لستة أشهر، وبررت المندوبة الأمريكية ذلك باعتبار أن البعثة أصبحت غير قادرة على مواكبة التطورات الميدانية، وأن الأحداث على الأرض قد تجاوزت مهمتها. وقد قوبل هذا الموقف الأمريكي باعتراض شديد مِن قبل مندوب روسيا الذي دافع عن البعثة الأممية في الحديدة وقال: إن استمرارها ضروري للحفاظ على الاستقرار. ولاحقًا، صوتت الدول الأعضاء في مجلس الأمن بالإجماع على تمديد ولاية البعثة، بما في ذلك الولايات المتحدة، ما أظهر أن الموقف الأمريكي السابق لم يكن سوى مناورة لتحميل روسيا مسئولية استمرار تضرر المصالح الدولية في خطوط الملاحة الدولية. وقد استدرك المندوب الأمريكي في مجلس الأمن رغم تصويته لصالح قرار التمديد بأن الموافقة على هذا القرار مشروط بوفاء البعثة بالتزاماتها، وأنه يظل تحت التقييم؛ وهو استدراك يجعل الباب مواربًا للعودة نحو التصعيد في البحر الأحمر إذا اقتضت المصلحة الغربية ذلك.

عودة التصعيد الصهيوني:

في الأسبوع قبل الماضي، جدد الكيان الصهيوني غاراته الجوية على اليمن، عبر عملية أطلق عليها اسم “الراية السوداء”، واستهدفت ميناء الحديدة وميناء رأس عيسى ومحطة كهرباء الكثيب، ودمرت السفينة “جلاكسي”، المحتجزة لدى الحوثيين منذ بداية الهجمات في البحر الأحمر، وقالت إسرائيل: إنها كانت تحوي رادارًا بحريا لرصد حركة السفن. وتحدثت الإذاعة الإسرائيلية -قبل أيام- عن مطالبة رئيس الوزراء الإسرائيلي، “بنيامين نتنياهو”، الرئيس الأمريكي “ترامب”، بعودة العمليات الجوية الأمريكية ضد الحوثيين؛ وقال وزير الدفاع الإسرائيلي: إن الحوثيين سيدفعون الثمن باهضًا.

تصعيد التقارير الأمنية المنشورة في الإعلام:

كثفت بعض وسائل الإعلام الغربية مِن تداول تقارير تتحدث عن أن الحوثيين قد حصلوا على أسلحة جديدة متطورة، ومواد مشعة وكيماوية؛ وخصصت بعض القنوات العربية حلقات موسعة لمناقشة هذا الموضوع، كما تحدثت بعض التقارير الإسرائيلية أن إيران تمد الحوثيين بالأسلحة الجديدة ليكونوا بديلًا عن “حزب الله” اللبناني. هذا التصعيد الإعلامي مِن المحتمل أنه يهدف إلى توفير المبررات الأخلاقية لعودة الحرب ضد الحوثيين، سواء عبر الاستهداف الجوي أو عبر معركة برية، أو كلاهما معًا؛ فضلًا عن تبرير عودتها ضد إيران.

تضييق الخناق على الحوثيين:

قامت الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة الشرعية بإلقاء القبض على بعض القيادات الموالية للحوثيين، ومِنهم الشيخ القبلية “محمد الزايدي”، والذي جرى إلقاء القبض عليه في منفذ صرفيت بمحافظة المهرة، أثناء محاولته الخروج إلى سلطنة عُمان؛ كما ألقت الأجهزة الأمنية القبض على وزير خارجية الحوثيين السابق، “هشام شرف”، في مطار عدن، أثناء محاولته السفر إلى خارج اليمن. وهذه الأحداث تشير إلى متغير واضح في التعامل مع ملف تنقلات القيادات الحوثية أو الموالية لهم.

مؤشرات عودة التصعيد ضد إيران:

تعطي مؤشرات عودة التصعيد ضد إيران احتمالية للتصعيد في الشأن اليمني، بالتوازي مع الهجمات المحتملة ضد إيران. فقد جرى الإعلان عن اغتيال رئيس هيئة أركان الجيش الإيراني، “عبدالرحيم موسوي”، عبر انفجار في الطابق الرابع عشر من أبراج شيتغار بطهران، ولا تزال أعمال التفجيرات والاغتيالات تتوالى في طهران والداخل الإيراني. ومِن المعتقد أن “الموساد” وبعض الاستخبارات الغربية تقف خلف هذه الحوادث؛ وهذا يشير إلى أن إسرائيل والولايات المتحدة لم يوقفا الحرب، بل أوقفوا الموجة الأولى مِنها، وأن الموجة الثانية تجري باستخدام شكل مختلف مِن أشكال حروب الجيل الرابع، والتي تستهدف الخصم مِن داخل حواضنه دون تدخل عسكري مباشر، وقد تتطور إلى عودة المواجهة المباشرة بهدف تغيير النظام. كما أن التصريحات والاتهامات الموجهة ضد إيران لا تزال تتصاعد، على الصعيد الرسمي والإعلامي.

مؤشرات فرضية التهدئة أو التسوية في اليمن:

في مقابل ما سبق هناك عدة مؤشرات تنحو إلى ترجيح فرضية التهدئة أو الذهاب إلى تسوية في اليمن، ومِن هذه المؤشرات:

ضعف ردود الفعل الدولية تجاه هجمات الحوثيين:

ضعف ردود الفعل الدولية تجاه جرأة الحوثيين في الاستهداف المباشر للسفن وإغراقها، حيث أن الموقف الدولي حتى الآن دون مستوى الحدث؛ وهذا قد يشير إلى مواقف مُنسقة لتدعيم التهدئة في البحر الأحمر عبر الحوار والتفاوض وعدم العودة إلى الحرب.

تحركات المبعوث الأممي الحديثة:

استئناف المبعوث الأممي نشاطه وزياراته، بعد جمود نسبي في تحركاته خلال الفترة الماضية، حيث قام مؤخرًا بزيارة الرياض ومسقط وعدن، والتقى عددًا مِن المسئولين، ونفذ زيارات ميدانية لبعض الطرق التي جرى الحديث حول فتحها في الضالع، وتحدثت بعض وسائل الإعلام عن لقاء المبعوث بوفد الحوثيين في مسقط قبل عودته إلى عدن.

قرار تمديد بعثة الأمم المتحدة:

يمكن فهم قرار مجلس الأمن بتمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة على أنه دعم لمسار تجميد معركة تحرير الحديدة، منذ بداية إعلان الاتفاق في “استكهولم”، عام 2018م، والذي تحول إلى عائق قانوني ساعد الحوثيين في استثماره كغطاء دون تنفيذ بنود الاتفاق والتزاماته مِن جانبهم حتى اليوم.

الضغط الاقتصادي على الأطراف اليمنية:

استمرار التدهور الاقتصادي، وانهيار قيمة العملة، وعدم تدخل المجتمع الدولي والإقليمي لدعم الموازنة وإنقاذ الاقتصاد اليمني، يشي بأن هذا السياق هو مسار للضغط على مختلف الأطراف اليمنية للقبول بالتسوية كمخرج مِن الانهيار والوصول إلى حالة فشل تام.

تباينات صف الشرعية:

استمرار حالة الخلاف والتباين بين مكونات الشرعية، واستمرار حالة عدم الانسجام بين عمل مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية، وعدم تمكن مجلس النواب مِن عقد جلساته، وإعلان “المجلس الانتقالي الجنوبي” عن عدم السماح للجان التي شكلها مجلس النواب بزيارة المحافظات، والحملات الإعلامية التي تتبناها بعض المكونات ضد المكونات الوطنية الأخرى داخل الشرعية، جميعها لا تساعد على خوض معركة ضد جماعة الحوثي، بحيث تتحد فيها جميع التشكيلات العسكرية برؤية موحدة.

الخلاصة:

تمديد ولاية بعثة اتفاق الحديدة لمدة ستة أشهر يشير إلى أن ثمة سياسات دولية وإقليمية بشأن استمرار تجميد معركة الحديدة أو تأجيلها لمدة ستة أشهر أخرى. ربما أن المجتمع الدولي يراهن على أن بإمكانه استكمال تحقيق هدف تغيير النظام الإيراني خلال الأشهر القادمة، وأن حدوث ذلك قد يساعد على تفكيك بعض التعقيدات الدولية حول استئناف المعركة في اليمن لتأمين خطوط الملاحة الدولية، وفق صيغة تحالفية جديدة يتقاسم فيها الفاعلون الأثمان والنتائج. ووفق هذا التقدير يمكن الجمع بين مؤشرات التصعيد ومؤشرات التهدئة معًا، أي أن الملف اليمني يشهد تهدئة مؤقتة لاستكمال شروط وعوامل الحرب القادمة، لكنه مصير غير مضمون النتائج في سياق التغيرات والتحولات المتسارعة في السياسات الدولية تجاه المنطقة ومعادلة التوازنات فيها.

وما تعانيه قيادة الشرعية مِن ضعف الفاعلية، واستمرار خلافات وتباينات مكوناتها، والاستسلام لأولويات التدخلات الخارجية، جميعها يترك فراغًا يتحرك فيه الفاعلون الدوليون. وهناك تبعات سلبية لاستمرار حالة الاستنزاف العام الذي لا يقتصر على الشرعية والشعب اليمني فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى محيطه الخليجي والعربي، لأنه باستمرار بقاء مشاريع وأدوات الفوضى في اليمن يتم إبقاء المنطقة تحت سقف التهديدات والإضرار بالمصالح، خاصة أن قطار التحولات الدولية قد يتجه في النهاية نحو فرض تسوية سياسية تراعي مصالح بعض الدول.

وما لم تغير الشرعية مِن سياساتها في إدارة قضيتها الوطنية، وترفع مستوى فاعليتها وتطور أداءها وآليات عملها لاقتناص الفرص وتوظيف المتغيرات، فإنها ستظل حبيسة لحسابات الآخرين، وفاقدة للقدرة على التأثير في تلك الحسابات لصالح الأهداف الوطنية التي مِن شأنها تحقيق المصالح المشتركة مع المحيط الإقليمي والدولي.

هل صحة الأفراد النفسية مرتبطة بمكان إقامتهم


الإمارات تمضي في تحقيق أهداف توطين الوظائف بالقطاع الخاص


المجلس الانتقالي يثبّت نفوذه جنوب اليمن بحظر نشاط البرلمان


محادثات حول طريق كرش - الراهدة تحرك الجمود بين أطراف الصراع اليمني