اخبار الإقليم والعالم
القضاء الليبي يطوي صفحة الصراع على رئاسة ديوان المحاسبة ويطيح بقرار تكالة بعد يوم واحد من إصداره
طوى القضاء الليبي ملف الصراع القائم منذ أشهر على رئاسة ديوان المحاسبة وأطاح بمحاولة تسييس المنصب وتجييره لخدمة مصالح بعض القوى النافذة في البلاد. وقد أصدرت محكمة جنوب طرابلس حكمًا نهائيا يقضي بتثبيت خالد شكشك كرئيس شرعي ووحيد لديوان المحاسبة، ورفض الطعن المقدم من الوكيل السابق عطية الله السعيطي، ما أنهى النزاع القانوني بين الطرفين.
وبعد إعلان الحكم ناقش شكشك مع مديري الإدارات والفروع في ديوان المحاسبة مستوى الجاهزية لإعداد التقرير السنوي. وجاء في بيان أن “ديوان المحاسبة عقد اجتماعه السنوي الأول لمديري الفروع لعام 2025، والذي ترأسه رئيس الديوان، خالد شكشك، بحضور مديري الإدارات والمكاتب بالإدارة العامة، وذلك في إطار تعزيز التنسيق المؤسسي ومتابعة الأداء الرقابي.”
وأضاف البيان “تم خلال الاجتماع استعراض مدى التقدم في تنفيذ الخطة التشغيلية للعامين 2024 – 2025، ومناقشة مستوى الجاهزية لإعداد التقرير السنوي للديوان، إلى جانب طرح أبرز التحديات والصعوبات التي واجهت تنفيذ الخطة خلال العام الرقابي الماضي” حيث “ناقش المجتمعون آليات تقييم الأداء المؤسسي وجودة العمل، ووضع آليات لإعلان نتائج التميز في أداء العمل خلال العام المنقضي، واختُتم الاجتماع بعرض الخطة التشغيلية المقترحة للعامين 2025 – 2026، من حيث الأهداف، والبرامج، والأنشطة، بما يسهم في تعزيز كفاءة العمل وتحقيق نتائج رقابية فعّالة.”
وجاء الحكم القضائي بعد مرور يوم واحد على إصدار محمد تكالة، بصفته رئيسا لمجلس الدولة، قرار تكليف أحمد عون ضو بمهام رئيس ديوان المحاسبة بصفة مؤقتة. وورد في قرار تكالة أن لجنة التسليم والتسلم سيرأسها عضو مجلس الدولة توفيق محمد الرقيق، وتضم في عضويتها كلا من مستشار وكيل ديوان المحاسبة أبوبكر بلال الأمين، ومدير الشؤون المالية بديوان المحاسبة حسن إبراهيم ميلاد. وأوضح أن اللجنة مخصصة لتسلم وتسليم المنصب بين وكيل ديوان المحاسبة (رئيس الديوان بالإنابة) عطية الله السعيطي وأحمد ضو.
وقوبل قرار تكالة بانتقادات واسعة من أطراف سياسية واجتماعية رأت فيه محاولة لإعادة خلط الأوراق والدفع نحو تعميق حالة الانقسام السياسي والرفع من وتيرة الصراع مع مجلس النواب المتمسك ببقاء شكشك على رأس ديوان المحاسبة.
وحذر المجلس الرئاسي من التصعيد غير المبرر الذي تشهده الساحة السياسية والذي قد يهدد حالة الاستقرار النسبي التي تعيشها البلاد، ودعا مجلسي النواب والدولة إلى تجاوز خلافاتهما وتغليب المصلحة الوطنية على الحسابات الضيقة والآنية، مؤكدًا على ضرورة التوافق العاجل بشأن تسمية شاغلي المناصب السيادية وفق ما نص عليه الاتفاق السياسي وملاحقه تفادياً لانزلاق البلاد إلى أتون أزمة جديدة تُضاف إلى ما يعانيه المواطن من أزمات متراكمة.
◙ مصادر ترجح أن يكون قرار تكالة وليد خطة متفق عليها مع الدبيبة في سياق التجاذبات بينه وبين منافسه في النزاع على رئاسة مجلس الدولة
وقال المجلس إنه يتابع بقلق بالغ ما تشهده الساحة السياسية من تصعيد غير مبرر من خلال خطوات أحادية الجانب تقابلها أخرى من بعض المؤسسات. من جانبه أكد مجلس النواب أن قرار تكالة، بشأن تكليف أحمد عون ضو بمهام رئيس ديوان المحاسبة، لا يُعتد به قانونًا، باعتباره مُخالفًا للقانون والاتفاق السياسي.
وأوضح المجلس من خلال بيان صادر عن مدير مكتب شؤون الرئاسة المكلف مبروك المقيطيف، أنه بعد اطلاعه على نسخة من الكتاب المؤرخ في 14 أبريل 2025، الصادر عن مجلس الدولة، يشدّد على أن تعيين شاغلي المناصب السيادية هو من اختصاص مجلس النواب حصريًا، حتى وإن تم التشاور مع مجلس الدولة، فإن القرار النهائي يصدر عن مجلس النواب فقط.
ووجّه مجلس النواب كافة الجهات والمؤسسات بضرورة عدم تنفيذ أو التعامل مع ما ورد في كتاب تكالة، داعيًا إلى الالتزام بما نص عليه القانون والاتفاق السياسي، ووضع توجيهاته موضع التنفيذ الفوري. وقال عضو مجلس النواب عزالدين قويرب “بغض الطرف عن الموقف الشخصي من رؤساء ووكلاء الأجهزة الرقابية عموما، فإنني أعتبر قرار تكالة فضلاً عن كونه عبثا قانونيا هو فتنة أخرى في المدينة وإساءة متعمدة للجوار،” مردفا أن تلك الإساءة “تضاف إلى الإساءات المتكررة ومحاولة خسيسة لخلط الأوراق شرقاً وغربا.”
بدوره اعتبر عضو مجلس النواب صالح فحيمة أن قرار تكالة يعد خرقا صريحا للأطر القانونية النافذة وعلى رأسها القانون رقم 19 لسنة 2013 الذي يفوض صلاحية التعيين حصرا للسلطة التشريعية ممثلة في مجلس النواب وفق المادة الخامسة منه، وقال إن هذا التصرف يمثل اعتداء سافرا على صلاحيات المؤسسة التشريعية واختراقا خطيرا لاستقلالية الجهاز الرقابي الذي يشكل ذراعا أساسية لمجلس النواب في ممارسة مهامه الرقابية والمالية.
كما انتقد عضو مجلس الدولة أبوالقاسم قزيط قرار تكالة، واعتبر أن “تكليف رئيس لديوان المحاسبة لا يجرى إلا بالتوافق بين مجلسي الدولة والنواب،” مضيفا أن مثل هذا القرار يحتاج إلى تصويت مشترك من كلا المجلسين، وأكد أنه لم يحدث تصويت ولا حتى تمرير، وفق تعبيره.
ورجحت مصادر مطلعة أن يكون قرار تكالة وليد خطة متفق عليها مع حليفه الأبرز رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة، وفي سياق التجاذبات بينه وبين منافسه في النزاع المتواصل على رئاسة مجلس الدولة منذ أغسطس الماضي خالد المشري المعروف بتوافقاته في عدد من الملفات مع مجلس النواب وبدعوته المستمرة إلى استقالة الدبيبة وتشكيل حكومة جديدة لإدارة شؤون البلاد وتهيئة الظروف الملائمة لتنظيم الانتخابات.
وفي بيان رسمي أصدره بصفته رئيسا لمجلس الدولة رفض المشري بشكل قاطع الخطوة التي أقدم عليها تكالة، وهي قيامه بتكليف رئيس جديد لديوان المحاسبة الليبي، معتبرا هذا الإجراء باطلاً ومخالفاً للنصوص الدستورية وأحكام القضاء النافذة.
وأكد المشري أن جميع القرارات والإجراءات الصادرة عمن وصفه بمنتحل صفة رئيس مجلس النواب محمد تكالة تفتقر إلى الشرعية القانونية، مشددا على أن الاستمرار في اتخاذ قرارات فردية دون توافق وطني يعمّق الانقسام داخل مؤسسات الدولة، لاسيما تلك السيادية والحساسة، ويزيد من حالة الفوضى التي تمر بها البلاد.