التوتر مع إسرائيل يظهر في خلفيات تحركات القاهرة لتأمين الغاز
حملت تحركات مصرية عدة لتأمين إمدادات الغاز الطبيعي الذي تعتمد عليه محطات الكهرباء للاستهلاك المحلي مع خفض وارداته من إسرائيل في الشهرين المقبلين، دلالات على أن الأزمة الدبلوماسية بين القاهرة وتل أبيب طالت ملف الغاز الذي يحظى بحساسية، لتأثيره على خطوات الحكومة لتخفيف أحمال الكهرباء، فوجود شحّ في احتياجات الوقود ينظر إليه كإحدى أوراق الضغط على مصر.
وتجري مصر مباحثات حاليا مع روسيا لإنشاء محطات للغاز المسال في مصر، بعد أن وقعت القاهرة صفقة غير مسبوقة مع أنقرة تستعين بموجبها مصر بسفينة غاز عملاقة من أسطول تركيا، قادرة على استقبال شحنات الغاز المسال وتخزينه سائلا، ثم تحويله إلى حالته الغازية لاستعماله في شبكات الطاقة المحلية.
وأبرمت القاهرة اتفاقيات طويلة الأجل مع قطر لتأمين احتياجاتها المتزايدة من الغاز، وعقد وزير البترول المصري كريم بدوي مفاوضات في الدوحة لتنفيذ مشروعات مشتركة للغاز الطبيعي، دون تحديد طبيعتها والقيم المالية والاستثمارية المحتملة لها، ما يشكّل تحولا في العلاقات بعد وقف مصر استيراد الغاز القطري منذ عام 2013.
وتنوي إسرائيل خفض واردات الغاز لمصر بين 800 و850 مليون قدم مكعبة يومياً خلال شهري يوليو وأغسطس، مقارنة بنحو مليار قدم مكعبة يوميا حاليا، كما تطالب إسرائيل برفع سعر التوريد بنسبة 25 في المئة ليصل إلى نحو 9.4 دولار لكل مليون وحدة حرارية، ما يزيد تكلفة الطاقة بمصر، رغم انخفاض أسعار الغاز عالميا.
وأخذ القرار الإسرائيلي الذي جاء بعد تزايد مطالب داخلية بعدم التوسع في تصدير الغاز الإسرائيلي في مصر خوفا من عدم توفير الاحتياجات مستقبلا، وترافق اتجاه القاهرة إلى تنويع مصادر الحصول على الوقود مع تعليق تبادل السفراء مع تل أبيب واستمرار الحرب على غزة، ما جعل الجوانب السياسية في خلفية تحركات القاهرة.
وأصبح ملف الغاز من أبرز مجالات التعاون بين مصر وإسرائيل، وشهد حالة من الاستقرار منذ أن بدأت عملية استيراده قبل خمس سنوات، لكن الأمر لم يحظ باستقرار منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، التي قادت في أشهرها الأولى إلى توقف إمدادات الغاز، قبل أن تعود إلى العمل بصورة شبه منتظمة.
ويبدو أن القاهرة وضعت في حسبانها رد الفعل الإسرائيلي على مسألة وقف تبادل الدبلوماسيين، واستمرار حرب غزة التي تؤثر مباشرة على الأمن القومي المصري.
وقال الخبير في شؤون الأمن القومي اللواء محمد عبدالواحد إن كلا من مصر وإسرائيل حافظ على استقرار معاهدة السلام في السنوات الماضية، وفي مارس الماضي كان التوافق الرسمي واضحا حول أهميتها في ذكرى التوقيع عليها، غير أن القاهرة وجدت أن الحكومة الإسرائيلية مصرّة على الزج بها في أمور كثيرة تتعلق بأوضاع الفلسطينيين في غزة ورغبتها في تهجيرهم، وهو ما أزعج القيادة المصرية.
وذكر لـ”العرب” أن الانتقادات من جانب إسرائيل على القدرات العسكرية المصرية وتطويرها قادت إلى المزيد من التوتر بين البلدين مؤخرا، كما أن استقواء حكومة بنيامين نتنياهو بالولايات المتحدة أدى إلى توتر آخر مع التمسك بمقترح الرئيس دونالد ترامب بشأن تفريغ قطاع غزة من سكانه، ويمكن وصف التوتر بأنه متصاعد، لكن لم يصل إلى صدام أو مواجهة، وقد يحدث ذلك في حال كسرت إسرائيل الحدود الحمراء لمصر.
وأشار إلى أن هذه الحدود أو الخطوط، تتمثل في تهجير الفلسطينيين قسريا أو دفعهم باتجاه الحدود المصرية، وهدم الحواجز التي تمنع وصولهم إلى سيناء، وقد اعتادت القاهرة على توظيف ملف الغاز من قبل إسرائيل للضغط عليها، وهي “أداة رخيصة” لا تحظى بقوة كبيرة، إلا أنها تتماشى مع ضغوط أخرى تظهر إشارات لها في وسائل إعلام إسرائيلية لها تعاون وطيد مع جهاز الموساد، وفي ظل استمرار التلويح الأميركي بالتهجير فسّرت الضغوط على أنها جس نبض للموقف المصري.
وذكر أن إسرائيل تعمل بشكل مستمر على لفت نظر الولايات المتحدة لتقارب مصر مع الصين وروسيا، وتعزيز المخاوف من دخول الطيران الصيني العسكري إلى الأجواء المصرية، وهو تحرك ينعكس على التعاون في مجالات مختلفة بين القاهرة وتل أبيب، وفي مقدمتها الملف الاقتصادي، وأصبح التعاون التجاري محاطا بمزيد من المحاذير في مصر مع عدم وجود سفير إسرائيلي بالقاهرة.
إسرائيل تنوي خفض واردات الغاز لمصر بين 800 و850 مليون قدم مكعبة يومياً خلال شهري يوليو وأغسطس، مقارنة بنحو مليار قدم مكعبة يوميا حاليا
وحسب تقارير إعلامية إسرائيلية، رفضت مصر تعيين سفير جديد لها في تل أبيب، وامتنعت عن منح الموافقة الرسمية للسفير الإسرائيلي أوري روتمان المعيّن حديثًا في القاهرة، اعتراضا على التصعيد الجاري في غزة وتواجد قوات الاحتلال في رفح الفلسطينية، وهو ما تعتبره القاهرة عنصرا يهدّد الأمن القومي لمصر.
وقالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” إن دبلوماسيين مصريين يواصلون العمل في السفارة المصرية بتل أبيب من دون سفير، بعد أن تفاقمت الخلافات بين مصر وإسرائيل بشأن غزة، حيث تصر قوات الاحتلال على مواصلة العمليات العسكرية.
وأكد الخبير الاقتصادي علي الإدريسي أن التوتر الدبلوماسي يؤثر على الملف الاقتصادي، سواء أكان ذلك على مستوى إمدادات الغاز الطبيعي أو التبادل التجاري بين البلدين، وهو منخفض أصلا ولا تتجاوز ثلاثة مليارات دولار، مشيرا إلى أن وجود اتفاق بين مصر وإسرائيل على تصدير الغاز وإسالته وتصديره مرة أخرى إلى أوروبا، وأن القاهرة تستفيد من جزء من هذا الغاز.
ولفت في حديثه لـ”العرب” إلى تصاعد المطالبة داخل المجتمع الإسرائيلي بتخفيض التعاون التجاري مع مصر في ملف الغاز، ما يؤثر على حجم الإمدادات في الفترة المقبلة، خاصة أن سلاح الغاز أخذ في الانتشار منذ أن وجهته روسيا ضد دول الاتحاد الأوروبي، والآن يدخل في إطار الضغوط التي تمارسها تل أبيب على القاهرة لتحقيق أهدافها في غزة، ما يدفع مصر للاتجاه نحو دول لإبرام اتفاقيات طويلة الأجل، بشكل يخفف أي ضغوط تقع عليها.
وبدأت مؤشرات النقص في إمدادات الطاقة تظهر في مصر، وتم خفض إمدادات الغاز للمصانع كثيفة الاستهلاك بنسبة بلغت 10 في المئة منذ نهاية أبريل الماضي، ما يُنذر بتكرار سيناريو العام الماضي الذي شهد انقطاعا في الكهرباء، طال القطاع الصناعي.