قانون العمل الجديد في تونس يضع الاتحاد في مأزق أمام قواعده
شكل صدور قانون جديد لتنظيم عقود العمل ومنع المناولة بالجريدة الرسمية ضربة قوية للاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يمر حاليا بأسوأ مراحله في ظل خلافاته وانقساماته الداخلية، وهي خطوة لم تُقوض سعيه لإيجاد دور فعال له في المشهد السياسي فحسب، بل وضعته في موقف حرج أمام قواعده وممثليه، بينما تُعزز بشكل لافت توجهات الرئيس قيس سعيّد ورؤيته لإصلاح سوق العمل.
وأدان الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر منظمة عمالية في البلاد، السبت ما اعتبره "رفض السلطة للحوار الاجتماعي وتعطيل المفاوضات الاجتماعية" و"إقصاء الاتحاد" من إبداء رأيه في تعديل قانون العمل، وذلك في بيان صدر بعد اجتماع هيئته الإدارية في الحمامات بمدينة الحمامات (شرق).
وعبرت "الهيئة الإدارية الوطنية للاتحاد في بيان عن إدانتها لـ"رفض السلطة للحوار الاجتماعي وتعطيلها للمفاوضة الجماعية وآخرها المرور بقوة في تنقيح (تعديل) بنود من مجلة الشغل (قانون العمل)".
كما أدان الاتحاد "إقصاء السلطة للاتحاد من إبداء رأيه الوجوبي في شأن يهم العمال وممثليهم الشرعيين المنتخبين"، داعيا "الهياكل النقابية إلى التهيؤ لمجابهة كل التداعيات المنجرة عن هذا التعديل"، دون تفاصيل أخرى.
وطالب الاتحاد بـ"وجوب تكريس الحوار الاجتماعي وفتح مفاوضات عاجلة في الوظيفة العمومية والقطاع العام تنطلق من تطبيق الاتفاقيات المبرمة وإنهاء التفاوض في الأنظمة الأساسية العامة والخاصة ومراجعة الأجور".
كما دعا "الهياكل النقابية وكافة الشغالين قطاعيا وجهويا ومحليا إلى الاستعداد للدفاع عن مطالبهم المشروعة بجميع الوسائل النضالية المشروعة ومتابعة تنفيذ مقررات المجلس الوطني للاتحاد بخصوص روزنامة التجمعات وندوات الإطارات وكافة أشكال التعبئة".
وفي وقت سابق السبت، صدر قانون "تنظيم عقود الشغل ومنع المناولة" بالجريدة الرسمية، وذلك بعد مصادقة البرلمان عليه، الأربعاء، بأغلبية 121 صوتا، وتحفظ 4 نواب ودون أي رفض (125 نائبا شاركوا في التصويت من أصل 161).
يُشكل هذا القانون خطوة محورية في رؤية الرئيس قيس سعيّد لإصلاح سوق العمل، حيث صرح الخميس بأن "هذا النص التشريعي يمثل خطوة أولى في اتجاه حلول جذرية لبقية القطاعات"
وينص القانون الجديد على القطع مع كل أشكال المناولة (التشغيل الهش)، وهي آلية تعاقدية ثلاثية الأطراف تتسبب في حرمان العمال من حقوقهم الأساسية كالأجور العادلة والضمان الاجتماعي والصحي.
ويحظر التعديل تشغيل العمال عن طريق أطراف ثالثة في المهام الأساسية والدائمة داخل المؤسسات، سواء كانت حكومية أو خاصة، ويُسمح فقط ببعض التدخلات الفنية أو الظرفية.
ويمنع القانون كل العقود التي تكون بمدة محددة إلا في حالات استثنائية، وبموجب القانون يصبح وجوبا على أصحاب العمل انتداب عمال وفق عقود غير محددة المدة.
وتقدمت الحكومة بمشروع تعديل قانون مجلة الشغل للبرلمان، وكان الرئيس سعيّد، دعا في مناسبات سابقة إلى تعديل قانون الشغل القديم.
ويجرم النص القانوني كل مرتكب لمخالفة إبرام عقود المناولة، وينص على عقوبات مالية تصل إلى 10 آلاف دينار (3280 دولارًا) وكذلك عقوبات بالسجن. وبموجب الأحكام الجديدة، يُعتبر جميع العمّال الذين كانوا يشتغلون في إطار عقود الباطن مرسمين مباشرة في المؤسسة المستفيدة من خدماتهم، اعتبارًا من تاريخ دخول القانون حيز التنفيذ.
ويُعد هذا القانون أحد المشاريع السياسية الكبرى للرئيس قيس سعيّد، الذي حدد توجهاً إصلاحيا للبلاد منذ صيف عام 2021 بهدف "وضع حد نهائي" للمناولة في القطاعين العام والخاص وحفظ حقوق العمال، لكنه محل انتقادات من قبل أوساط الخبراء في تونس.
وفي يوم العمال العالمي، اتهم الاتحاد العام التونسي للشغل، على لسان أمينه العام نورالدين الطبوبي، سلطات بلاده بانتهاج سياسة "التفرد بالرأي"، مطالبًا بفتح المفاوضات الاجتماعية.
وقبلها بأيام، أصدر الاتحاد بيانا أدان فيه ما اعتبره "سياسة إقصاء متعمدة تنتهجها الحكومة وكل الأجهزة التي ناقشت مشروع تنقيح مجلة الشغل"، معبرا عن "رفضه عن كل ما يترتب عنها".
وهذه التصريحات تُبرز عمق الخلاف بين الاتحاد والرئاسة، وتُشير إلى أن الاتحاد يسعى للحفاظ على دوره التقليدي كقوة سياسية واجتماعية فاعلة، بينما تُقيده الرئاسة في حدود الدور النقابي.
ويعتبر الرئيس قيس سعيّد أن للاتحاد دوراً نقابياً بحتاً، وقد أوضح موقفه هذا في يناير 2023 قائلاً "الحق النقابي مضمون بالدستور، ولكن لا يمكن أن يتحول إلى غطاء لمآرب سياسية".
هذه التصريحات تُحدد بوضوح رؤية الرئاسة للعلاقة مع المنظمات النقابية، وتُقيد دورها في إطار المطالب العمالية البحتة، بعيدا عن أي تدخل في الشأن السياسي العام، وهو ما يتعارض مع تطلعات الاتحاد للعب الدور الذي كان يتمتع به سابقا من مشاركة في صنع القرار السياسي والتدخل للعب دور الوساطة في الأزمات والتفاوض مع السلطة بصبغة سياسية.