اخبار الإقليم والعالم
دعم مادي أوروبي لمصر لمواجهة تحديات الصراع الإقليمي
أزاح الاتحاد الأوروبي القيود التي عرقلت إقرار الشريحة الثانية من حزمة الدعم المالي لمصر، وذلك عقب اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران، واحتمال تمددها إقليميا، ما يفتح المجال أمام تحديات أمنية واجتماعية تواجهها مصر وخاصة ما تعلق بموجة الهجرة غير النظامية.
واعتمد البرلمان الأوروبي في جلسته العامة بستراسبورغ، الأربعاء، القراءة النهائية لقرار منح مصر الشريحة الثانية من حزمة الدعم المالي الكلي المقدمة من الاتحاد الأوروبي بقيمة 4 مليارات يورو، مشروطة بتنفيذ مصر بشكل مرض لبرنامج صندوق النقد الدولي، وغيره من التدابير السياسية التي سيتم الاتفاق عليها بين الاتحاد الأوروبي والسلطات المصرية.
ويبدو أن الهدف من وراء هذا الدعم هو مساعدة مصر على تحمل تبعات الهجرة غير الشرعية وتقديم حوافز لها تجعلها مستمرة في جهودها لتأمين حدودها البحرية، والتعامل مع ممرات التهريب إلى ليبيا ومنها إلى السواحل الأوروبية بجدية كاملة، ما يؤكد أن الدول الأوروبية تدرك حجم الخطر الناجم عن اضطراب كبير قد يصيب منطقة الشرق الأوسط.
تمرير المساعدات المالية لمصر ينطوي على ثقة بأن القاهرة قادرة على التعامل مع مشكلات تدفق اللاجئين
وركزت جولات قام بها مسؤولون أوروبيون لمصر مؤخرا على ضرورة تبني إصلاحات حقوقية، كان من نتائجها التطرق إلى إمكانية توقيع مصر على معاهدة حظر الاختفاء القسري، والتشديد على التزام مصر بتوصيات صندوق النقد الدولي، ما أفضى إلى المزيد من الوعود المصرية لطمأنة دول الاتحاد الأوروبي.
ويعد الاكتفاء بالتنسيق مع اعتراضات أفصح عنها عدد من نواب البرلمان الأوروبي داخل لجنة حقوق الإنسان، تأكيدا على أن التطورات الأمنية في المنطقة تتفوق على أيّ التزامات سياسية وحقوقية، وأن الجوانب الأمنية وضمان التنسيق الاستخباراتي وتوفير الأدوات التكنولوجية التي تسهل التعامل مع الهجرة غير الشرعية باتت في المقدمة، بجانب ضمان وجود إجراءات لتحسين بيئة المعيشة للاجئين والمهاجرين في مصر، ما يتطلب دعما ماديا سريعا لمواجهة تداعيات الصراع في المنطقة.
ويشكل وجود الملايين من اللاجئين والمهاجرين في مصر ضغطا على الخدمات العامة، وسوف يزداد الأمر سوءا مع احتمال حدوث نزوح جديد، حال أخذ الصراع بين إسرائيل وإيران منحى تصعيديا كبيرا، إذا تدخلت الولايات المتحدة فيه.
وقال الباحث في حقوق اللاجئين أشرف ميلاد إن تمرير المساعدات المالية لمصر ينطوي على ثقة بأن القاهرة قادرة على التعامل مع مشكلات تدفق اللاجئين، مع وجود فجوة كبيرة في تمويل مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة وصل إلى 80 في المئة من إجمالي ميزانية عملها السنوي، وأن الاتحاد الأوروبي يعمل على سد هذه الفجوة من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي مع مصر.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن القرار الأوروبي جاء لتحفيز إصدار اللائحة التنفيذية لقانون اللجوء الذي أقره البرلمان في مصر منذ نحو ستة أشهر، ومن المفترض أن يرى طريقه إلى التنفيذ بعد إقرار لائحته، وسط مخاوف من أن يتم مدها، في ظل اعتراضات حقوقية دولية، ولدى الاتحاد الأوروبي رغبة في أن تولي مصر عملية تقنين أوضاع اللاجئين أهمية كبيرة مع تراجع دور مفوضيتهم.
وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي يضع في حسبانه إمكانية تمدد الصراع في الشرق الأوسط، والذي يتزامن مع بدء فصل الصيف الذي تتزايد فيه معدلات الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، وتبقى المخاوف من وصول لاجئين إلى شواطئ ليبيا ومنها إلى أوروبا، وهناك رغبة في أن تحافظ مصر على استقرارها الاقتصادي للحفاظ على تماسك الدولة، وقوتها في التعامل مع ملف المهاجرين.
وتُظهر وثائق الاتحاد الأوروبي أن عمليات المغادرة من السواحل المصرية توقفت عام 2018، مع تحول طرق الهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط نحو ليبيا، وفي يونيو 2022 خصص الاتحاد الأوروبي 80 مليون يورو كتمويل لخفر السواحل المصري من أجل تعزيز قدراته.
مساعدة مصر على تحمل تبعات الهجرة غير الشرعية وتقديم حوافز لها تجعلها مستمرة في جهودها لتأمين حدودها البحرية
وتستضيف مصر حوالي تسعة ملايين مهاجر ولاجئ وطالب لجوء، وتظهر بيانات المنظمة الدولية للهجرة، استنادًا إلى البيانات التي قدمتها السلطات المصرية، أن هذه الجاليات تمثل نحو 9 في المئة من سكان مصر. و80 في المئة من الرقم الكلي ينحدرون من السودان وسوريا واليمن وليبيا، وهناك 1.4 مليون شخص مسجلون حاليًا لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وأكد المقرر المساعد للجنة حقوق الإنسان في الحوار الوطني بمصر أحمد راغب أن المصالح المشتركة بين مصر والاتحاد الأوروبي حسمت توجيه المساعدات المالية بعد تجاوز المطالب الحقوقية التي لم يعد لها حضور كبير على المستوى الدولي منذ اندلاع حرب إسرائيل على قطاع غزة، وما أقره البرلمان الأوروبي من مساعدات لا ينفصل عن سياسة عامة مع دول شرق المتوسط التي لها حدود بحرية مع أوروبا.
ولفت لـ”العرب” إلى أن دلالات التوقيت لها علاقة كبيرة بما رشح عن الاتحاد الأوروبي من تقديرات حول أهمية مصر بعد جولات عديدة من التفاوض معها، علاوة على التعامل مع ملف حقوق الإنسان باعتباره حقا أصيلا للدولة مع شعوبها، سواء أقدمت على تطويره أم لا، من دون أن يبقى على رأس أدوات أساليب الضغط.
يُذكر أن الحزمة الأوروبية الكلية تبلغ 7.4 مليار يورو، تُصرف حتى عام 2026، منها 5 مليارات يورو لدعم الموازنة، و1.8 مليار يورو كضمانات استثمارية للشركات الأوروبية والمصرية، إلى جانب 600 مليون يورو لدعم فني وتدريب وبناء قدرات.