اتفاق ترامب والحوثيين.. هزيمة لإيران أم مناورة استراتيجية؟
أثار الاتفاق الذي أبرمته إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع مليشيات الحوثي لوقف إطلاق النار تساؤلاتٍ عن تداعياته الإقليمية، خاصة فيما يتعلق بدور إيران، الداعم التقليدي للجماعة.
وبحسب مجلة «ذا ناشيونال إنترست»، يرى بعض المحللين في هذا الاتفاق خطوة ذكية في إطار استراتيجية أوسع لضرب النفوذ الإيراني عبر إجبار طهران على الانسحاب من اليمن، مما قد يُعيد تشكيل خريطة التحالفات في المنطقة.
خسائر تكتيكية
تشير تحليلاتٌ مثل تلك التي قدمها الكاتبان ألكسندر لانغلويس وبراندون ج. ويشرت في مجلة ذا ناشيونال إنترست إلى أن الخسائر الأمريكية خلال المواجهات مع الحوثيين – مثل إسقاط 7 طائرات مسيّرة من طراز إم كيو-ريبر وتعرض مقاتلة من طراز إف-35 لايتننغ2 لحادث كاد أن يودي بها رغم تقنياتها الشبحية المتطورة من الجيل الخامس، وغيرها تُظهر ضعفًا خللا في القدرة على إدارة حروب الوكالة.
لكن هذا التفسير يتجاهل سياقًا أعمق: فالحرب في اليمن لم تكن يومًا معركةً بين واشنطن والحوثيين فحسب، بل جزءًا من مواجهةٍ طويلة الأمد مع إيران، التي تُعد العدو الإقليمي الأبرز للولايات المتحدة منذ عقود.
إيران: الخاسر الأكبر
هنا تبرز وجهة النظر المضادة، التي تؤكد أن الانسحاب الإيراني من اليمن - كما ذكرت الصحفية إميلي بريسكوت في مقالها بصحيفة كانساس سيتي ستار - يمثل ضربةً لاستراتيجية طهران في توسيع نفوذها عبر وكلائها.
فبعد سنوات من الدعم العسكري والمالي للحوثيين، وجدت إيران نفسها مضطرةً لسحب قواتها ومستشاريها تحت وطأة الضربات الجوية الأمريكية المكثفة، والتي هدفت ليس فقط إلى حماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر، بل أيضًا إلى تقويض القدرة الإيرانية على إدارة أذرعها الإقليمية.
بحسب مصادر مقربة من القيادة الإيرانية، فإن قرار الانسحاب لم يكن نتاج ضغوط عسكرية فحسب، بل أيضًا بسبب التكاليف الباهظة التي فرضتها العقوبات الأمريكية ضمن سياسة "الضغط الأقصى"، التي أعاد ترامب تفعيلها خلال ولايته الثانية.
فمنذ مقتل قاسم سليماني – مهندس استراتيجية التمدد الإيراني في الشرق الأوسط – عام 2020، بدأت طهران تعاني من صعوباتٍ في تمويل شبكة معقدة من الحلفاء، بدءًا من الحوثيين في اليمن ومرورًا بالميليشيات في العراق وسوريا، ووصولًا إلى حزب الله في لبنان.
الأمر الذي يزيد الوضع تعقيدًا هو أن الأسلحة التي زودت بها إيران الحوثيين – رغم فعاليتها في إرباك الخصوم – ليست مجانية.
فالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة تحتاج إلى تمويل وتدريب وصيانة، ناهيك عن تكاليف العمليات السرية لنقلها إلى اليمن عبر طرقٍ ملتوية لتجنب العقوبات.
ومع انسحاب طهران، قد يواجه الحوثيون أزمةً في الموارد، ما لم يجدوا ممولًا بديلاً – وهو سيناريو غير مستبعد في ظل التنافس الإقليمي، لملء الفراغ.
من أزمة الرهائن إلى اغتيال سليماني
ولفهم تعقيدات هذه المواجهة، لا بد من العودة إلى جذور العداء الأمريكي-الإيراني، الذي تجدد مع ثورة الخميني عام 1979، وتصاعد عبر سلسلة من الأحداث الدامية، مثل الهجوم على السفارة الأمريكية في طهران واحتجاز الرهائن لمدة 444 يومًا، والمواجهات البحرية في الخليج خلال الثمانينيات، وصولًا إلى التصعيد الأخير بمقتل سليماني.
خلال هذه العقود، اعتمدت واشنطن على سياسة "العقاب الاستباقي" لردع طهران، بينما اعتمدت الأخيرة على حروب الظل والوكالة لتفادي المواجهة المباشرة.
لكن اغتيال سليماني – الذي يُعتبر الدماغ العسكري للإمبراطورية الإيرانية – كسر القاعدة غير المكتوبة، وأظهر أن الولايات المتحدة مستعدة لتجاوز الخطوط الحمراء. اليوم، مع انسحاب إيران من اليمن، قد تكون طهران تُعيد حسابتها، خوفًا من تكرار سيناريو مميت ضد قيادات أخرى.