اخبار الإقليم والعالم

التاريخ المروي في سلطنة عمان.. توثيق لحياة الإنسان ومشاهداته عبر العصور

وكالة أنباء حضرموت

يعد التاريخ الثقافي غير المادي -بما في ذلك الشفهي والمروي- جزءا لا يتجزأ من التاريخ الإنساني والحضاري لسلطنة عمان؛ إذ يمثل دورا محوريا في حفظ الذاكرة الجماعية للمجتمع بشتى أطيافه ومكوناته الجغرافية والثقافية والاجتماعية، ليشكل هوية وطنية استثنائية، فهو عادة يمتاز بتنوعه ويشمل القصص والحكايات الشعبية والسير الذاتية، بالإضافة إلى الرواية الشفهية التي تتقاطع عادة مع العلاقات الإنسانية الاجتماعية.

استكمالا للرؤية أعلاه، يشير فهد بن محمود الرحبي رئيس قسم التاريخ المروي بالمنتدى الأدبي بوزارة الثقافة والرياضة والشباب العمانية إلى أن سلطنة عمان تتميز بتراثها الثقافي بشقيه المادي وغير المادي، وقد تم تسجيل العديد من هذا التراث الثقافي في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، كما أن التنوع الثقافي يعد سمة بارزة في سلطنة عمان كما هو الحال في التنوع الجغرافي والبيئي؛ إذ مثل موقعها الجغرافي منطقة تماس حضاري، نتج عنها تواصل مع كثير من الشعوب، ومزيج من التفاعل الثقافي.

حماية التراث

فهد بن محمود الرحبي: قدمنا كتبا بحثية توثق جوانب من التاريخ العماني وتحفظ الذاكرة العمانية وتصون الموروث الثقافي للأجيال القادمة
يستعرض الرحبي تجربة وزارة الثقافة والرياضة والشباب في جمع وتوثيق ونشر التاريخ المروي في سلطنة عمان، إذ يشير إلى أنه جزء من التراث الثقافي غير المادي وجانب مهم في الثقافة العمانية ينبغي الالتفات إليه، والعناية به عناية خاصة، والعمل على صونه، وتشجيع البحث العلمي، كما يستحسن استثمار هذا الثراء الثقافي بتنوع أشكاله ومضامينه في التنمية المستدامة وفقا لرؤية “عمان 2040.”

وحول مفهوم التاريخ المروي يقول الرحبي إنه يرتبط بعدة مصطلحات، منها: التاريخ الشفوي، والتاريخ الشفاهي، والتاريخ المنقول، ويعرفه عالم اللغات روبرت بيركس بأنه “تسجيل وحفظ وتفسير المعلومات التاريخية لأشخاص معينين، حيث يسجل ذكرياتهم، وقصص حياتهم، أو تسجيل لأشخاص عاصروا أحداثا مهمة اعتمادا على خبراتهم الشخصية، أو ما سمعوه من أحداث الماضي.”

ويوضح أن التاريخ المروي يشمل أيضا عموم التراث الثقافي غير المادي، الذي عرفته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بأنه “الممارسات والتصورات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات – وما يرتبط بها من آلات وقطع ومصنوعات وأماكن ثقافية – تعتبرها الجماعات، وأحيانا الأفراد، جزءا من تراثهم الثقافي.”

ويشير إلى أن هذا التاريخ يتجسد محليا في التقاليد وأشكال التعبير الشفهي بما فيها اللغة كوسيط للتعبير، ويضيف إلى ذلك فنون الأداء، والممارسات الاجتماعية والطقوس والاحتفالات، والمعارف والممارسات المتعلقة بالطبيعة والكون، والمهارات المرتبطة بالفنون الحرفية، موضحا الاهتمام الدولي بالتاريخ المروي حديثا، وذلك يعود إلى أن الرواية الشفهية تسد ثغرات كبيرة في البحث التاريخي، لذلك اهتمت الكثير من دول العالم بتوثيق التاريخ المروي، إدراكا منها بأهميته في حفظ تراثها.

وفي شأن تجربة وزارة الثقافة والرياضة والشباب في جمع وتوثيق ونشر التاريخ المروي، يقول الرحبي إن “أهداف ورؤية الوزارة تنطلق من أن سلطنة عمان تضع الثقافة ركيزة أساسية للإسهام في إيجاد مجتمع رائد يشارك بدور مشهود في إثراء الثقافة الإنسانية والعالمية المعاصرة، وهناك مشروعات لجمع وتوثيق ونشر التاريخ المروي العماني، وقد تبنت مشروع حفظ التاريخ والتاريخ المروي في سلطنة عمان منذ فترة ليست بالقصيرة تعود إلى عام 2006م، مركزة على حفظ هذا التاريخ، إما عن طريق دراسته أكاديميا وبحثيا، أو عن طريق توثيقه بكل الوسائل المتاحة، وفقا للاستراتيجية الثقافية العمانية (2021 – 2040) التي أعدتها الوزارة.”

ووفق الرحبي فقد تعددت الجهود والبرامج في حفظ وتوثيق التاريخ المروي بسلطنة عمان، ليكون مشروعا متكاملا لجمع التاريخ المروي في محافظات وولايات سلطنة عمان وتوثيق مفردات الثقافة العمانية؛ بهدف حفظ مختلف الموروثات الشعبية العمانية كالفنون الشعبية والعادات والتقاليد والاحتفالات المختلفة للمناسبات الاجتماعية والدينية والوطنية في المجتمع العماني، بالإضافة إلى الحرف والصناعات التقليدية والعمارة العمانية، وذلك من خلال مشاريع بحث ميدانية يقوم بها أساتذة مختصون يلتقون بالعديد من الرواة الذين شهدوا على تلك الحقب التاريخية.

سلطنة عمان تضع الثقافة ركيزة أساسية لإيجاد مجتمع رائد يشارك في إثراء الثقافة الإنسانية والعالمية المعاصرة

وعملت الوزارة منذ مدة على توثيق الفنون الشعبية العمانية، وأصدرت مطبوعين: “الآلات الموسيقية التقليدية العمانية” و “الفنون الموسيقية التقليدية العمانية”، ضم محتوى الكتابين الفنون العمانية المغناة وأدواتها وكيفية أدائها، وهما يمثلان سجلا ميدانيا حيا للفنون والآلات الموسيقية العمانية والفلكلور الشعبي، وفهرسا علميا للكنز الثقافي الذي أنتجه فكر الإنسان في سلطنة عمان في مجال الفنون.

كما أصدرت الوزارة كتابا بعنوان “التاريخ المروي لفن النانا” أعده الشاعر والباحث في الأدب الشعبي علي بن سهيل المعشني، حيث جمع ووثق في هذا البحث تاريخ وأصول فن النانا في ظفار، ووثق أسماء شعراء وشاعرات النانا قديما وحديثا ومدى تأثرهم بالطبيعة والرسالة التي تحملها أنشودة النانا وألحانها العذبة، ووضعت الوزارة لأول مرة ترميزا رقميا لأربعة من أغاني فن النانا بألحانها المختلفة، بجانب كتاب الميدان شعر وفن، وكتاب المسبع وفن الرواح فن البرعة والرزفة الحماسية والعازي.

ومن بين المشروعات التوثيقة الحديثة، صدر كتاب بعنوان “حرفة الغوص في المأثورات الشعبية لمجتمع الباطنة الساحلي” أعده الباحث سعيد عبدالله مبارك الفارسي، ووثق من خلاله التاريخ المروي والمأثورات الشعبية التي ارتبطت بحرفة الغوص في مجتمع الباطنة الساحلي. بالإضافة إلى كتاب “حرفة التبسيل” في محافظة جنوب الباطنة، للباحثة وضحة بنت محمد الشكيلية، وثقت فيه كل ما يخص حرفة التبسيل في سلطنة عمان، ويقدم تفاصيل عن صناعة التبسيل وتاريخها ودورها الاقتصادي في حياة عدد كبير من المزارعين العمانيين، والنخلة وصناعة البسور في كتب الرحالة.

أضف إلى ذلك مشروع آخر يتعلق بتجارة اللبان وجذورها في الثقافة العمانية بعنوان “اللبان والتاريخ الثقافي” لعدد من الباحثين وهم الدكتور عامر بن أزاد عدلي الكثيري، وشارك معه الباحث عبدالعزيز بن أحمد بن علي المعشني، والباحث عمر بن سعيد بن فرج الشحري، وقد وثق البحث المأثورات الشفهية والشعبية في الحياة الاجتماعية العمانية المتعلقة بشجرة اللبان.

مشروعات توثيقية

يقول الرحبي إن وزارة الثقافة والرياضة والشباب لديها إصدارات بحثية جديدة توثق جوانب من التاريخ العماني المروي والمعماري والحرفي لعام 2025، من بينها ثلاثة كتب علمية تعنى بتوثيق جوانب مختلفة من التاريخ الثقافي العماني، تنوعت بين الإعلام السمعي في التاريخ المروي، والعمارة الدفاعية، والحرف التقليدية، وذلك ضمن جهود وطنية رامية إلى حفظ الذاكرة العمانية وصون الموروث الثقافي للأجيال القادمة.

وصدر لهذه المشروعات مجموعة من الكتب العلمية، الأول حمل عنوان “الراديو في داخلية عمان: دراسة في التاريخ المروي” للباحثة رنا بنت ناصر العبرية، وقد تناول دخول جهاز الراديو إلى سلطنة عمان وتحديدا إلى محافظة الداخلية خلال الفترة من الأربعينيات إلى الثمانينيات من القرن الماضي.

بالإضافة إلى كتاب “مفردة سور بهلا: معصم الحضارة” للباحث سعيد بن عبدالله الشقصي، وقد قدم رؤية شاملة حول سور بهلا التاريخي، باعتباره شاهدا على تطور الاستيطان البشري في المدينة، ومعبرا عن تطور الفكر الدفاعي والإداري والعمراني في سلطنة عمان.

أما كتاب “مفردة الكارجة وحرفة النسيج العماني” للدكتورة نجية بنت محمد السيابية، وتطرقت فيه إلى إحدى أعرق الحرف التقليدية العمانية، وهي حرفة النسيج باستخدام آلة الكارجة، والتي مثلت تجسيدا لإبداع الإنسان العماني في توظيف الأدوات المتاحة لصناعة منتجات نسجية متنوعة.

وهناك كتاب رابع في مرحلة الطباعة عبارة عن قراءة في المتغيرات في اللهجات العمانية (ولاية السويق أنموذجا)، ويتناول توثيق التاريخ العماني من خلال الروايات الشفوية والمعاينات الميدانية، وحفظ الذاكرة الجمعية للتراث المعماري والحرفي، وتعزيز وعي المجتمع بأهمية صون هذا الإرث الوطني الثمين، وقد قامت بإعداده الدكتورة سامية بنت محمد البحرية.

وأشار رئيس قسم التاريخ المروي بوزارة الثقافة والرياضة والشباب إلى مشروعات توثيقية أخرى عملت الوزارة على تنفيذها سابقا، منها: النخلة في الموروث الثقافي العماني، والتعليم في نزوى، ونظام تقسيم مياه الأفلاج عند العمانيين، ومشروع جمع التاريخ المروي في ولاية مسقط، ومفردات الحياة الاجتماعية في سمائل، وعصا الجرز، وعرضة الخيل، والخنجر، وحصاد ندوة الفنون الشعبية، ومن قصصنا الشعبية، والمناداة في الأسواق والهبطات، والتاريخ المروي لعادات الموت والميلاد في ولاية قريات، والتاريخ البحري لولاية صور، والتاريخ المروي المصان في جعلان بني بوحسن، والتاريخ المروي لمحافظة جنوب الباطنة.

وأوضح أن الوزارة تعمل كذلك على رصد وتوثيق المفردات الثقافية لعدد من محافظات سلطنة عمان، وبرنامج سنوي عبارة عن ندوة علمية تستعرض تاريخ الولايات العمانية، وصدرت لهذه الندوات مجموعة من المطبوعات التي تناولت الولايات العمانية، ومنها: صحار، وصور، وضنك، وسمائل، وقريات، والمضيبي، وشناص، والبريمي، ومرباط، وأدم، وبركاء، ونخل، ودبا، وبدبد، وإزكي. أضف إلى ذلك مؤتمرات وندوات وحلقات عمل لمناقشة ودعم خطط نشر وتوثيق التاريخ المروي والفنون والمهن.

وأفاد الرحبي أن هناك كتبا صدرت حديثا في التاريخ المروي تمت ترجمتها إلى لغات عالمية، الهدف الرئيسي منها هو المشاركة بها في معارض الكتب الخارجية للتعريف بالثقافة العمانية في المحافل الدولية، منها: كتاب “مجتمع اللبان وفلكلوره”، وهو عمل ثنائي اللغة (عربي وإنجليزي) يوثق بمنهجية دقيقة تجمع بين البحث الأكاديمي والسرد الثقافي التراثي لمحافظة ظفار المرتبط بحصاد اللبان وتجارته، الذي كان ركيزة اقتصادية وثقافية حتى منتصف ستينيات القرن العشرين.

يتناول الكتاب تاريخ ظفار كمركز عالمي لتجارة اللبان، مستعرضا الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية واللغوية التي شكلت هوية المنطقة، كما يسلط الضوء على المعارف والعادات والمعتقدات الشعبية المرتبطة باللبان، ويوثق الأهازيج والأشعار التي كانت تردد أثناء عمليات الحصاد، لتعكس ثراء لغويا وتراثا ثقافيا فريدا. احتوى الكتاب على مقابلات مع كبار السن لجمع تفاصيل دقيقة عن مجتمع اللبان، ما يجعله محاولة جادة للحفاظ على هذا الإرث قبل اندثاره.

كتاب “المفردات الثقافية العمانية” باللغات العربية والإنجليزية واليابانية، يحتوي على عرض شامل للمفردات الثقافية العمانية المدرجة في قائمة اليونسكو، سواء في التراث الثقافي غير المادي أو المواقع الأثرية، بالإضافة إلى الشخصيات والأحداث التاريخية العمانية المعتمدة ضمن برامج اليونسكو، وبرنامج سجل ذاكرة العالم.

واستعرض جهود وزارة الثقافة والرياضة والشباب في مجال جمع وتوثيق ونشر التاريخ المروي في سلطنة عمان، وإبراز الحاجة إلى مواصلة هذا العمل التوثيقي والبحثي، بما يسهم في حفظ الذاكرة الوطنية وصون ملامح الهوية الثقافية العمانية.

تركيا تحتفل بيوم الديمقراطية وتكثّف ملاحقتها لمعارضي الرئيس


يانيك سينر.. موهبة خارقة تغرد خارج سرب عمالقة التنس


ليفربول يرفض إغراءات بايرن ميونخ لضم لويس دياز


الصب العملاق ثورة تكنولوجية متقدمة في ابتكار السيارات