تجميد الأصول وعدم الاعتراف بجوازات السفر ينهيان الهدنة بين الجزائر وفرنسا
يستعد وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو لوضع مقترحات جديدة على طاولة مجلس إدارة الأزمة مع الجزائر، أبرزها تجميد الأصول ومراجعة سياسة التأشيرات، ويأتي ذلك مع استنكار جديد للخارجية الجزائرية حول خطوة الوزير نفسه لما أوعز لمحافظي الولايات بعدم الاعتراف بجواز السفر الذي يحمله جزائريون حصلوا عليه مؤخرا، واعتبرتها انتهاكا صريحا للمواثيق الدولية والاتفاقيات الثنائية بين البلدين، بينما أدرجه مراقبون في خانة ليّ الذراع القائم بين السلطات الجزائرية ورموز اليمين الفرنسي.
وأفاد تقرير فرنسي بأن وزير الداخلية برونو روتايو اتخذ عدة إجراءات يستهدف من خلالها كبار المسؤولين الجزائريين رفيعي المستوى، وتشمل الإجراءات عدم استفادة عدد من وجوه النخبة الجزائرية من التسهيلات الدبلوماسية للسفر إلى فرنسا، وفيهم شخصيات سياسية، وضباط عسكريون وأمنيون، ورجال مال وأعمال، ويتعلق الأمر بـ44 شخصا، على أن ترتفع القائمة لتشمل 80 شخصا.
وأوضح بأن هذه الإجراءات أولوية على أن تتبعها إجراءات أخرى، في تلميح إلى مقترحات يكون قد أعدها برونو روتايو، لعرضها على المجلس الوزراء المصغر، والمشكل لبحث ومعالجة أطوار الأزمة مع الجزائر.
شخصية جزائرية تم تجميد أصولها في فرنسا من بينهم مسؤولين بارزين في الرئاسة الجزائرية وقيادة المؤسسة العسكرية
وتفيد الأصداء الواردة من باريس بأن الانقسام بات واضحا داخل الحكومة الفرنسية، حول التعاطي مع الأزمة الجزائرية، خاصة بين وزيري الداخلية روتايو، ووزير الخارجية جان نويل بارو، اللذين تبادلا عبارات متناقضة في الآونة الأخيرة، ففيما أشار الأول إلى “نهاية حقبة دبلوماسية حسن النوايا،” رد عليه الثاني بالقول “إذا انتهت النوايا تنتهي الدبلوماسية“.
وفيما تشير التصريحات المتباينة للمسؤولين الفرنسيين إلى غياب الانسجام الداخلي لدى دوائر صنع القرار حول تسيير ملف الأزمة الجزائرية – الفرنسية، ما يوحي بحالة من التخبط السياسي ويطرح تساؤلات حول وحدة الرؤية الفرنسية في إدارة هذا الملف، يواصل مجلس الوزراء المصغر مهامه في متابعة وبلورة الخطوات المتخذة، رغم التصريحات المتباينة المعبر عنها في وسائل الإعلام.
وفي أقل من أسبوعين، صدرت ثلاثة مواقف مختلفة حول الأزمة القائمة مع الجزائر، حيث صرح الوزير المنتدب الفرنسي للفرانكوفونية والشراكات الدولية محمد صويلحي بأن “باريس قررت العدول عن العداء العلني لأنه لا يجدي نفعا، وأن التنديدات العلنية لا تؤدي إلا إلى تفاقم الوضع“.
وأضاف “بعض المسؤولين يُحرِضون دون تحقيق أيّ شيء، ما يزيد الوضع سوءا، وأن الحكومة الفرنسية تفضل الآن التحرك بصمت،” في تلميح إلى الشدة التي ميزت تصريحات وزير الداخلية.
وعاد برونو روتايو، بعد هدنة سياسية، لتصريحاته المعتادة، مصعدا اللهجة ضد الجزائر وداعيا حكومة بلاده إلى “تغيير اللهجة” مع الجزائر و”العودة إلى الحزم،” وأن “دبلوماسية النوايا الحسنة فشلت“.
وهو ما رد عليه زميله بارو في منشور له على صفحته الرسمية في منصة إكس بالقول “لا توجد دبلوماسية النوايا الحسنة، ولا دبلوماسية الضغينة، هناك فقط الدبلوماسية“.
وكانت تقارير فرنسية قد تحدثت منذ أسابيع عن “تجميد أصول 18 شخصية جزائرية في فرنسا،” وأشارت إلى مسؤولين بارزين في الرئاسة الجزائرية وقيادة المؤسسة العسكرية، مؤكدة أن الخطوة ستشمل أعدادا أخرى من لائحة تتضمن 802 شخصية جزائرية تملك أصولا في فرنسا.
وردت وكالة الأنباء الرسمية، بمقال حمل عنوان “تفضلوا ونفذوا ما تتحدثون عنه،” مؤكدة أن هذه التهديدات لا تثير سوى “الازدراء واللامبالاة،” لأنها موجهة إلى “جزائر لا توجد إلا في خيال أصحابها،” تلك التي تُختزل في مفاهيم مشوشة مثل “النظام” و”السلطة” و”كبار النافذين”.
الانقسام بات واضحا داخل الحكومة الفرنسية، حول التعاطي مع الأزمة الجزائرية، خاصة بين وزيري الداخلية روتايو، ووزير الخارجية جان نويل بارو
وينتظر أن يلتئم مجلس الوزراء المصغر الخميس القادم لبحث آخر تطورات الأزمة مع الجزائر، وبلورة قرارات مناسبة، وهو ما أعد له وزير الداخلية عدة مقترحات تم تسريبها لوسائل إعلام يمينية، من أجل حشد وممارسة ضغط إضافي على العناصر الأخرى في المجلس المذكور.
ونقلت قناة “أورب 1” عن مصادر مقربة من وزير الداخلية الفرنسية أنه سيقدم جملة من المقترحات للرئيس إيمانويل ماكرون، على غرار تجميد الأصول، ومراجعة سياسة التأشيرات، بالإضافة إلى إجراءات ضد شركات الطيران الجزائرية، كما سيلوّح برونو بورقة الإجماع البرلماني للضغط على ماكرون من أجل مراجعة اتفاقية 1968 مع الجزائر، مستغلا في ذلك تراجع مؤشرات ماكرون الشعبية إلى أدنى مستوى في آخر استطلاعات الرأي.
ومع شروع القنصليات الجزائرية بفرنسا في توزيع جوازات سفر على المهاجرين الجزائريين بدا برونو روتايو مستاء من الخطوة الجزائرية، وكشف في تصريح لصحيفة “لوفيغارو” بأنه “يرفض الاعتراف بهذه الجوازات، وأنه سيصدر تعليمات إلى الولاة بعدم قبولها كوثائق رسمية في ملفات طلب الإقامة،” وهو ما اعتبرته الجزائر “انتهاكا للمواثيق الدولية وللاتفاقيات الثنائية“.
ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية عن مسؤول رسمي في وزارة الخارجية قوله إن “منح هذه الجوازات يعد حقا للمواطنين الجزائريين وأن استصدارها يعتبر واجبا يقع على عاتق الدولة الجزائرية ذات السيادة. وبالتالي، فإن الاعتراف بهذه الجوازات يفرض نفسه على الدولة الفرنسية“.
وأضاف “تصريح الوزير الفرنسي يتسم بطابع تعسفي وتمييزي ويمثل إساءة لاستعمال السلطة، كونه يتعارض صراحة مع التشريع الفرنسي نفسه. وبمعرفة صاحبه، فإن هذا التصريح يكتسي بعدا سياسيا واضحا، فضلا على أنه غير مؤسس من الناحية القانونية ولا يرتكز على أيّ قاعدة في القانون الفرنسي ذاته“.
وأوضح بأن جوازات السفر المعنية تسلم في الواقع بناء على طلب من الأقاليم الفرنسية نفسها، باعتبارها وثائق مرجعية لا غنى عنها في الملفات المتعلقة بطلب تصاريح الإقامة، وأن عدم الاعتراف بهذه الجوازات، على النحو الذي صرّح به وزير الداخلية الفرنسي، يشكل انتهاكا للحقوق الفردية، وإخلالا آخر بالتزامات فرنسا الثنائية“.