اخبار الإقليم والعالم
الصب العملاق ثورة تكنولوجية متقدمة في ابتكار السيارات
يشهد عالم السيارات حاليا اتجاها جديدا تفرضه التكنولوجيا المتقدمة لاستعمال أجزاء كبيرة يتم تصنيعها من قطعة واحدة من معدن الألومنيوم المصبوب، وتعرف هذه التقنية باسم “الصب العملاق” أو “غيغا كاستينغ”.
ويمر القطاع بشكل فعلي بتغييرات جذرية ومُزعزعة لتحقيق هدف صافي الانبعاثات الصفري بحلول عام 2050، ما يُملي الحاجة إلى نهج شامل، يشمل دورات حياة تصميم المنتج المستدامة، وعمليات التصنيع والتجميع المُحسّنة.
وأدّى ذلك إلى تعزيز نمو المركبات الأكثر استدامة مثل المركبات الهجينة والبطاريات وخلايا الوقود الكهربائية.
وأظهرت العديد من الدراسات أن استخدام الألومنيوم في سيارات الركاب قد تزايد لعقود من الزمن في شكل صفائح معدنية، وعمليات البثق والمسبوكات.
وتاريخيًا، كانت المسبوكات هي الشكل السائد للمنتج المستخدم بشكل أساسي في مجموعات نقل الحركة. ولكن الآن مع الحاجة إلى مركبات كهربائية خفيفة الوزن ومستدامة وطويلة المدى وموفرة للوقود، يمتد استخدام الألومنيوم إلى هيكل السيارة والشاسيه.
ومن هنا تظهر تقنيات جديدة وأحدها هو الصب العملاق، وهي عملية صنع هياكل صب كبيرة ومعقدة في آلة صب عالية الضغط تحقن الألومنيوم المنصهر في قوالب الصب.
وبرز صب الغيغا كأحد الابتكارات الرائدة، وكان أول من أثار هذه التقنية فيورينزي ديوني وريتشارد أوبيريلي من شركة إيدرا الإيطالية لتصنيع آلات الصب.
وصب الغيغا هو طريقة لتصنيع مكونات سيارات كبيرة ومعقدة باستخدام صب الغيغا عالي الضغط في قطعة واحدة. ويُقلل هذا من الحاجة إلى تجميع أجزاء مختلفة في السيارة، وبالتالي يوفر الوقت والجهد والموارد.
وفي الوقت نفسه، تتطلب العملية التقليدية المئات من المكونات، بالإضافة إلى التثبيت بالمسامير واللحام، لخياطة أجزاء متعددة، بينما يفك الصب بالغيغا التشابك من خلال صب أجزاء كبيرة، مثل هيكل السيارة السفلي.
ويُعرف الصب بالغيغا 2.0 بأنه الابتكار الرائد في القطاع. ويتضمن آلات صب ألومنيوم ضخمة لتصنيع هياكل ضخمة من قطعة واحدة لمختلف أجزاء المركبات.
ولذلك، فإن المطورين والخبراء مقتنعون بأنه يقلل من استخدام العديد من المكونات ويخفف بشكل كبير من خطوات التجميع على الشركات المصنعة.
وتتضمن هذه التقنية الشاملة تطورًا في كفاءة الإنتاج، وأوقات دورة إنتاج سريعة، وخصائص مواد مُحسّنة، ما يُنتج مركبات متينة وخفيفة الوزن وفعالة من حيث التكلفة.
وتتمثل مزايا تقنية الصب العملاق في إنتاج أجزاء كبيرة من الألومنيوم المصبوب، وهو ما يقلل عدد الأجزاء الفردية ويزيد كفاءة الإنتاج وسرعته.
كما يهدف إلى توفير تكاليف التصنيع وخفض وزن السيارة وتبسيط التصميم وتعزيز صلابة هيكل السيارة وخاصة الموديلات الكهربائية، والأهم تعزيز مفهوم الاستدامة.
وتم تصميم إطار تصميم الصب بشكل معياري ليناسب أحجامًا متنوعة من سيارات الركاب عبر مختلف تصاميم مركبات الشركات المصنعة للمعدات الأصلية.
ويتبع تصميم الصب الضخم للهيكل السفلي، على الرغم من الاختلافات بين الشركات المصنعة، سير عمل موحدًا، ما يسهل تطوير تكوين تصميم عام.
ويتم إنشاء أطر عامة مستقلة لتصميم غيغا كاست الأمامي والخلفي. وهذه الأطر قابلة لإعادة التكوين، ما يسمح بإجراء تعديلات سريعة لاستيعاب هندسة الأجزاء المتنوعة.
ويمكن بناء هياكل المركبات بأحجام متنوعة تتراوح من السيارات المدمجة وسيارات السيدان الفاخرة إلى سيارات الدفع الرباعي مع تغييرات في الأبعاد الرئيسية.
◄ العديد من الدراسات أظهرت أن استخدام الألومنيوم في سيارات الركاب قد تزايد لعقود من الزمن في شكل صفائح معدنية، وعمليات البثق والمسبوكات
ويعد تحديد المعلمات الرئيسية التي تؤثر على أداء الصب العملاق أمرًا بالغ الأهمية وسيؤثر بشكل كبير على السلوك الهيكلي.
ويمكن تعديل التغييرات الرئيسية في الأبعاد للمعلمات كما هو موضح في الصورة أدناه لتناسب تصميم أجزاء غيغا كاست لمجموعة متنوعة من خيارات قاعدة العجلات والمسار الأمامي.
وبدأت شركة تسلا هذا الاتجاه مع تدشين موديل واي، وتبعها الكثير من شركات السيارات العالمية الأخرى، بهدف إحداث نقلة نوعية في قطاع، والتأثير بشكل خاص على تصنيع السيارات الكهربائية في المستقبل.
وبدأ التطوير مع أول تجربة لتسلا، والتي يمكن وصفها أيضًا بصب الغيغا 1.0. كان الهدف الرئيسي منها بناء هياكل أمامية وخلفية لطرازها واي. وساعدت هذه التقنية المتقدمة الشركة الأميركية على خفض تكاليف الإنتاج مع زيادة إنتاجها. وقد استُخدمت آلات عملاقة لممارسة ضغوط تثبيت تتراوح بين 6 آلاف و9 آلاف طن، ما شكّل علامة فارقة في النجاح الأوّلي.
ومن المثير للاهتمام أن هذه الممارسة يمكن أن تقلل عدد القطع من حوالي 400 قطعة إلى بضعة قطع أو قطعة واحدة فقط، ما يُغير المفهوم الأساسي لتصنيع وتصميم السيارات.
غير أن منتقدي هذه التقنية يخشون من زيادة تكاليف الإصلاح حتى في حالة التصادمات الخلفية البسيطة، نظرا إلى أن الأجزاء الهيكلية تكون مترابطة مع بعضها البعض، وفق ما أوردته مجلة أوتومبيل ريفيو الألمانية المتخصصة في السيارات.
ولكن مركز أليانز للتكنولوجيا (أي.زد.تي) في ميونخ قام بفحص تقنية الصب العملاق على نطاق واسع في موديل واي بالتعاون مع المعهد البريطاني ثاتشام ريسيرش.
وقد قام خبراء المركز بإخضاع سيارة كهربائية متعددة الأغراض (أس.يو.في) الكهربائية لحوادث تصادم بسرعات مختلفة وبزوايا تصادم متباينة.
وأظهرت نتائج الدراسة أن تقنية الصب العملاق لا تزيد من كفاءة الإنتاج فحسب، بل إنها تساهم أيضا في خفض تكاليف الإصلاح.
وتستند وجهة النظر هذه في كون السيارات المزودة بأجزاء كبيرة مصبوبة ليست بها مخاطر تأمين أعلى من السيارات ذات البنية الهيكلية التقليدية، ولكن بشرط أن يكون تصميم المكونات سليما.
ومن الأمور المهمة أيضا ألا تمتد الأجزاء الكبيرة إلى النطاقات الخارجية في السيارة، وبالنسبة إلى سيارة تسلا موديل واي، فإنه عند وقوع تصادم بسرعة 15 كيلومترا في الساعة لا تحدث أضرار يصعب إصلاحها في الأجزاء الكبيرة المصبوبة.
ويمكن إصلاحه بأساليب الطَرق المعروفة، غير أنه لا يمكن إصلاح مثل هذه التلفيات عند وقوع حادث بسرعات عالية وبزوايا تصادم غير مناسبة.
وخلصت الدراسة إلى أن تقنية الصب العملاق توفر العديد من المزايا أثناء عمليات الإنتاج والإصلاح، وبالتالي فإنها تساهم في خفض أسعار السيارات الكهربائية.
وعلاوة على ذلك، فإن هناك العديد من الشركات العالمية الأخرى، مثل تويوتا وفولفو وهوندا ونيسان، تخطط لاعتماد هذه التقنية في إنتاج موديلاتها الكهربائية.