وجوه تعانق الأمل: صرخة لونية لسناء هيشري في زمن الاضطراب
في زمن تتعالى فيه ضوضاء الاضطراب وتضيق فيه فسحات اليقين، تختار الفنانة التشكيلية سناء هيشري أن تُحاور العالم بلغة أخرى، هي لغة الألوان. تفتح الفنانة لوحاتها نوافذ على أرواح متعبة، وتقدم وجوها لا تهرب من الألم، بل تعانقه بالأمل من بين ضربات الفرشاة وانسياب الألوان، تطلق سناء صرختها الفنية: ليست صرخة خوف، بل نداء حياة، وشهادة على قدرة الفن على تخطي الانكسارات.
في خضم عالم يعج بالصراعات والفساد، تتجلى أعمال الفنّانة التشكيلة سناء هيشري كصرخة لونية تلامس شغاف الروح، محاولة أن تبث رسالة أمل وجمال من خلال وجوه نسائية رسمتها بتقنيات فريدة وخامات غنية. كل ضربة فرشاة، كل طبقة لون، وكل نسيج، هي دعوة إلى التأمل في عمق الوجود البشري، وفي التناقضات التي تشكل عالمنا.
◄ سحرتني الوجوه الإنسانية، فهي مرايا تعكس قصصا لا حصر لها، وعواطف متضاربة، وأحلاما تتراقص في خبايا الروح
تقول سناء “لطالما سحرتني الوجوه الإنسانية، فهي مرايا تعكس قصصًا لا حصر لها، وعواطف متضاربة، وأحلامًا تتراقص في خبايا الروح. في لوحاتي، أتعمق في تفاصيل هذه الوجوه، لا لأعيد رسم ملامحها الخارجية فحسب، بل لأغوص في أعماق شخصياتها، لأستكشف دواخلها، وآمالها، وأحزانها الخفية. هذه الوجوه ليست مجرد صور، بل هي تجسيدٌ لأرواحٍ تتأثر بالواقع المحيط بها، وتتفاعل مع تقلباته”.
في عالمٍ يتزايد فيه العنف والفساد، حيث تشتعل الحروب وتعم الفوضى أرجاء الأرض، تجد الفنانة نفسها مدفوعةً إلى التعبير عن هذا الألم، ولكن ليس بطريقةٍ تبعث على اليأس، بل بطريقةٍ تبعث على التفكير، وتدعو إلى التغيير. حسب رأيها، لوحاتها ليست صرخاتٍ يائسة، بل هي همساتٌ تدعو إلى التمسك بالجمال، وإلى البحث عن النور حتى في أحلك الظروف. إنها محاولةٌ لتقديم رؤية فنية تحتفي بالصمود الإنساني، وبالقدرة على التجدد والنهوض.
من الناحية التقنية، فإن أعمالها الفنية الجديدة هي رحلة استكشافية بحد ذاتها. لقد استخدمت العديد والعديد من الخامات، من الألوان الزيتية والأكريليك، إلى المنسوجات المختلفة، والمعادن، وحتى المواد المعاد تدويرها. هذا التنوع في الخامات ليس مجرد خيار جمالي، بل هو انعكاسٌ لفكرة التنوع البشري، ولتعقيد نسيج الحياة. كل مادةٍ تضفي على اللوحة بعدا جديدا، وتكسبها قواما فريدا، وتجعلها تجربةً حسيةً متعددة الأبعاد. أما عن الألوان، فقد أطلقتْ العنان لجنونها اللوني واستخدمتْ الكثير والكثير من الألوان، ليس فقط لتعبّر عن المشاعر المختلفة، بل لِتُضفي على اللوحة سُمكًا لا مثيل له. إن الرسم بهذه الكثافة اللونية، حيث تتداخل الطبقات وتتفاعل بحرية، ليس من الطرق السهلة في عالم الفن. وحده الفنان الأصيل والمحترف يمتلك القدرة على التحكّم في هذا النوع من التقنيات العالية، ليُخرج من هذا الخليط البصري الفريد والحيوي أعمالا فنية تحمل بصمته الخاصة.
◄ أعمال الفنانة التشكيلية صرخة لونية ومحاولة لتقديم رؤية فنية تحتفي بالصمود الإنساني، وبالقدرة على التجدد والنهوض
تقول هيشري “لقد كنتُ أرمي بالألوان على اللوحة، أدفعها إلى الاندماج والتفاعل، لأتحصل على مشهدٍ من خليطٍ فريدٍ ومميز. هذه الكثافة اللونية، وهذا التداخل الفوضوي الظاهري، هو في الحقيقة انعكاسٌ للفوضى التي نعيشها، ولكنها فوضى تحمل في طياتها نظامًا كامنًا، وجمالًا خفيًا، تمامًا كالحياة نفسها. وما يميز أعمالي بشكل خاص، هو تعمدي رسم تلك الشقوق والخطوط المتقطعة، والتفريق بين بقع الألوان، لتكون بمثابة جسر بصري يربط ما بداخل اللوحة بالعالم الخارجي وما يشهده من أحداث واضطرابات”.
وتعتبر أن “هذه الشقوق ليست مجرد تفاصيل جمالية، بل هي رموزٌ للجروح التي تصيب عالمنا، وللتصدعات في النسيج الاجتماعي. إنها تعكس الألم والانقسام الذي نعيشه، ولكنها في الوقت ذاته، تفتح مساحاتٍ للأمل، وتدعو إلى ترميم ما تهدم، وإلى إعادة اللحمة بين البشر. هذه الفوارق في الألوان، التي تبدو كأنها تتبعثر ثم تتجمع، تجسد فكرة أن الجمال يمكن أن ينبع حتى من الفوضى، وأن التغيير الإيجابي ممكن رغم كل التحديات التي يواجهها عالمنا اليوم”.
هي رسالة واضحة من الفنانة سناء هيشري إلى العالم من خلال هذه الأعمال وهي دعوةٌ إلى التأمل، وإلى التواصل الإنساني. هي دعوةٌ لنتجاوز السطح، ولننظر إلى ما هو أعمق، إلى الروح التي تسكن كل إنسان. ففي خضم الدمار واليأس، يبقى الفن منارةً تهدينا إلى طريق الجمال والأمل، وتذكرنا بأن الإنسانية، بكل تناقضاتها، ما زالت قادرةً على الخلق والإبداع، وعلى التطلع إلى غد أفضل. وتشدد الفنانة على أن “هذه الوجوه، بكل ما تحمله من ألوان وخطوط ونسيج، هي بصيص نور أرجو أن يضيء الدروب المظلمة، وأن يذكرنا بجمال الروح البشرية وقوتها”.
وتجدر الإشارة إلى أن الفنانة سناء هيشري بلجيكية من أصل تونسي قد اعتادت على عرض أعمالها في الإمارات العربية المتحدة، واليوم، وبعد نشر هذه الأعمال الجديدة، نترقب بشغف البلد الذي سيحظى بشرف احتضان هذه اللوحات الفريدة لسنة 2025 – 2026، لتستمر مسيرة الفن في نشر الجمال والأمل عبر الحدود.