تيك توك.. سلاح الجهاديين الجديد لبث الدعاية والتجنيد في نيجيريا

وكالة أنباء حضرموت

في تطور مقلق يعكس تحولات خطيرة في ديناميكيات الإرهاب، بدأت جماعات جهادية في شمال شرق نيجيريا باستخدام تطبيق تيك توك كمنصة دعاية وتجنيد، في نمط جديد من الخطاب المتطرف يزاوج بين التقنيات الحديثة والراديكالية العنيفة، ويضع تحديات جسيمة أمام السلطات الأمنية.

وتسعى الجماعات الجهادية، من خلال مقاطع فيديو يستعرض فيها المسلحون الأسلحة والقنابل ورزم الأموال، إلى إعادة إنتاج خطابها الأيديولوجي باستخدام أدوات التواصل الأكثر شعبية لدى الشباب، حيث ظهرت شخصيات ذات صبغة دينية تتحدث مباشرة إلى الجمهور، وتروج للعنف وتهاجم الغرب والحكومة النيجيرية، في بث حي يتفاعل فيه المشاهدون ويقدمون “هدايا رقمية” قابلة للتحويل إلى أموال.

ولم تعد منصات مشفّرة مثل تلغرام أو واتساب كافية للجماعات الجهادية، في ظل تزايد القيود الأمنية عليها. فقد أكد صديق محمد، وهو مقاتل سابق في صفوف بوكو حرام، أن هذه الجماعات بدأت تنقل جزءًا من نشاطها إلى تيك توك، نظرا لشعبيته الكبيرة لدى الشباب، وسهولة الوصول إليه، والانفتاح الذي يتيحه للتفاعل الجماهيري.

خاصية البث المباشر تُضعف أدوات المراقبة، وتمنح المتطرفين فرصة الوصول إلى جمهور واسع، دون وسائط

ويقول محمد “أدرك الجهاديون أنهم إذا أرادوا التأثير، فعليهم التحدث بلغة الجيل الجديد،” مشيرًا إلى أن اللغة البصرية والبث المباشر وتلقي التبرعات تمثل أدوات جذب قوية للفئة العمرية بين 16 و30 عاما، وهي الفئة الأكثر عرضة للاستقطاب.

وما يزيد من خطورة هذا الاستخدام هو أن الجهاديين في هذه المقاطع لا يختبئون، بل على العكس يظهر الكثير منهم بملابس دينية تقليدية، مكشوفي الوجوه، في رسالة واضحة مفادها: “لسنا خائفين.”

وهذا ما يؤكده مالك صموئيل، الباحث في مركز الحوكمة الجيدة في أفريقيا، موضحا أن إظهار الهوية يمثل عنصرا من عناصر الحرب النفسية، موجها لكل من يجرؤ على معارضة تلك الجماعات.

وتعيد هذه التكتيكات إلى الأذهان بدايات تمرد بوكو حرام في عام 2009، عندما استخدم أبوبكر الشكوي، زعيم الجماعة آنذاك، التسجيلات المرئية لاستقطاب الأنصار. لكن الفارق اليوم أن البث مباشر، والجمهور أكثر تفاعلا، والرقابة أكثر تعقيدا.

ورغم تأكيد تيك توك على التزامه بمكافحة المحتوى المتطرف، ورغم إغلاق عدد من الحسابات، فإن تقريرا لوكالة فرانس برس أشار إلى أن العديد من الحسابات لا تزال نشطة. وتضم هذه الحسابات مقاطع دعائية وصورا لأسلحة ومقتطفات أرشيفية لقيادات جهادية مثل محمد يوسف وعيسى غارو، مع تعليقات تروّج للعنف.

وقد واجه التطبيق صعوبات في احتواء هذا المد، رغم إعلانه التعاون مع مبادرات دولية مثل “تكنولوجيا مكافحة الإرهاب”، التي أوقفت شراكتها مع تيك توك منذ 2024.

ويؤكد خبراء أن خاصية البث المباشر تُضعف أدوات المراقبة التقليدية، وتمنح المتطرفين فرصة الوصول إلى جمهور واسع، دون وسائط أو مرشّحات.

وبينما تتعرض ولاية بورنو، مركز النزاع الجهادي، لهجمات دامية، كان آخرها في أبريل وأسفرت عن مقتل أكثر من 100 شخص، تجد الحكومة النيجيرية نفسها أمام شكل جديد من التهديد لا يعتمد على الكلاشنيكوف فقط، بل على الكاميرا والذكاء الإعلامي أيضا.

ولم يعد التطرف حبيس الكهوف أو الصحارى، بل خرج إلى المنصات الأكثر تداولًا، يتحدث بلغات العصر، وبوجوه بشرية حقيقية.

ويعكس هذا التحول الخطير حاجة ملحة إلى إعادة التفكير في أدوات مكافحة الإرهاب، إذ بات الصراع مع الجماعات المتطرفة معركة على العقول، لا على المواقع الجغرافية فقط.

وإذا لم تتمكن الحكومات والمنصات من تطوير آليات فعالة لمواجهة هذا النوع من الدعاية، فإن موجة جديدة من التطرف الرقمي قد تكون في طور التشكّل، أكثر تأثيرًا من الرصاص، وأكثر صمتًا من المتفجرات.

وتمثّل أزمة شمال شرق نيجيريا جزءًا من سياق أوسع يشهد تحوّل الحركات المتطرفة نحو الفضاء الرقمي كبيئة بديلة لنشر الأيديولوجيا وتجنيد الأتباع، في وقت تعاني فيه الحكومات الأفريقية من ضعف البنية التحتية التقنية، ونقص الكوادر المختصة بمراقبة ومكافحة التهديدات الإلكترونية.

التطرف لم يعد حبيس الكهوف أو الصحارى بل خرج إلى المنصات الأكثر تداولًا يتحدث بلغات العصر وبوجوه بشرية حقيقية

ويشير محللون إلى أن التنظيمات الجهادية لطالما أظهرت قدرة عالية على التأقلم مع تطورات التكنولوجيا، بدءًا من استخدام الأقراص المدمجة والرسائل النصية في العقد الأول من الألفية، وصولًا إلى استغلال المنصات السحابية والذكاء الاصطناعي حاليًا.

وفي نيجيريا أدى تفشي البطالة والفقر ونقص التعليم في المناطق الشمالية إلى خلق بيئة خصبة لتأثير الرسائل المتطرفة، خصوصًا تلك التي تتلاعب بالعواطف الدينية والهوياتية في مواجهة السلطة المركزية التي يُنظر إليها باعتبارها فاسدة أو مهمّشة لتلك المناطق.

وتؤكد تقارير أمنية أفريقية أن الجماعات المسلحة بدأت تعيد هيكلة خطابها الرقمي لاستهداف فئات اجتماعية جديدة، تتراوح بين طلاب المدارس الدينية غير النظامية والمهاجرين الرقميين من سكان المدن الكبرى، ما يعزز خطر “الدعوة الرقمية” التي لا تعتمد فقط على النصوص الدينية، بل على سطوة الصورة وسرعة الانتشار.

ويُضاف إلى ذلك تحدٍ آخر: ضعف التعاون الإقليمي في غرب أفريقيا في مجال تبادل البيانات الاستخباراتية الإلكترونية، ما يجعل الجماعات الإرهابية قادرة على التحرك العابر للحدود بسهولة أكبر، مستفيدة من الفراغات القانونية بين أنظمة المراقبة الوطنية المختلفة.

وفي الوقت الذي تعمل فيه دول مثل كينيا وغانا على تطوير وحدات متخصصة لمراقبة الفضاء السيبراني المتطرف، لا تزال نيجيريا في طور بناء تلك القدرات، وسط معارك تقليدية مستمرة مع تنظيمات مثل بوكو حرام وداعش ولاية غرب أفريقيا، والتي باتت الآن تستثمر في الحرب النفسية الرقمية إلى جانب التكتيكات العسكرية.