كورال مصريات يداوي الوجع بالغناء

وكالة أنباء حضرموت

 أسست المصريتان ناهد السيد وهايدي رضوان فرقة “الصحبجية” النسائية الغنائية، وجعلتا كل أعضائها من النساء فوق سن الأربعين، كمبادرة لتقديم الدعم النفسي لهن، من خلال تجربة فريدة وجدن فيها أنفسهن بوقوفهن على خشبة المسرح أمام جمهور يغني ويتفاعل ويعلن أن الحياة لا تتوقف والعمر مجرد رقم.

وخرجت فرقة “الصحبجية” مؤخرا من مرحلة تقديم فنها في قاعات مغلقة من النساء وإلى النساء فقط، إلى عالم أرحب، حيث بدأت عرض فنها في الكثير من الأماكن التاريخية التي تضم قاعات ومسارح عرض، مثل قصر الأمير طاز، وقبة الغوري، وقريبا في دار الأوبرا المصرية، من أجل عرض فنها وأغانيها لفئة كبيرة من جمهور بات يتتبع أخبارها ويزداد ويتنوع بين النساء والرجال والأطفال.

جمعت الظروف بين الكاتبة الصحفية ناهد السيد وصديقتها هايدي رضوان، وقررتا أن يحلما معا، رغم اختلاف تجربة كل منهما.

◄ ناهد وهايدي تحلمان بتقديم عروض فنية خارج مصر لإدخال السعادة على قلوب سيدات يحتجن إلى الدعم النفسي والمعنوي

عانت، ولا تزال ناهد السيد مع “الذئبة الحمراء”، وهو مرض مناعي يضرب الجسد بقسوة ويصيبه بأعراض خطيرة، وأيقنت بعد سنوات أن الفن داعم نفسي ومعنوي.

وسعت إلى تأسيس مشروعها الأول “ساقية مصر” عام 2019، و أطلقت من خلاله عدة مبادرات لتدريب وتمكين النساء والأطفال على أنواع الفنون المختلفة، من غناء وموسيقى ورسم وديكوباج وخياطة وصناعة الجلود والعلاج بالسباحة.

ذاع صيت “ساقية مصر” وحققت رواجا كبيرا، لكن عملها تراجع مع بداية جائحة كورونا في نهاية عام 2019 وانطفأ وهج حلم كان أشبه بطوق نجاة لصاحبته.

ورغم معاناة ناهد المستمرة مع المرض الذي اشتدت ضراوته مع الوقت وحاجتها إلى متبرع للخلايا الجزعية كي تستمر في الحياة، إلا أنها لم تيأس، وعقب انتهاء أزمة كورونا قررت التفكير في تأسيس مشروع جديد عام 2023.

وتعرفت ناهد السيد على هايدي رضوان، وكان لديها مشروع خاص وأطلقت عليه اسم “باب الدنيا” وكان يشبه إلى حد كبير مشروعها في بعض التفاصيل، وتعرضت إلى أزمة كبيرة، وتهاوى المشروع، فقررتا العمل سويا على مشروع مشترك يجمعهما.

وأوضحت لـ”العرب” أنها التقت وهايدي عدة مرات قبل تأسيس الفرقة، وتشابهتا في بعض التفاصيل والضغوط في حياتهن، مع اختلافات طفيفة، ورغم أن لكل منهما قصة ومعاناة، لكن الشغف والرغبة في التحرر من الألم جمع بينهما.

وقالت هايدي رضوان إنها لم تكن متحمسة لمشروع مع شخص آخر في البداية، وكانت تود أن تكون لها رؤيتها الخاصة في إدارة مشروع بمفردها، لكن تجربة ناهد مع مرض “الذئبة الحمراء” لمس مشاعرها بقوة، لأن شقيقة هايدي الصغرى توفت قبل أعوام بنفس المرض، فوجدت في ناهد شيئا من شقيقتها يذكرها بها، وتعاطفت معها، وتحمّست لفكرة أن يجمعها بها شيء واحد.

وكشفت ناهد لـ”العرب” أنها في هذا الوقت أعجبتها تجربة فرقة “رياحين” التونسية، وهي فرقة نسائية معروفة، حققت انتشارا كبيرا في الدول العربية، ومن هنا خطرت على بالها فكرة تأسيس فرقة “الصحبجية”، واقترحتها على هايدي.

وفكرت هايدي وناهد في اسم الفرقة، وفرض اسم “الصحبجية” نفسه عليهما، وجاء مقتبسا من فكرة “الصُحبة” أو “الأصحاب” وتميز المشروع بخصوصية عن باقي الفرق والمبادرات التي تشبه الخط الذي رسم لفرقتهما، وهو الغناء الجماعي والتفاعلي مع الجمهور، واقترحتا أن يكون عبارة عن  كورال نسائي لمن هن فوق سن الأربعين، يغنين معا، ويجمعن شتات السيدات اللاتي يعانين من أمراض نفسية وعضوية.

◄ فرقة "الصحبجية" خرجت مؤخرا من مرحلة تقديم فنها في قاعات مغلقة من النساء وإلى النساء فقط، إلى عالم أرحب

أقامت الصديقتان أول حفل غنائي للفرقة بأحد النوادي الرياضية في نوفمبر عام  2024، في قاعة للنساء فقط، وساعدتهما في الدعاية مديرة النادي التي آمنت بالفكرة.

أشارت ناهد إلى أنها وصديقتها أنفقتا من مالهن الخاص على الحفل، وقامتا باستئجار قاعة، ودفعتا تكاليف الدعاية، وهدفهما إسعاد نفسيهما والآخريات.

وأكدت هايدي رضوان لـ”العرب” أن الحفل الأول نجح نجاحا غير متوقع، رغم أنه كان بسيطا ولم يتعد الغناء مع “ساوند سيستم” و”كاريوكي” (أنواع من الموسيقى)، وأمسكت بالميكروفون وغنّت، وجعلت الجميع يردد معها أغاني تراثية مصرية.

وعلى مدار عامين أقامتا عدة حفلات، وتوسعت فرقة “الصحبجية”، وتضم الآن 15 عضوا، منهن طبيبات وكاتبة وموظفة في بنك، وتتفاوت أعمارهن بين الخمسين والستين، وأكبر الأعضاء سنا هي “ماما ثناء” كما يحبون مناداتها، وعمرها 75 عاما، وتحضر بروفات وعروض الفرقة بانتظام، وتعيش في محافظة بعيدة، وتعاني من مشقة استخدام المواصلات العامة، وبدأ حبها في هذا العمر للفرقة.

كشفت ناهد السيد أن الرغبة في التطوير ساعد الفرقة على القيام بعملها بشكل احترافي، واستعانت بالمايسترو وائل صبحي ليكون مسؤولا عن تدريب الأعضاء، ويوجه الفرقة فنيا، وانضم إليهن عازفا إيقاع (طبلة ورق)، وعازف “أورج”.

وتقوم الفرقة بشراء الأزياء المناسبة، وتساهم الأعضاء بمبلغ مالي كل شهر لدفع الرواتب للعازفين ورسوم الأماكن التي يقيمون فيها الاحتفالات، وحتى الآن لم تحقق الفرقة ربحا ماليا، ولدى الأعضاء إصرار كبير على الاستمرار.

◄ الصديقتان أقامتا أول حفل غنائي للفرقة بأحد النوادي الرياضية في نوفمبر عام  2024، في قاعة للنساء فقط، وساعدتهما في الدعاية مديرة النادي التي آمنت بالفكرة

وتعلن الفرقة من وقت إلى آخر عن الحاجة إلى أعضاء جديدات، شريطة المشاركة في الإنفاق على الفرقة، والحرص على انضمام سيدات من نفس الخلفية الاجتماعية والثقافية، حفاظا على التجانس، وأصبحت الأعضاء قريبات من بعضهن كثيرا.

واحدة من هؤلاء الأعضاء السعيدة والمتحمسة لانضامها إلى الفرقة منذ نشأتها هي استشاري الأمراض الجلدية والتجميل علا جلال الدين، وكان لافتا لـ”العرب” في الحفل الأخير أنها تمسك بيدها “صاجات” بمهارة عالية، أثارت إعجاب الجمهور.

وقالت لـ”العرب” في إحدى المناسبات “أمسكت بـ’الصاجات’ عن طرييق الصدفة، ووجدت نفسي أعزف عليها بشكل جيد، وأحببتها للغاية، منذ صغري أحب الآلات الإيقاعية، مثل الطبلة، وظل حلم العزف عليها كامنا في دواخلي سنوات طويلة، ورغم امتهاني الطب، وتقدمي في عمري، قررت دراسة العزف عليها وكان ذلك في ‘ساقية مصر’ التي تديرها ناهد السيد، من هنا تعرفت عليها، وأصبحت عضوا في فرقة ‘الصحبجية’، ورحبت بالفكرة بحماس شديد، ولم أتخلف عن حفلة واحدة”.

أكدت علا جلال لـ”العرب” أن زوجها الطبيب شجعها على التجربة ومنحها مساحتها الخاصة، ولم يعترض على حضورها البروفات والعروض، وأغلقت عيادة من عيادتين كانت تديرهما كي تتفرغ للفرقة التي خلصتها من ضغوط نفسية كثيرة مرت بها بسبب انشغالها في عملها كطبيبة.

ولفتت إلى أنها واجهت تحديا مع عائلتها في البداية، فلم تستطع إخبار والديها أنها تغني في فرقة موسيقية، وحينما عانى والدها من اكتئاب بسبب مرضه، صارحته بما حدث معها وأنها مطربة وشاهد فيديوهات للفرقة، فتفاجأت بسعادته وترحيبه بالأمر.

وتابعت “العزف على الطبلة والدرامز جعلني أحفظ القرآن الكريم وأدرس علم التجويد، لأنني كنت أرغب في عمل توازن بين الموهبة التي أحبها والقرب من الله”.

في الحفل الأخيرة لفرقة “الصحبجية” الذي أقيم في السابع عشر من يوليو الجاري في “قبة الغوري” بوسط القاهرة، وبحضور “العرب”، غنت هايدي رضوان مرة بمفردها، وأخرى بصحبة ابنتها الشابة سلمى الموهوبة في الغناء أيضا، وخلفها كورال من أعضاء الفرقة، وأبدعت بصوتها العذب وإحساسها الناعم، وانسجم الجمهور معها وتفاعل مؤديا معها الأغاني، ومصفقا لها بحرارة.

وسألتها “العرب” عن رحلتها مع موهبتها الغنائية وكيف طورتها، وكانت المفاجأة حينما قالت إنها تغني منذ طفولتها على سبيل التسلية في مناسبات العائلة الاجتماعية، ولم يخطر على بالها ثقل الموهبة، ولم تكن تعتقد يوما أنها ستقف على خشبة المسرح وتغني عندما تكون في عمر الخمسين، ويسمعها جمهور غفير.

وأشارت ناهد في حديثها لـ”العرب” إلى أن الفرقة هي الشبكة التي تصطاد كل السيدات المحتاجات إلى الدعم النفسي، من الأعضاء والجمهور، وكثيرات يعانين من أمراض مزمنة، منهن من تخلصن منها بعد اشتراكهن في الفرقة.

وتحلم ناهد وهايدي بأن تتوسع حفلات فرقة “الصحبجية” ويقدمن عروضا خارج مصر، لإدخال السعادة على قلوب سيدات يحتجن إلى الدعم النفسي والمعنوي.