تقارير وحوارات
البحسني والدبلوماسية الروسية: مقاربة يمنية لتوسيع التحالفات وبناء مسارات شراكة متعددة
في توقيت سياسي بالغ الحساسية، ووسط تحولات متسارعة تشهدها الساحتان اليمنية والإقليمية، التقى اللواء الركن فرج سالمين البحسني، عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، بالقائم بأعمال السفارة الروسية لدى اليمن، يفغيني كودروف، في العاصمة السعودية الرياض، في لقاء سياسي لافت يُضاف إلى سلسلة تحركاته الدبلوماسية النشطة خلال العامين الماضيين.
اللقاء يأتي في ظل حالة جمود سياسي تطبع الملف اليمني، وتراجع اهتمام بعض القوى الغربية بمآلات الأزمة، ما يدفع المجلس الرئاسي، وخاصة الجناح الذي يمثله البحسني، إلى البحث عن توازنات دولية بديلة، وشركاء جدد قادرين على كسر انسداد المسارات الأممية ودفع جهود التسوية نحو آفاق أكثر شمولًا.
التطورات اليمنية على طاولة البحث
خلال اللقاء، استعرض الطرفان المستجدات الأخيرة على الساحة اليمنية، في ظل تعثر العملية السياسية، وتصاعد التحديات الإنسانية والاقتصادية في عدة محافظات يمنية. وأكد البحسني أن المرحلة الراهنة تتطلب من القوى الدولية، وفي مقدمتها روسيا الاتحادية، أداء دور محوري ومتوازن، يعزز من فرص السلام، ويدفع باتجاه تسوية عادلة وشاملة تنهي معاناة اليمنيين المستمرة منذ أكثر من تسع سنوات.
وشدد عضو مجلس القيادة الرئاسي على ضرورة أن تضطلع موسكو، بما تمثله من ثقل سياسي عالمي، بدور أكثر تأثيرًا في دعم جهود المجلس والحكومة المعترف بها دوليًا، سعيًا لاستعادة مؤسسات الدولة، وإنهاء الانقلاب، وتحقيق الأمن والاستقرار، خاصة في ظل ما وصفه بـ"التحول الحذر في المواقف الإقليمية والدولية تجاه الملف اليمني".
من المجاملة إلى التموضع: قراءة موسعة في توقيت اللقاء
لم يكن اللقاء الذي جمع البحسني بالدبلوماسي الروسي مجرد تواصل بروتوكولي ضمن جدول الزيارات الاعتيادي، بل يأتي في سياق سياسي بالغ التعقيد، وفي توقيت لا يخلو من الدلالات. التوقيت يرتبط بتراجع نسبي في وتيرة الاهتمام الغربي بالملف اليمني، وتغير أولويات بعض القوى الإقليمية، ما يفتح الباب أمام قوى أخرى، مثل روسيا، للتموضع ضمن معادلة التأثير في المشهد اليمني.
اللقاء جاء أيضًا بعد فترات من الانسداد في المسار الأممي، وفشل متكرر في تحقيق اختراق فعلي يفضي إلى اتفاق سلام شامل، الأمر الذي يدفع المجلس الرئاسي، وتحديدًا البحسني، إلى تفعيل أدوات دبلوماسية بديلة. وبما أن روسيا لا تزال تحتفظ بقنوات اتصال مفتوحة مع مختلف الأطراف اليمنية، فإن توسيع التنسيق معها قد يُسهم في تفعيل دورها كطرف توافقي قادر على التوسط دون انحياز واضح.
التقارب مع موسكو يمثل – بحسب مراقبين – محاولة يمنية لتوظيف ما تمتلكه روسيا من عضوية دائمة في مجلس الأمن وعلاقات متوازنة إقليميًا، من أجل إعادة الزخم إلى القضية اليمنية داخل المحافل الدولية. كما يعكس اللقاء مقاربة تهدف إلى التحرر التدريجي من الاعتماد الأحادي على المحور الخليجي – الغربي، مع محاولة الحفاظ على علاقة منفتحة مع مختلف القوى العالمية.
ولا يمكن إغفال أن البحسني، بحكم خلفيته الأمنية والسياسية، يتعامل مع الملف الدولي بأدوات مدروسة، يوازن فيها بين الأبعاد الإقليمية والمصالح الوطنية. فتوسيع دوائر الاتصال لا يُفهم فقط في سياق البحث عن الدعم السياسي، بل كذلك في ضوء الحاجة الماسة إلى مساهمات دولية في عملية إعادة الإعمار، وتخفيف الأزمة الاقتصادية والإنسانية التي تعصف بالبلاد.
كما أن هذا اللقاء، ضمن سلسلة لقاءاته الثنائية مع ممثلي قوى دولية كبرى، قد يمثل خطوة باتجاه إحداث تحوّل تدريجي في موقع روسيا داخل معادلة السلام اليمني، وتحفيز أدوار بديلة من خارج الإطار الأممي التقليدي، ما يضفي عليه أهمية تتجاوز إطار المجاملات الدبلوماسية.
تعزيز الشراكة مع موسكو
وفي السياق ذاته، عبّر البحسني عن اعتزاز اليمن بالعلاقات التاريخية التي تجمعها بروسيا، والتي تعود إلى عقود طويلة من التعاون الدبلوماسي والدعم المتبادل، مؤكدًا تطلع الحكومة اليمنية إلى ترسيخ هذا الإرث المشترك عبر توسيع مجالات الشراكة السياسية والاقتصادية والثقافية. كما دعا إلى تفعيل القنوات الدبلوماسية المشتركة، واستكشاف آفاق جديدة للتعاون في مجالات التعليم، والطاقة، والتجارة، بما يخدم مصالح البلدين.
وأشار البحسني إلى أهمية تطوير التنسيق اليمني-الروسي لمواجهة التحديات الإنسانية المتزايدة، وعلى رأسها أزمة الغذاء، وانهيار الخدمات الأساسية، معبّرًا عن أمله في أن تساهم موسكو في جهود إعادة الإعمار وبناء الاقتصاد اليمني في مرحلة ما بعد الحرب، بما في ذلك دعم البنك المركزي وتعزيز الاستثمارات الاستراتيجية في المناطق المحررة.
الدور الروسي: وساطة أم نفوذ؟
من جانبه، جدّد القائم بأعمال السفارة الروسية لدى اليمن، يفغيني كودروف، موقف بلاده الداعم لمجلس القيادة الرئاسي، مؤكدًا حرص موسكو على الدفع باتجاه تسوية سياسية شاملة في اليمن، تستند إلى مرجعيات الحل الثلاث المعترف بها دوليًا، وعلى رأسها قرارات مجلس الأمن والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني.
وأوضح كودروف أن بلاده تتابع عن كثب تطورات الملف اليمني، وتسعى للتواصل مع جميع الأطراف الفاعلة من أجل خلق بيئة ملائمة للحوار، مشيرًا إلى أن روسيا، بحكم علاقاتها المتوازنة إقليميًا ودوليًا، قادرة على لعب دور الوسيط المحايد في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء اليمنيين.
كما أكد استعداد موسكو للمساهمة في التخفيف من الأزمة الإنسانية عبر دعم البرامج الإغاثية، وتقديم المساعدة الفنية في قطاعات حيوية مثل الطاقة والتعليم والصحة، بما يعزز من قدرة مؤسسات الدولة اليمنية على الاستجابة للتحديات الملحة.
نهج البحسني السياسي: من اللقاءات الثنائية إلى الاصطفاف الاستراتيجي
منذ انضمامه إلى مجلس القيادة الرئاسي، انتهج البحسني دبلوماسية متعددة المسارات، وظهر ذلك جليًا في سلسلة لقاءاته مع ممثلي القوى الدولية. إذ التقى خلال العامين الأخيرين بسفراء كل من الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، الاتحاد الأوروبي، كما عقد لقاءات رفيعة مع منظمات دولية تعنى بإعادة الإعمار ومكافحة الإرهاب.
تلك اللقاءات لم تكن بروتوكولية، بل حملت في طياتها محاولة لترسيخ استقلال القرار اليمني الخارجي، واستعادة الدور السيادي للدولة اليمنية في علاقاتها الدولية، بعيدًا عن الارتهان الكلي لمحور واحد.
فرص وتحديات أمام الشراكة اليمنية - الروسية
على الرغم من المؤشرات الإيجابية، يواجه هذا المسار عددًا من التحديات الموضوعية، أبرزها:
الانقسام داخل مجلس القيادة بشأن توجهات السياسة الخارجية.
الحساسيات الإقليمية، لا سيما التحفظ الخليجي من تمدد النفوذ الروسي.
غياب مؤسسات تنفيذية قوية قادرة على استيعاب المبادرات الروسية.
تعقيد العلاقة بين موسكو وبعض أطراف الصراع اليمني.
ومع ذلك، فإن انفتاح روسيا على جميع الأطراف، وعلاقاتها الجيدة مع القوى الإقليمية، قد يجعلها طرفًا مقبولًا في دور الوسيط المحايد، خصوصًا في ظل انسداد المسار الأممي التقليدي.
"انفتاح سياسي ومؤشرات تحول في الاستراتيجية اليمنية
يأتي هذا اللقاء في وقت تتسارع فيه التحركات الدبلوماسية الإقليمية والدولية بشأن اليمن، وسط مؤشرات على تحوّل محتمل في أولويات المجتمع الدولي، من إدارة الأزمة إلى محاولة حلّها. كما يعكس اللقاء رغبة يمنية واضحة في توسيع قاعدة الشركاء الدوليين، وعدم حصر الاتصالات في العواصم الغربية التقليدية، وهو ما يعزز من موقع روسيا كطرف يمكنه لعب دور "الجسر" بين أطراف الصراع.
وفي ظل استمرار الانقسام السياسي وتعثر المسارات الأممية، يُنظر إلى الجهود الثنائية بين مجلس القيادة الرئاسي وقوى دولية مثل روسيا على أنها فرصة لخلق مقاربة سياسية أكثر شمولًا، تُسهم في كسر الجمود، وتُعيد الزخم إلى مسار السلام المتعثر منذ اتفاق ستوكهولم.
مخرجات ممكنة لمسار متجدد في العلاقات اليمنية الدولية
يعكس اللقاء الأخير بين البحسني والدبلوماسية الروسية مرحلة جديدة من المقاربات السياسية التي يتبناها بعض أعضاء القيادة اليمنية في سعيهم لتوسيع قنوات الشراكة والتواصل مع المجتمع الدولي. ويمثل اللقاء، في مضمونه وتوقيته، فرصة حقيقية لإعادة تعريف دور اليمن في محيطه الإقليمي والدولي، ضمن سياق من التوازنات التي تراهن على تنوع الشركاء لا على الاستقطاب.
التحرك باتجاه روسيا يعزز فرضية الانفتاح اليمني على أدوار جديدة يمكن أن تساهم في سد الفجوات التي خلفتها ممارسات الوساطات التقليدية، ويدفع باتجاه بناء مقاربات واقعية تنسجم مع تعقيدات المرحلة. وفي ظل تعثّر مسارات الحل، فإن استثمار العلاقات مع قوى كبرى مثل موسكو يمكن أن يفتح آفاقًا لدعم جهود إعادة الإعمار، وتخفيف الأزمة الإنسانية، وتحفيز تدخلات أكثر مرونة في الملف السياسي.
لكن نجاح هذا المسار يتطلب توافر حد أدنى من التماسك الداخلي والتوافق بين مكونات القيادة، إضافة إلى وضوح في أولويات الملف الوطني لدى الشركاء الدوليين. ومن هنا، فإن المضي نحو شراكات استراتيجية غير تقليدية يظل خيارًا قابلًا للتطور، إذا ما أُدير بعناية، وتم تضمينه في إطار وطني جامع يحفظ المصالح العليا للدولة اليمنية ويعيد حضورها كمحور إقليمي فاعل.