مساعدات غزة عالقة بين تعقيدات لوجستية وشركة غامضة

وكالة أنباء حضرموت

تواجه جهود توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة تحديات كبيرة، مع تأجيل خطة أميركية لتوزيع الغذاء بسبب عقبات لوجستية وغموض يلف الجهة المسؤولة عن هذه العملية، في وقت تبرز اتهامات لجهات إسرائيلية بتهميش المؤسسة الأمنية واختيار شركة غامضة لتولي مهام الإغاثة، في سياق يثير تساؤلات حول الأهداف الحقيقية وراء هذه الترتيبات في ظل الحاجة الملحة لأكثر من 500 شاحنة مساعدات يوميا.

وتكشف هذه التطورات المعقدة في ملف المساعدات عن عمق الأزمة في غزة، حيث تتشابك الحاجة الإنسانية الملحة مع المصالح السياسية والأمنية المعقدة، تاركة مصير ملايين الفلسطينيين معلقا بين صفقات غامضة ورفض دولي.

وأفادت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أن قطاع غزة يحتاج ما بين 500 إلى 600 شاحنة مساعدات يومياً لمنع تفاقم الكارثة الحالية من التصاعد أكثر، مؤكدة أن "شعب غزة لا يستطيع الانتظار أكثر من ذلك".

وفي ظل هذا الوضع المتأزم، تأجلت خطة أميركية لتوزيع الغذاء في القطاع، التي كانت مقررة الأسبوع الماضي، بسبب تعقيدات لوجستية تعرقل افتتاح المراكز الإنسانية المخصصة لهذا الغرض.

وكانت إسرائيل قد أبدت استعدادها للسماح لمنظمات الإغاثة بالبقاء مسؤولة عن المساعدات غير الغذائية، بينما تُسند مسؤولية توزيع الأغذية لمجموعة تم إنشاؤها مؤخرا بدعم أميركي، في تراجع عن خططها السابقة لإحكام السيطرة على جميع المساعدات.

وتأتي هذه الخطوة وسط اتهامات إسرائيل لحركة حماس بتحويل المساعدات لصالحها، وهو ما تنفيه الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة بشدة. وقد أعربت الأمم المتحدة عن رفضها لخطة إسرائيل، معتبرة أنها تسمح لإسرائيل باستخدام الغذاء كسلاح وتُعد انتهاكاً للمبادئ الإنسانية.

ومنعت إسرائيل دخول المواد الغذائية والوقود والأدوية وجميع الإمدادات الأخرى إلى غزة على مدار ثلاثة أشهر تقريبا، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية التي يعاني منها 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة.

وكشفت صحيفة "هآرتس" العبرية، أن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اختار الجهة التي ستتولى توزيع المساعدات في قطاع غزة "من وراء ظهر المؤسسة الأمنية".

وقالت الصحيفة، في مستهل تحقيق خاص لها نشرته الأحد "من دون مناقصة أو إجراء قانوني سليم، قام طاقم برئاسة السكرتير العسكري لنتنياهو بتجنيد شركة غامضة وعديمة الخبرة لتنسيق العمليات الإنسانية في قطاع غزة".

وتروج إسرائيل والولايات المتحدة في الآونة الأخيرة لمخطط من أجل توزيع المساعدات بنقاط محددة جنوب غزة، من خلال منظمة غير ربحية سُجلت حديثا في سويسرا تحت اسم "مؤسسة غزة الإنسانية"، والتي تشير تقارير إعلامية عبرية إلى أن مؤسسها هو المبعوث الرئاسي الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف.

فيما أقرت إذاعة الجيش الإسرائيلي بأن هذا المخطط بهدف إلى تسريع إخلاء الفلسطينيين من مناطق شمال القطاع إلى جنوبه، تمهيدا لتهجيرهم وفق خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي يصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنها باتت ضمن أهداف الحرب.

وأضافت "هآرتس" أنه "رغم أن الشركة قدّمت نفسها على أنها أميركية، إلا أن خلفها تقف أيضا جهات إسرائيلية، وتبيّن أن هناك الكثير من علامات الاستفهام حولها".

وأوضحت أن "الشركة، التي تدير العملية وتسمى اختصارا بـ SRS، مجهولة تماما في أوساط من يعملون منذ سنوات في هذا المجال الإغاثي؛ ولا تملك أي خبرة في توزيع المساعدات الإنسانية".

وقالت إن "العديد من المسؤولين في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، سواء الحاليين أو السابقين، فوجئوا من اختيار هذه الشركة المجهولة".

ولفتت إلى أنه "تم اختيار شركة SRS في إجراء سري، من دون مناقصة أو إعفاء رسمي من مناقصة، وفعليًا من دون المرور عبر القنوات المعتمدة، مثل منسق أعمال الحكومة في المناطق الفلسطينية، وهو الجهة المسؤولة حتى الآن عن إدخال المساعدات".

وأشارت الصحيفة إلى أنه "تم تهميش الجيش الإسرائيلي ووزارة الدفاع بالكامل في عملية اختيار الشركة، التي قادها اللواء رومان غوفمان، السكرتير العسكري لنتنياهو".

ولفتت أن رجال أعمال إسرائيليين تم تجنيدهم في قوات الاحتياط إلى جانب ضباط احتياط أصبحوا يشكلون "فريق غوفمان" الذي شجع على اختيار الشركة المجهولة.

ونقلت الصحيفة عن مصادر أمنية (لم تسمّها) قولها إن الفريق المذكور أدار الاتصالات مع الشركة، خلال لقاءات عُقدت في إسرائيل وخارجها، و"وافق حتى على تحويل ملايين الشواكل لها من وراء ظهر كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية".

وصرح مسؤولون مطّلعون على القضية للصحيفة أن تلك الاتصالات "أثارت شبهات بسلوك غير سليم، وطرحت تساؤلات حول المصالح الشخصية لبعض الأطراف المشاركة".

ووفقا لعدد كبير من المصادر، فقد ورد اسم آخر في مسار اختيار الشركة شلومي فوغل، وهو رجل أعمال مقرب من بنيامين نتنياهو، لكنه أنكر في تصريح للصحيفة أي علاقة له بالموضوع.

وتعرف شركة SRS نفسها كشركة أميركية، لكن الأشخاص الذين يقفون وراءها، ومنهم شخص يُدعى فيل رايلي، وهو مسؤول سابق في وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، هم أيضا وراء شركة أخرى تُدعى "أوربيس" (Orbis) – وهي شركة تمتلك خبرة سابقة في العمل داخل غزة، وفق المصدر ذاته.

وتم التعاقد مع موظفي "أوربيس" لتأمين محور نتساريم خلال وقف إطلاق النار، باستخدام "مرتزقة" قامت الشركة بتوظيفهم، مقابل 200 مليون دولار لمدة نصف عام، وفق "هآرتس".

لكن "أوربيس" تعمل أيضًا تحت اسم آخر – Solutions-UG، وهو الاسم الذي يظهر على موقعها الالكتروني، وتحته بدأت في تجنيد جنود أميركيين سابقين يمتلكون خبرة ميدانية لا تقل عن 4 سنوات، من أجل مهام أمنية وجهود إنسانية.

المعلومات المعروفة "تشير إلى أن الشركتين مرتبطتان ببعضهما البعض، وترتبطان أيضًا بجمعية مشبوهة وغامضة تم تأسيسها مؤخرًا في سويسرا، وتُدعى مؤسسة غزة الإنسانية (Gaza Humanitarian Foundation)"، وفق المصدر ذاته.

وتابعت "هآرتس" أنه "مع ازدياد علامات الاستفهام، تتعزز لدى العديدين في المنظومة الأمنية قناعة بأن هناك مصالح شخصية وتجارية وراء المشروع".

وكان من المقرر أن تبدأ هذه الشركة اليوم الأحد توزيع المساعدات في قطاع غزة، إلا أن صحيفة "يسرائيل هيوم" الخاصة كشفت، نقلا عن مسؤولين في المستوى السياسي الإسرائيلي (لم تسمّهم) قولهم إن "البدء بتطبيق الآلية الجديدة لتوزيع المساعدات في غزة غدا (الاثنين)".

والاثنين الماضي، نشرت "يديعوت أحرونوت"، لأول مرة، صورا لموظفين تابعين للشركة التي ستتولى توزيع المساعدات وهم يرتدون سترات واقية ومدججين بالسلاح.

ووقتها، ادعت الصحيفة أن الشركة تابعة لصندوق إنساني أسسه حديثا ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب للشرق الأوسط ويحمل اسم Gaza Humanitarian Foundation  (مؤسسة غزة الإنسانية) ويعرف اختصارا بـ "GHF".

ومنذ بدء الحرب بلغ عدد القتلى الفلسطينيين في غزة 53822، غالبيتهم مدنيون، وفقا لأحدث حصيلة أوردتها الجمعة، وزارة الصحة التي تديرها حماس، وبينهم 3673 قتيلا على الأقل منذ استئناف إسرائيل ضرباتها وعملياتها العسكرية في 18 مارس بعد هدنة هشة استمرت لشهرين.