المنتمون لداعش من الموصل محور سجال سياسي يسبق انتخابات العراق
عاد الجدل ليخيم على مدينة الموصل المُثقلة بذكريات حكم تنظيم داعش وويلات الحرب، وذلك مع اقتراب الانتخابات البرلمانية العراقية التي تستدعي استحضار الماضي وتأثيره على الحاضر والمستقبل السياسي للمدينة.
ففي تصريحٍ أثار استياء واسعا بين أهالي الموصل وقياداتها المحلية، قلل رئيس هيئة الحشد الشعبي، فالح الفياض، من حجم تورط سكان نينوى مع التنظيم الجهادي، مؤكدا على أن نسبتهم لم تتجاوز 4 بالمئة.
وهذا التصريح، الذي جاء خلال ندوة نظمتها جامعة النور في الموصل تحت عنوان "نينوى بين تحديات الماضي القريب وفرص المستقبل"، قوبل برد فعل غاضب من محافظ نينوى الأسبق، أثيل النجيفي.
اعتبر النجيفي، في تصريح لوكالة "شفق نيوز"، الكردية العراقية أن هذا الكلام يمثل "مناورة انتخابية" متأخرة، مشيرا إلى أن هذا "التصريح كان يجب ان يقال في حينها يوم كان أهالي نينوى يتعرضون للاضطهاد بتهمة الانتماء لداعش او مساعدة داعش، ويوم كان التدقيق الأمني ورقة ضغط ومساومة مسلطة على أهالي نينوى".
وأضاف النجيفي "أما الآن وبعد أن أثبت أهالي نينوى براءتهم من تلك التهم بدمائهم وكرامتهم وأموالهم، فان هذا التصريح لن يغير شيء من الواقع بل هو مجرد محاولة تقرب إلى أهالي الموصل في مرحلة الانتخابات".
وعلى الرغم من الجدل الدائر حول هذه التصريحات، اتفق الطرفان على أن الوضع في نينوى يشهد تحسنًا ملحوظًا ويتجه نحو الاستقرار.
وعلى الرغم من هذا الخلاف العلني، بدا الطرفان متفقين ظاهريا على أن الوضع العام في نينوى يشهد تحسنًا تدريجيًا ويتجه نحو الاستقرار. فقد أكد الفياض أن الموصل تجاوزت مرحلة الهيمنة وتسير نحو التعافي، مشيدًا بحالة التعايش والاستقرار الأمني النسبي في المدينة، وموضحا أنه استنادا إلى ملفات التدقيق الأمني التي كان مسؤولا عنها، فإن الغالبية العظمى من سكان نينوى (96 بالمئة) يتمتعون بمواقف أمنية سليمة.
وأشار رئيس هيئة الحشد، إلى أن "الموصل من أقل المناطق التي تشهد انفلاتاً سياسياً"، لكنه أقرّ بوجود إرباك في المشهد العام قائلاً "ما تزال لدينا حالة من الشخصنة في العمل السياسي ولم تتبلور مشاريع انتخابية واضحة".
إلا أن رئيس هيئة الحشد أقر بوجود بعض الإرباك في المشهد السياسي المحلي، قائلا "ما تزال لدينا حالة من الشخصنة في العمل السياسي ولم تتبلور مشاريع انتخابية واضحة".
ومع ذلك، أبدى الفياض تفاؤله بأداء حكومة محمد شياع السوداني، معتبرًا أن رئيس الوزراء بدأ في تقديم خطوات إيجابية للجمهور الذي أصبح قادرًا على التمييز بين المسؤولين الجادين وغيرهم، ودعا إلى تركيز الجهود على تعزيز الاستقرار في نينوى بدلًا من التنافس على النفوذ والسلطة، وهو ما يُنظر إليه كمحاولة لتهدئة الأجواء السياسية المتوترة قبل الانتخابات.
وتواجه نينوى تحديات جمة في مرحلة ما بعد داعش، بدءًا من إعادة إعمار ما دمرته الحرب، مرورا بجهود تضميد الجراح الاجتماعية وعودة النازحين إلى ديارهم، وصولا إلى استمرار مكافحة فلول التنظيم الإرهابي وخلاياه النائمة.
وفي المقابل، تلوح في الأفق فرص واعدة لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الاستقرار، خاصة مع التحسن النسبي في الوضع الأمني وتزايد الوعي بأهمية التعايش السلمي بين مختلف مكونات المجتمع. ولكن هذه التحديات والفرص ستكون حاضرة بقوة في الخطاب الانتخابي، وستؤثر على اختيارات الناخبين.
ويبقى ملف فترة حكم داعش في الموصل من الملفات الحساسة التي تثير انقساما في وجهات النظر حول المسؤوليات والتداعيات، ويشكل بناء سردية وطنية موحدة ومتصالحة تحديا كبيرا أمام جهود تحقيق مصالحة مجتمعية حقيقية ودائمة.
وفي هذا السياق الحساس، يأتي الجدل الأخير حول نسبة المتورطين مع التنظيم ليؤكد على أهمية التعامل بحذر ومسؤولية مع هذه الملفات التاريخية، خاصة في ظل الاستعدادات الجارية للانتخابات البرلمانية التي ستشكل مستقبل نينوى والعراق ككل.
وشهدت الموصل فترة عصيبة بعد سيطرة تنظيم داعش عليها في عام 2014، والتي استمرت قرابة ثلاث سنوات تميزت بالنزوح الجماعي، وتطبيق قوانين متطرفة، وارتكاب أعمال عنف وانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان.
وقد خلفت معركة تحرير المدينة، التي قادتها القوات العراقية بدعم دولي في الفترة ما بين 2016 و2017، دمارا هائلا في البنية التحتية وخسائر بشرية فادحة.
ولا تزال المدينة تعاني حتى اليوم من التحديات الأمنية المتمثلة في وجود خلايا نائمة لداعش، بالإضافة إلى التحديات الاجتماعية والاقتصادية المتمثلة في ارتفاع معدلات البطالة ونقص الخدمات الأساسية والتوترات المجتمعية.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة لإعادة الإعمار وتحقيق المصالحة المجتمعية، يبقى الطريق طويلاً وشاقا نحو تحقيق الاستقرار والازدهار المستدام في الموصل.