اخبار الإقليم والعالم
السويداء تحت نيران إسرائيل وسط اتهامات بإعدامات ميدانية للدروز
شنّت اسرائيل الثلاثاء غارات على القوّات الحكومية السورية بعيد دخولها مدينة السويداء التي تقطنها غالبية من الأقلية الدرزية التي تعهدت الدولة العبرية بحمايتها.
ويأتي هذا التصعيد الإسرائيلي بالتزامن مع اتهامات خطيرة للقوات الحكومية بارتكاب "إعدامات ميدانية" بحق مدنيين دروز داخل المدينة، مما يزيد من تعقيدات المشهد الأمني في المحافظة التي تشهد اشتباكات عنيفة وتحديات أمنية كبيرة للسلطات الانتقالية السورية.
ودخلت قوات السلطات الانتقالية السورية المدينة الواقعة في جنوب البلاد صباح الثلاثاء، وأعلنت وقف إطلاق النار فيها، وذلك بعد مقتل أكثر من مئة شخص في اشتباكات عنيفة بين مسلحين من الدروز وآخرين من البدو اندلعت في المحافظة الأحد.
وأعادت الاشتباكات الى الواجهة التحديات الأمنية التي تواجهها السلطات الانتقالية بقيادة الرئيس أحمد الشرع منذ وصولها إلى الحكم بعد إطاحة بشار الأسد في ديسمبر.
وأعلنت القوات الحكومية صباح الثلاثاء أنها ستدخل المدينة بموجب اتفاق مع وجهائها من رجال الدين الدروز، مشيرة الى فرض حظر تجول في أنحائها. وبعيد تقدمها، دارت اشتباكات بينها وبين مسلحين من الدروز.
وأعلن الجيش الإسرائيلي الثلاثاء أنه بدأ "بتوجيهات من المستوى السياسي... مهاجمة آليات عسكرية تابعة للنظام السوري في منطقة السويداء".
وأتى ذلك بعدما أوعز رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس في بيان مشترك "بتوجيه ضربة فورية لقوات النظام والأسلحة التي أُدخلت إلى منطقة السويداء في جبل الدروز في سوريا بهدف تنفيذ عمليات ضد الدروز".
ونقلت القناة 14 العبرية عن مصدر سياسي إسرائيلي رفيع المستوى، لم تسمه، قوله إن "الهجمات في سوريا تُنفَّذ بالتنسيق مع الأميركيين".
وسبق لإسرائيل أن تعهدت بحماية الأقلية الدرزية، وحذّرت السلطات الانتقالية من أنها لن تسمح بتواجد قواتها في جنوب سوريا على مقربة من هضبة الجولان التي تحتل الدولة العبرية أجزاء واسعة منها منذ حرب العام 1967.
وعقب إطاحة الأسد في أواخر 2024، شنّت إسرائيل مئات الغارات الجوية على سوريا واضعة ذلك في سياق الحؤول دون سيطرة السلطات الجديدة على ترسانة الحكم السابق. كما تقدمت قواتها في المنطقة العازلة في هضبة الجولان.
وبينما لا يزال البلدان رسميا في حالة حرب منذ العام 1948، أقرت السلطات الانتقالية السورية في الآونة الأخيرة بعقد مفاوضات غير مباشرة مع الدولة العبرية بهدف العودة إلى تطبيق اتفاقية فضّ الاشتباك لعام 1974.
وكانت إسرائيل أعلنت الاثنين مهاجمة دبابات تابعة للقوات الحكومية في السويداء، معتبرة ذلك بمثابة رسالة تحذير الى السلطات في دمشق.
وبعد ساعات من دخول القوات الحكومية السورية مدينة السويداء، أعلن وزير الدفاع مرهف أبوقصرة وقفا تاما لإطلاق النار بعد اتفاق مع وجهاء المدينة.
وقال في منشور على إكس "إلى كافة الوحدات العاملة داخل مدينة السويداء، نعلن عن وقف تام لإطلاق النار بعد الاتفاق مع وجهاء وأعيان المدينة، على أن يتم الرد فقط على مصادر النيران" في المدينة ذات الغالبية الدرزية.
وقال أحد سكان السويداء لوكالة الصحافة الفرنسية طالبا عدم كشف اسمه "أنا في وسط السويداء، أصوات إطلاق النار مستمرة (..) جرت حالات نهب وسرقة وقتل واعدامات ميدانية وحرق لمحلات تجارية ومنازل وهناك عشرات المخطوفين من المدنيين لا نعرف عنهم شيئا".
وأفاد المرصد السوري لحقوق الانسان عن مقتل 12 مدنيا درزيا في عمليات "إعدام ميدانية" نفذتها قوات الأمن السورية في مضافة بمدينة السويداء التي دخلتها في وقت سابق الثلاثاء.
وهذه الاتهامات تثير تساؤلات خطيرة حول سلوك بعض القوات الحكومية في المدينة، وتضاف إلى التعقيدات الأمنية والسياسية التي تشهدها السويداء، مما يزيد من القلق حول مصير المدنيين في ظل هذه التطورات المتسارعة.
وقال المرصد "أقدم عناصر من وزارتي الدفاع والداخلية على تنفيذ إعدامات ميدانية طالت 12 مواطنا، عقب اقتحام مضافة آل رضوان في مدينة السويداء".
وأظهر مقطع مصوّر انتشر على منصات التواصل الاجتماعي 10 أشخاص على الأقل يرتدون ملابس مدنية مضرجين بالدماء داخل المضافة، طرح بعضهم أرضا وآخرون على أرائك، وبجانبهم صور لمشايخ دروز ملقاة على الأرض وأثاث مخرّب ومبعثر.
وكانت هيئات روحية درزية، من بينها الشيخ البارز حكمت الهجري، دعت في بيانات المقاتلين إلى تسليم سلاحهم وعدم مواجهة القوات الحكومية. لكن الهجري عاد ودعا في بيان مصوّر إلى "التصدي لهذه الحملة البريرية بكل الوسائل المتاحة"، موضحا "رغم قبولنا بهذا البيان المذل من اجل سلامة اهلنا واولادنا، قاموا بنكث العهد والوعد واستمر القصف العشوائي للمدنيين العزل".
وعقد اجتماع ظهر الثلاثاء في مضافة الشيخ الدرزي البارز يوسف جربوع مع قائد الأمن الداخلي في محافظة السويداء أحمد الدالاتي بحضور عدد من الوجهاء، للحديث عن ترتيبات وقف إطلاق النار، بحسب مصدر مقرّب من المجتمعين.
ودعت وزارة الدفاع بعد دخول السويداء الأهالي الى "التزام المنازل" وقالت إن "المجموعات الخارجة عن القانون تحاول الهروب من المواجهة عبر الانسحاب إلى وسط مدينة السويداء".
وشهدت محافظة السويداء خلال اليومين الماضيين معارك بين مسلحين من البدو وآخرين من الدروز، في أحداث أمنية هي من الأعنف في سوريا منذ إطاحة فصائل معارضة بحكم الرئيس بشار الأسد.
وأعلنت القوات الحكومية الاثنين تدخّلها في المحافظة لفضّ الاشتباكات، لكن بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان وشهود وفصائل درزية، فقد تدخلت إلى جانب المسحلين من البدو.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان عن مقتل 116 شخصا في المواجهات، من بينهم 64 درزيا، غالبيتهم مقاتلون وامرأتين وطفلين، بالإضافة إلى 34 من القوات الحكومية و18 المسلحين البدو. وأعلنت وزارة الدفاع السورية من جهتها عن مقتل 18 من قواتها في المواجهات.
وبدأت القوات الحكومية السورية منذ الاثنين بإرسال تعزيزات إلى السويداء وسيطرت على قرى درزية مجاورة لمدينة السويداء.
وتأتي أعمال العنف هذه بعد نحو شهرين من مواجهات قرب دمشق بين مسلحين دروز وقوات الأمن اسفرت عن مقتل 119 شخصا. وعلى إثرها، أبرم ممثلون للحكومة السورية وأعيان دروز اتفاقات تهدئة لاحتواء التصعيد، تولى بموجبها مسلحون دروز إدارة الامن في المنطقة.
وتُقدّر أعداد الدروز في منطقة الشرق الأوسط بأكثر من مليون، تتركّز غالبيتهم في مناطق جبلية في لبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية والأردن.
ويقدّر تعداد الدروز في سوريا بنحو 700 ألف يعيش معظمهم في جنوب البلاد حيث تعد محافظة السويداء معقلهم، كما يتواجدون في مدينتي جرمانا وصحنايا قرب دمشق، ولهم حضور محدود في إدلب، في شمال غرب البلاد.