اخبار الإقليم والعالم
بوتين يضع الشيخ تميم في الإطار العام للتسويات المنتظرة
مكّن لقاء القمة الذي جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الخميس من وضع الإطار العام للتسويات الخاصة بالملفات التي سعى الشيخ تميم لعرض الوساطة فيها خلال زيارته -التي استمرت يوما واحد- إلى موسكو بدءا من أوكرانيا وسوريا وصولا إلى ملف إيران والإجابة عن السؤال المتعاظم: كيف يمكن التعاطي مع هذا الملف في ضوء مخاوف من صدام وشيك بين طهران والولايات المتحدة وإسرائيل.
ويرى مراقبون أن ما يدعم دور أمير قطر في تحريك وساطته لتشمل ملفات مختلفة هو تحريك الجمود في البعض منها وتعثر محاولات سابقة، مثل الملف الأوكراني. وهي وساطة مطلوبة من مختلف الأطراف بما في ذلك روسيا وأوكرانيا، وخاصة الولايات المتحدة في ظل رغبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في إنهاء الحرب، لكنه اصطدم في مسعاه بتعقيدات من الجانبين الروسي والأوكراني.
وإذا كان بمقدور ترامب الضغط بصفة مباشرة على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للحصول على التنازلات الضرورية من أجل إنجاح خطة واشنطن لوقف الحرب، فإن غموض موقف موسكو وعدم تحمس بوتين لتسوية سريعة وغير شاملة يحتاجان إلى وسيط يقدر على مصارحة الرئيس الروسي وإقناعه بأن عرض ترامب يخدم موسكو بالدرجة الأولى حتى وإن كان وقف الحرب سيحسب للرئيس الأميركي.
القطريون لا يسعون لتحقيق نتائج عاجلة؛ يريدون تأكيد أنهم وسيط مقبول من الأطراف المعنية
ولا شك أن لقاء الشيخ تميم وبوتين قد أوضح الكثير من تفاصيل الموقف الروسي التي يقدر من خلالها ترامب على إعادة تحريك مساعيه لوقف الحرب على الأقل من جهة ضغوطه على أوكرانيا. كما أن روسيا هي نفسها في حاجة إلى قناة تواصل تحوز ثقة الأميركيين من أجل توجيه رسائلها بدقة إلى واشنطن بعيدا عن الغموض الذي قد يلف تصريحات المسؤولين في وسائل الإعلام.
وقبل بدء لقاء القمة قال دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، للصحافيين “سيجري بالتأكيد تبادل لوجهات النظر بين بوتين وأمير قطر في ما يتعلق بالشؤون الأوكرانية… وأمور إقليمية.” وأضاف “احتمالات الصراع كبيرة في المنطقة وتلعب قطر دورا كبيرا ومهما جدا في محاولات تسوية العديد من الأزمات.”
ولا يبحث القطريون عن تحقيق نتائج مباشرة للوساطة، فهذا أمر يتجاوز دورهم، ما يهمهم التأكيد على أنهم وسيط مقبول من الأطراف المعنية بهذه القضية أو تلك.
وقد يكون تأثير الدوحة ضعيفا في ملف أوكرانيا، لكنه قوي وفعّال في الملف السوري بسبب علاقتها المتينة بالرئيس السوري أحمد الشرع ودعمها متعدد الأوجه للنظام الجديد في دمشق، وهذا ما جعل الملف السوري يحظى بالأولوية في الزيارة خاصة بالنسبة إلى موسكو.
وقال أمير قطر لبوتين خلال اجتماعهما في الكرملين “بالنسبة إلى سوريا، قبل عدة أيام كان الرئيس الشرع في قطر وتحدثنا معه عن العلاقة التاريخية والإستراتيجية بين سوريا وروسيا وهو حريص على بناء علاقة بين البلدين مبنية على الاحترام.”
ومن جانبه قال الرئيس الروسي “نريد أن نفعل كل ما هو ممكن لضمان أن تبقى سوريا قبل كل شيء دولة مستقلة وذات سيادة تتمتع بوحدة أراضيها، ونود مناقشة إمكان مساعدة الشعب السوري بطرق تشمل تقديم مساعدات إنسانية.” وأضاف “توجد مشكلات كثيرة هناك، سياسية وأمنية واقتصادية بحتة.”
ولا يطلب الروس وساطة قطرية فقط بينهم وبين الشرع، فهناك وسيط آخر يمتلك علاقات متينة مع الدوحة، وهو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي تعمل بلاده على خلافة النفوذ الروسي في سوريا خاصة في المجال العسكري. ولعل تركيا أسهمت في تعقيد وضع الوجود الروسي في سوريا بسبب حرصها على الاستئثار بقواعد هامة في البلد، وإنْ كانت لم تظهر أي نوايا لوضع يدها على القاعدتين الروسيتين في سوريا؛ حميميم الجوية وطرطوس البحرية.
وتزامنت زيارة أمير قطر إلى موسكو مع زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي حاملا رسالة من المرشد الأعلى علي خامنئي إلى الرئيس الروسي.
ويوفر هذا التزامن للشيخ تميم فرصة معرفة مقاربة إيران والداعمين الروس في ما يتعلق بالمفاوضات الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني، وهو أمر مهم لأن إدارة ترامب تحتاج أن تسمع من أمير قطر ماذا تعرض إيران على روسيا من أفكار بشأن المفاوضات، وكيف يفكر الرئيس الروسي في الموضوع، وما هي حدود دعمه لإيران على هذا المستوى.
ولا شك أن إيران ستجد في وساطة قطر -وهي حليف إقليمي لطهران- بوابة لتأكيد رغبتها في عدم نشوب مواجهة بينها وبين الولايات المتحدة وإسرائيل، واستعدادها لوقف أي تحرك لأذرعها مقابل تهدئة تفضي إلى وقف التهديدات التي تطال أمنها القومي.
وهدد ترامب إيران مرارا بالقصف وفرْض رسوم جمركية ثانوية على دول تشتري النفط الإيراني إذا لم تتوصل طهران إلى اتفاق مع واشنطن بشأن برنامجها النووي. وأرسلت الولايات المتحدة طائرات حربية إضافية إلى المنطقة.
وفي مستوى آخر ناقش أمير قطر مع الرئيس الروسي الوضع في قطاع غزة. وقال الشيخ تميم “قطر بدورها كوسيط سوف تسعى لنحاول تغيير وجهات النظر لمحاولة التوصل إلى اتفاق لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني.”
وقال بوتين “نعلم أن قطر تبذل جهودا حثيثة لحل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. وللأسف، لم تنفذ المبادرات التي طرحت، ومن بينها مبادراتكم، ومقتل العزّل المسالمين مستمر في فلسطين، وهذه مأساة حقيقية حاليا.”
وفي المحصلة ينتظر المتابعون دبلوماسية قطرية على أكثر من جبهة خلال الفترة القادمة على أن تظهر خلال الصيف حدود ما حققته في وساطاتها المختلفة.
ووقع الشيخ تميم وبوتين اتفاقية سيدفع كل بلد بموجبها مليار يورو (1.14 مليار دولار) أخرى لصندوق استثمار مشترك.
وقال كيريل دميترييف، رئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي، للصحافيين إن قطر مستثمر رئيسي في البنية التحتية الروسية، وإن الشركات الروسية مهتمة بدخول سوق الشرق الأوسط مع شركاء قطريين.