تفكيك برنامج إيران النووي.. هل يؤدي لحرب مفتوحة؟
هل يعني تفكيك برنامج إيران النووي جر المنطقة إلى حرب شاملة؟ سؤال طرحته مجلة «ذا ناشيونال إنترست» الأمريكية، كاشفة عن إمكانية حدوثه
دون اندلاع نزاع عسكري.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد وضع مطلب «التفكيك الكامل» للبرنامج النووي الإيراني، كشرط أساسي لأي اتفاق مستقبلي مع طهران، معتبرًا أن هذا هو السبيل الوحيد لتحقيق حل دائم ومستقر للأزمة النووية التي طال أمدها.
ورغم ما يمثله هذا المطلب من تحدٍ كبير للنظام الإيراني، خاصة في ظل طبيعة النظام الحاكم، إلا أن التجارب السابقة توضح أن «اتباع سياسة الضغط القصوى والمواقف الحازمة لا يؤدي تلقائيًا إلى اندلاع نزاع عسكري أو حرب مفتوحة، بل يمكن أن يكون أداة فعالة لتحقيق أهداف دبلوماسية».
واعتمدت الإدارة الأمريكية على تشديد العقوبات الاقتصادية بشكل مكثف، وفرضت قيودًا صارمة على صادرات النفط الإيراني، وقطعت البنوك الإيرانية عن النظام المالي العالمي، مما أدى إلى تراجع كبير في عائدات إيران النفطية.
ضغوط داخلية
ونتيجة لذلك، تدهور الاقتصاد الإيراني بشكل ملحوظ، وارتفعت معدلات التضخم إلى مستويات قياسية، مما زاد من الضغوط الداخلية على النظام الإيراني، وأضعف من قدرته على الاستمرار في سياساته العدائية.
كما «تزامن هذا التوجه مع تراجع النفوذ الإقليمي لإيران بفعل التطورات السياسية والعسكرية في المنطقة، مثل الحملات العسكرية الإسرائيلية ضد حلفائها في لبنان وغزة، وانهيار نظام الأسد في سوريا، والغارات الجوية الأمريكية على الحوثيين في اليمن، ما قلص من قدرة إيران على التأثير في الصراعات الإقليمية».
ورغم هذه الضغوط الاقتصادية والسياسية، لم تؤدِ السياسات الأمريكية الحازمة إلى اندلاع حرب، كما كان يتوقع بعض المحللين أو المنتقدين.
فعندما قامت الولايات المتحدة باغتيال قائد عسكري إيراني بارز، وهو قاسم سليماني، تصاعدت التوترات لفترة وجيزة، لكنّ الرد الإيراني كان محسوبًا ومدروسًا. فقد أبلغ الحرس الثوري الأمريكيين مسبقًا عبر وسطاء عراقيين بنيته الرد، مما أتاح للقوات الأمريكية باتخاذ الاحتياطات اللازمة وتجنب خسائر كبيرة.
كان الهدف من الرد الإيراني إرسال رسالة واضحة بأن القواعد الأمريكية تقع ضمن مدى صواريخ طهران، دون الذهاب إلى تصعيد شامل قد يؤدي إلى مواجهة مفتوحة أو حرب شاملة.
كما أن التحذيرات المتكررة من أن أي تشدد أمريكي تجاه إيران سيقود حتمًا إلى حرب لم تتحقق في مناسبات أخرى، مثل الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي عام 2018 أو تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية.
ردود محدودة
وفي كل مرة، كانت ردود إيران محدودة ومدروسة، حيث حرصت على عدم تجاوز خطوط حمراء قد تستدعي ردًا عسكريًا أمريكيًا مباشرًا، مما يعكس رغبة طهران في تجنب مواجهة عسكرية واسعة قد تضر بمصالحها.
وحتى في قضايا أخرى، مثل قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، توقع البعض اندلاع موجة عنف عارمة أو انتفاضة واسعة النطاق، لكن النتائج كانت أقل حدة مما رُوّج له.
بل شهدت المنطقة لاحقًا خطوات دبلوماسية غير مسبوقة، مثل اتفاقيات أبراهام التي أدت إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، مما يعكس قدرة السياسة الحازمة على تحقيق نتائج إيجابية دون اللجوء إلى الصراع.
ما يتضح من هذه التجارب هو أن إيران تدرك جيدًا حدود التصعيد، وتفضل غالبًا الردود المدروسة التي تحفظ ماء الوجه دون المخاطرة بمواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة.
كما أن المبالغة في تصوير أي خطوة حازمة تجاه إيران على أنها مقدمة لحرب، غالبًا ما تكون مبنية على مخاوف مبالغ فيها وليست على وقائع حقيقية، مما يؤدي إلى تشويه الواقع وإثارة الذعر غير المبرر.
لذلك، فإن السعي إلى تفكيك البرنامج النووي الإيراني بشكل كامل لا يعني بالضرورة دفع المنطقة إلى الحرب. بل قد يكون هذا النهج، إذا ما اقترن بسياسة ضغط فعالة ومواقف واضحة وحازمة، هو ما يدفع إيران إلى تقديم تنازلات حقيقية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة التي تمر بها.
والتراجع عن هذا الهدف في لحظة امتلاك واشنطن نفوذًا قويًا سيكون إضاعة لفرصة نادرة لتحقيق أمن واستقرار طويل الأمد دون الحاجة إلى مواجهة عسكرية.