المصالح الأميركية الجديدة في سوريا قد تكون على حساب الأكراد

وكالة أنباء حضرموت

تشهد سوريا تحولات جذرية في موازين القوى والتوازنات السياسية، حيث يبدو أن مصالح الولايات المتحدة تتجه نحو إعادة ترتيب أولوياتها في المنطقة، وهو ما قد يأتي على حساب الأكراد السوريين الذين كانوا لسنوات حلفاء أساسيين في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

وفي مارس 2025، وقّعت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا اتفاقا مع النظام السوري الجديد برئاسة أحمد الشرع، يقضي بدمج مقاتلي قسد في الجيش الوطني وإعطاء الحكومة المركزية السيطرة على حقول النفط والمطارات، بالإضافة إلى منح الجنسية السورية للأكراد وحقوق محلية في التعليم والشرطة والمجالس المحلية. لكن هذا الاتفاق، الذي بدا في ظاهره محاولة لتأمين حقوق الأكراد ضمن الدولة السورية، يكتنفه الكثير من الغموض ويثير مخاوف حقيقية بشأن مدى التزام الأطراف بتنفيذه.

تصريحات المسؤولين الأميركيين رسالة ضمنية بأن دعم الأكراد لم يعد أولوية مطلقة، بل جزء من حسابات أوسع

وتعكس هذه الخطوة بوضوح التحول في الدور الأميركي في سوريا. فبعد أن كانت الولايات المتحدة الراعي الأساسي والداعم الأكبر لقوات سوريا الديمقراطية على مدار العقد الماضي، تشهد المرحلة الحالية تقليصا كبيرا في التواجد العسكري الأميركي في شمال شرق سوريا، مع إغلاق قواعد وتقليص عدد الجنود، وهو ما يُضعف قدرة قسد على مواجهة التهديدات المتجددة، سواء من تركيا أو من التنظيمات الإرهابية.

وباتت اليوم الولايات المتحدة التي كانت تستثمر في بناء قوة كردية وعربية في شمال سوريا لمحاربة داعش، تفضل تقوية علاقاتها مع النظام السوري الجديد، ربما بهدف دفع دمشق نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ضمن إطار أوسع لإستراتيجيات الشرق الأوسط التي تركز على استقرار النظام السوري وتعزيز تحالفات إقليمية جديدة.

ويرى مراقبون أن هذا التوجه يعني أن الأولوية الأميركية لم تعد حماية الأكراد أو دعم حكمهم الذاتي، بل تحقيق أهداف إستراتيجية كبرى.

وتستفيد تركيا، الحليف الإقليمي الذي لطالما اعتبر وحدات حماية الشعب امتدادا لحزب العمال الكردستاني، من هذا التحول الأميركي، حيث أعاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضبط سياساته تجاه الأكراد السوريين، مستغلا إعلان عبدالله أوجلان حل تنظيمه لتهدئة الأوضاع وتخفيف التوترات مع وحدات حماية الشعب.

ويبدو أردوغان حريصا على عدم خوض حرب واسعة في شمال شرق سوريا، مع الأخذ في الاعتبار المصالح الأميركية – التركية المشتركة، وحرصه على دعم تعديل دستوري داخلي يسمح له بالبقاء في السلطة لفترة أخرى.

ووجد مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية، نفسه مضطرا إلى قبول اتفاق مارس 2025 الذي أنهى حكم الإدارة الذاتية كما عرفها، في ظل تقلص الدعم الدولي والضغط التركي المتصاعد، محاولا تأمين حقوق الأكراد في ظل الظروف الصعبة. لكنه يظل حذرا، إذ أن قواته لم تتخل بعد عن هيكلها العسكري وأسلحتها، ولا يزال الغموض يحيط بمصير الاتفاق.

خارطة طريق جديدة ترسمها الإدارة الأميركية

وتتحدث تصريحات المسؤولين الأميركيين عن ضرورة “توقعات معقولة” من جميع الأطراف، وتؤكد على أهمية دمج قوات سوريا الديمقراطية في الحكومة السورية الجديدة، مما يرسل رسالة ضمنية بأن دعم الأكراد لم يعد أولوية مطلقة، بل جزء من حسابات أوسع.

ويواجه اليوم الأكراد السوريون، الذين تكبدوا خلال الحرب ضد داعش خسائر فادحة، واقعا جديدا قد يضع تجربتهم في الحكم الذاتي تحت ضغط كبير، مع تراجع الدعم الدولي لصالح تعزيز العلاقات مع النظام السوري وتثبيت نفوذ إقليمي جديد.

وهذا يعيد إلى الأذهان مرات عدة كيف أن القوى الكبرى في الشرق الأوسط يمكن أن تضحي بمصالح الحلفاء المحليين لصالح حسابات إستراتيجية أكبر.

ويتساءل مراقبون: هل سيستطيع الأكراد السوريون الحفاظ على مكتسباتهم وحقوقهم في ظل هذه التحولات، أم أنهم سيصبحون ضحية لتغيرات السياسة الأميركية في المنطقة؟

ويضيف هؤلاء المراقبون أن المستقبل لا يزال مفتوحا، لكنه مليء بالتحديات والمخاطر التي تتطلب حذرا وتخطيطا دقيقا من قادة الأكراد.

وخلال العقد الماضي، تكبد الأكراد السوريون خسائر بشرية ومادية جسيمة في الحرب ضد داعش، حيث كانوا القوة الأكثر فاعلية في استعادة مناطق واسعة وحماية المدنيين. لكن هذه التضحيات لم تترجم إلى ضمانات دولية مستدامة لمستقبلهم السياسي، حيث يرى كثيرون أنهم أصبحوا ضحية لتحولات السياسة الأميركية التي أعادت ترتيب أولوياتها بعيدا عن دعم حكمهم الذاتي.