الأورام السرطانية تنمو في مسارات متشابهة لدى البشر والكلاب
توصل العلم الحديث إلى أن دراسة الأورام السرطانية التي تصاب بها الكلاب قد تساعد في اكتساب المزيد من المعرفة بشأن سبل علاج المرض الخبيث لدى الإنسان. ولا يرجع السبب في ذلك إلى أن البشر وكلابهم الأليفة يتعرضون لنفس المؤثرات البيئية المسببة للسرطان فحسب، بل لأن العلماء توصلوا إلى أن الأورام السرطانية تنمو في مسارات متشابهة لدى البشر والكلاب.
ويرى العلماء أن سرعة تطور السرطان لدى الكلاب يعني أن الباحثين سيكون بمقدورهم متابعة تأثير العلاجات الحديثة على الكلاب بشكل أسرع، ما يتيح سرعة الانتقال إلى التجارب السريرية لهذه الأدوية على المرضى من البشر. ويقول الباحث ماثيو بيرين أخصائي علم الوراثة بجامعة ولاية نورث كارولينا الأميركية إن “الكلاب هي أفضل صديق للإنسان من الناحية الطبية والحيوية،” موضحا أن توظيف الكلاب في الاختبارات الدوائية لعلاجات السرطان يتيح إمكانية التعرف من الآن على نتائج استخدام دواء معين على البشر بعد 25 سنة. وجدير بالذكر أن الصلة الطبية والبيولوجية بين الإنسان والكلاب ليست حديثة العهد، فالأطباء البيطريون اعتادوا منذ فترة طويلة على استخدام أدوية تم تطويرها للبشر في علاج أمراض الكلاب، كما يتدرب الأطباء البشريون على الأساليب الجراحية المستحدثة على الكلاب أولا قبل تعميمها على الإنسان، مثل جراحة استئصال “الساركوما العظمية” دون بتر الطرف، حيث تدرّب الأطباء على إجراء هذه الجراحة لإزالة تلك الأورام التي تنمو في العظم على الكلاب في بادئ الأمر.
دراسة حديثة أثبتت مدى التشابه في حجم الضرر الذي تتعرض له الخلايا بسبب السرطان لدى البشر والكلاب
وأثبتت دراسة حديثة مدى التشابه في حجم الضرر الذي تتعرض له الخلايا بسبب السرطان لدى البشر والكلاب. وقامت الباحثة إلينور كارلسون المتخصصة في علوم الجينوم بجامعة يو ماس تشان للعلوم الطبية بولاية ماساشوسيتس الأميركية بعملية تسلسل جيني لأكثر من 15 ألف ورم سرطاني بشري من 32 نوعا مختلفا بالإضافة إلى أكثر من 400 ورم سرطاني أصيبت بها كلاب من سبعة أنواع مختلفة من السرطان. وكانت الدراسة تهدف إلى التعرف على الطفرات الجينية التي ظهرت على الخلايا السرطانية ولم تكن موجودة في الخلايا السليمة، ويفترض أن هذه الطفرات ليست وراثية وإنما ناجمة عن تغيرات حديثة نتيجة التعرض لمؤثرات خارجية خلال فترة حياة المريض.
وفي تصريحات للموقع الإلكتروني “مجلة المعرفة” المتخصص في الأبحاث العلمية، تقول كارلسون إن حجم الضرر كان متشابها لدرجة كبيرة لدى البشر والكلاب، وتوضح أنه “من الناحية الوراثية، فإن نفس الجينات كانت هي السبب في حدوث السرطان لدى الإنسان والكلاب، فالكثير من الأورام السرطانية لدى الكلاب كانت بها طفرات جينية من النوع الذي يسبب السرطان لدى البشر مثل طفرة الجين المثبط للسرطان “بي تي أي ان” التي كثيرا ما تظهر في حالات سرطان الثدي والبروستاتا، وطفرة الجين المنظم لانقسام الخلايا “إن أر إيه أس”التي تظهر في حالات سرطان الجلد وغيرها.
وأجرى فريق بحثي من شركة فيدوكيور لأبحاث السرطان لدى الكلاب ومقرها ولاية كاليفورنيا دراسة لمعرفة مدى استجابة الأورام السرطانية لدى الكلاب لأدوية البشر. ودرس الفريق حالات 1108 من الكلاب المصابة بالمرض الخبيث، وتبين أن فترة بقاء الكلاب المصابة ببعض أنواع السرطان على قيد الحياة ترتفع في حالة علاجها بأدوية البشر، وبخاصة الأدوية التي تستهدف طفرات جينية بعينها، وهو ما يشير إلى أن الطبيعة البيولوجية الرئيسية الخاصة بالسرطان تتشابه لدى الفصيلتين، وبالتالي من الممكن استخدام الكلاب في التجارب السريرية لأدوية السرطان لخدمة جهود علاج المرض لدى الإنسان. وتؤكد إيمي لوبلانك طبيبة الأورام البيطرية من المعهد الوطني للأورام في الولايات المتحدة في تصريحات لموقع “مجلة المعرفة” أن هذه التجارب قد آتت ثمارها بالفعل في اختبار بعض الأدوية على الكلاب أولا، وقد انتقلت هذه الأدوية الآن إلى مرحلة التجارب البشرية أو تم إقرار استخدامها على البشر بواسطة الجهات المختصة. ومن بين هذه الأدوية علاجات مناعية لسرطان المخ وبعض أنواع سرطان خلايا البلازما في نخاع العظم وسرطان الغدد الليمفاوية.
ويقول الباحثون إن بعض فصائل الكلاب معروف أنها تصاب بأنواع معينة من السرطان، فالجولدن ريتريفر والليبردور تصاب بسرطان أغشية الأوعية الدموية، والروتوايلر وكلاب الصيد الأيرلندية تصاب بنوع معين من سرطان العظام، في حين تصاب الكلاب البوكسر والتيرير بسرطان الغدد الليمفاوية، ويرى العلماء أن هذه المعلومات يمكن أن تساعد الباحثين في رصد الطفرات الجينية التي تزيد مخاطر الإصابة بأمراض سرطانية بعينها. وقد شرع فريق بحثي بالفعل في وضع خارطة جينوم لبعض أنواع الكلاب مثل الجولدن والليبرادور وذلك لتحديد الجينات التي تقترن بزيادة مخاطر الإصابة بالسرطان. ويرى البيطري دوجلاس ثام طبيب الأورام من جامعة كولورادو الأميركية أن “هذه الدراسة تعتبر قفزة هائلة للانتقال من الاختبارات على فئران التجارب إلى دراسة عملاقة تمتد على مدار 15 إلى 20 عاما لمنع إصابة البشر بالسرطان.” وقد أجرى ثام وفريقه البحثي اختبارات على نوع من اللقاحات المضادة للسرطان شملت 804 من الكلاب، وهو ما ساعد في تقليل زمن الاختبارات الدوائية إلى خمس سنوات فحسب، وجاري حاليا تحليل البيانات ومن المتوقع إعلان النتائج بشأن فاعلية هذا اللقاح بحلول نهاية العام الجاري.
ومع استمرار الأبحاث لدراسة الصلة بين مرض السرطان لدى البشر والكلاب، يؤكد العلماء فوائد هذه النوعية من التجارب ليس فقط بالنسبة إلى العلم الحديث بل أيضا لأصحاب الكلاب وحيواناتهم الأليفة، حيث أن الكلاب التي تشارك في مثل هذه التجارب تحصل على نوعية من الرعاية الصحية لم تكن لتحصل عليها بوسيلة أخرى. ويؤكد ثام “نحن لا نجري تجارب على هذه الحيوانات بطريقة تسبب لها الضرر، بل نحاول مساعدتها، وهو ما يحقق لنا شعورا كبيرا بالرضا”.