ثقافة وفنون
فنانو الراي يدعون إلى إدراجه في قائمة التراث العالمي اللامادي لليونسكو
الرّاي.. فن خرج من أحياء الجزائر العتيقة إلى العالمية
الشاب خالد، الشاب حسني، الشابة الزهوانية، الشاب مامي وغيرهم الكثيرون، فنانون جزائريون أوصلوا أغنية الرّاي إلى العالمية، بعد أن انطلقوا بها من أحياء شعبية قديمة، ليصلوا إلى الغناء في أكبر المسارح في شتى أنحاء العالم.
ويكتسي هذا الفن أهمية بالغة، ففي الحادي والثلاثين من مارس 2021، أعادت الجزائر رسميا إيداع تصنيف ملف الرّاي ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بعد سحبه في ديسمبر 2020 لضعف الملف تقنيا، وفق بيان لوزارة الثقافة الجزائرية.
الرّاي موسيقى تستمد جذورها من الأغنية الوهرانية (نسبة إلى مدينة وهران شمال غرب الجزائر)، كانت بدايتها على أيدي الشيخات (مغنيات محليات)، أما الشهرة فنالها نجوم الجيل الجديد الذين يطلقون على أنفسهم ألقاب الشاب والشابة، تميزا عن الجيل المؤسس.
وفي العام 2005، أصدرت اليونسكو نشرة خاصة باللغة الفرنسية، عن الأنواع الموسيقية الأفريقية، قالت فيها إن "الجزائر التي تعتبر نفسها موطن موسيقى الرّاي بامتياز، أخرجت هذا النوع الغنائي خلال القرن الماضي في منطقة وهران".
انطلاقة الراي بدأت من أزقة وأحياء وهران العتيقة التي برزت منها أسماء لامعة في هذا الفن أمثال الشاب خالد، والشاب حسني شقرون، والشابة الزهوانية، كما التحق بهم نجوم من مدن مجاورة كسيدي بلعباس وعين تيمشونت، وبدأت مسيرتهم وشهرتهم من وهران يتقدمهم الشاب مامي. ومن بين أبرز الأحياء المعروفة التي خرجت منها موسيقى الراي وتعدّت شهرتها حدود البلاد: حي "قمبيطة" و"الدرب" و"بلاطو".
ونرصد شهادات فنانين جزائريين شاركوا في مهرجاني الراي والأغنية الوهرانية اللذين نظمتهما وزارة الثقافة تزامنا مع ألعاب البحر المتوسط في وهران (من 25 يونيو حتى 5 يوليو)، لهم باع بموسيقى الراي، لمعرفة أول وأبرز الأحياء الشعبية التي ظهر منها هذا الفن.
ويقول قويدر بركان ملحن وعازف جزائري إنّ "أول حيّ بوهران ظهر منه الرّاي، كان حي محي الدين الكميل، وشهد ظهور الشاب خالد، والشاب سيد أحمد الهندي، والشاب عفان رحمه الله".
ويضيف قويدر أن "مجموعة كبيرة من الفنانين ظهرت في هذا الحيّ، وكان حي سان ميشال أيضاً يسكنه مطربون أمثال بن سمير، ثم انتقلت حمّى الراي إلى حي الحمري الشهير بالمدينة وهناك برز الشاب عادل، ثم حيّ تيريغو وفيه ظهر الشاب رضا". ويتابع "توسّعت عدوى الرّاي وانتشرت في أرجاء وهران وأحيائها وخاصة في قمبيطة الذي شهد ميلاد عندليب الراي الراحل الشاب حسني".
من جهتها، تقول حورية بابا، إحدى أيقونات الأغنية الوهرانية، إنّ "موسيقى الرّاي ظهرت في عدّة أحياء بوهران مثل الكميل، والحمري، وميدوني، إضافة إلى سانتوجان الذي أقطن به، إضافة إلى حي قمبيطا، حيث ولد الراحل حسني شقرون".
وتضيف بابا أن "هذه الأحياء الشعبية بوهران صنعت فنانين لامعين في سماء الرّاي يتقدمهم الشاب خالد والشاب حسني والشاب نصور". بدوره، يوضح المغني هواري بن شنّات أنّ الرّاي فن جزائري خالص وظهر بمدن غرب الجزائر كوهران، وعين تيمشونت، وسيدي بلعباس.
بخصوص الأحياء التي انطلق منها الرّاي يقول بن شنات إنّ "أوّل حي شهد ظهور فن الراي، هو بلاطو، وفيه ظهر الشيخ بوثلجة بلقاسم، والشيخ بن لمّو الذي التحق بهذا المكان، ثم الشيخ بوطيبة، والشيخ الصنهاجي، والشيخ المنور".
ويشير إلى أنّ "الرّاي برز أيضا في مدن مجاورة مثل بلعباس وعين تيمشونت (غرب)، وكانت له أعمدته، لكن انطلاقته نحو العالمية كانت من أحياء وهران.
ظهور وانتشار سريع
ويرى المغني هواري دوفان، أحد نجوم أغنية الرّاي في الجزائر، أنّ "الأحياء التي خرج واشتهر منها طابع الرّاي، بوهران كثيرة ومعروفة من بينها بلاطو، وقمبيطة، والدرب".
ويذكر دوفان أن "فن الرّاي يمتد إلى أغنية البدوي والأغنية الوهرانية الأصيلة، ثم تطور مع الوقت، حتى أصبح فنّا عالميا بفضل ثلة من الفنانين مثل الشاب خالد والشاب مامي".
ويقول المغني الجزائري إنه يتمنى “إضافة موسيقى الرّاي إلى قائمة التراث العالمي اللامادي لليونسكو”، مشيراً إلى أن وزارة الثقافة تعمل على ذلك، باعتباره موسيقى جزائرية خالصة.
ودعا دوفان فناني أغنية الرّاي الشباب إلى الحفاظ على هذا النوع من الأغنية كلون فني أصيل من خلال انتقاء الكلمات الجميلة الهادفة وعدم توظيف كلمات رديئة لأنّ الرّاي فن يتضمن معاني الحب والإحساس والمشاعر الجميلة ولا بد من صونه جيلا بعد جيل.
وفي تصريح سابق أدلى به الكاتب الجزائري سعيد خطيبي، مؤلف كتاب "أعراس النار.. قصّة الرّاي” (صدر في 2010 عن منشورات إبيت) حيث قال إنّ “الرّاي الموسيقى الوحيدة التي تمكنت من بلوغ العالمية في وقت قياسي، حتى أن القاموس الفرنسي لاروس أدرج كلمة الرّاي في 1998 ضمن مصطلحاته".
وكتب خطيبي في مقال خصصه للحديث عن الفنان الجزائري الشاب حسني الذي قتل برصاصة غادرة إن "الرّاي هو ‘رحبة‘ تستوعب العادي والممنوع، الشاﺬ والطبيعي، هي البيئة الوحيدة التي يمكن أن ينمو فيها المتناقضان جنبا إلى جنب، ويحدث فيها اختلاط دونما حرج، هي الداخل والخارج، الوطن والغربة، الاستقرار والهجران. الرّاي كان ولا يزال قبلة من ضل طريقه بحثا عن إنسانية أكبر، وهو مهد تجارب العشق وممارسة المحرمات".
وأول مهرجان للرّاي نظم بوهران عام 1985، تلاه مهرجانان بمدينتي وجدة (شرق المغرب على حدود الجزائر)، وطبرقة (غرب تونس، قريبة من الجزائر)، فيما نُظم أول مهرجان بباريس في 1987 بحسب خطيبي.