سعي أرض الصومال منذ عقود للحصول على الاعتراف: هل يمكن أن تُحدث المصالح الأميركية الفارق؟
بعد أكثر من ثلاثة عقود من إعلان استقلال أرض الصومال من جانب واحد، لا تزال تسعى للحصول على اعتراف دولي كدولة ذات سيادة. ورغم غياب الاعتراف الرسمي، بنت الدولة المنفصلة نظام حكم مستقر نسبيًا. وقد جذب هذا اهتمامًا متزايدًا من القوى العالمية، بما في ذلك الولايات المتحدة. ومع تحول الديناميكيات الإقليمية واحتدام المنافسة بين القوى العظمى، يكتسب سعي أرض الصومال للاعتراف زخما جديدا.
الحجج القانونية والتاريخية
الحركة الوطنية الصومالية هي إحدى الحركات المتمردة الرئيسية القائمة على العشائر والمسؤولة عن انهيار الحكومة المركزية في الصومال. وتطالب بأراضي محمية أرض الصومال البريطانية السابقة. وكانت المملكة المتحدة قد منحت أرض الصومال وضعا سياديا في 26 يونيو 1960.
وحاولت الحكومة الصومالية قمع دعوات الانفصال. ودبر التنظيم عمليات قتل وحشية لمئات الآلاف من الناس في شمال الصومال بين عامي 1987 و1989. لكن الحركة الوطنية الصومالية أعلنت استقلالها من جانب واحد في 18 مايو 1991 وانفصلت عن الصومال.
ومع انهيار النظام الصومالي عام 1991، رحل العدو الرئيسي للحركة. وأدى ذلك إلى صراع عنيف على السلطة بين مختلف الميليشيات. ولم يهدأ هذا الصراع إلا بعد أن عزز السياسي محمد إيغال سلطته. وانتُخب رئيسًا لأرض الصومال في مايو 1993.
وعقد إيغال صفقات مع التجار ورجال الأعمال، مانحا إياهم حوافز ضريبية وتجارية لقبول رعايته. ونتيجة لذلك، حصل على الوسائل الاقتصادية اللازمة لترسيخ سلطته السياسية والسعي إلى السلام وبناء الدولة. وهو ما واصل خلفاؤه العمل عليه منذ وفاته عام 2002.
◙ محادثات مع إدارة ترامب لإنشاء قاعدة عسكرية أميركية بالقرب من بربرة مقابل اعتراف رسمي بأرض الصومال
وتواصل حكومات أرض الصومال المتعاقبة الانخراط في دبلوماسية غير رسمية. لقد تحالفوا مع الغرب، وخاصةً الولايات المتحدة، التي كانت القوة المهيمنة بعد الحرب الباردة، ومع المملكة المتحدة، الدولة المستعمرة السابقة. ويستضيف كلا البلدين جاليات كبيرة من أرض الصومال في الشتات. ولطالما راودت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة فكرة الاعتراف بأرض الصومال، التي يعتبرانها شريكا إستراتيجيا.
ومع ذلك، فقد قوبلت سياساتهما تجاه الصومال بالرفض مرارا وتكرارا. فقد فضّلت هذه السياسات تمكين حكومة مقديشو، التي تحظى بدعم واسع، من إعادة تأكيد سلطتها وسيطرتها على الأراضي الصومالية. وتزايدت الشكوك حول هذه السياسة تجاه الصومال في السنوات الأخيرة، ويعود ذلك جزئيا إلى التحديات الأمنية التي تواجهها مقديشو.
وفي المقابل، أثبتت حكومة هرجيسا في أرض الصومال إلى حد كبير قدرتها على توفير الأمن والاستقرار. فقد أجرت انتخابات وصمدت كدولة على مدى العقود الثلاثة الماضية، على الرغم من مواجهتها مقاومة سياسية ومعارضة مسلحة.
ومع صعود قوى عالمية جديدة، انتهجت إدارات أرض الصومال سياسة خارجية متنوّعة بشكل متزايد، بهدف واحد: الاعتراف الدولي. وتستضيف هرجيسا قنصليات ومكاتب تمثيلية لجيبوتي وإثيوبيا وكينيا وتايوان والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، من بين دول أخرى.
ولأرض الصومال مكاتب تمثيلية في العديد من الدول، منها كندا والولايات المتحدة والنرويج والسويد والمملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية وتركيا وتايوان. وقد نفّرت هرجيسا الصين لتعاونها مع تايوان منذ عام 2020.
وفي 1 يناير 2024، وقّع رئيس أرض الصومال المنتهية ولايته، موسى بيهي، مذكرة تفاهم مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لتعزيز التعاون. وألمح بيهي إلى أن إثيوبيا ستكون أول دولة تعترف رسميًا بأرض الصومال. وتسبب الاتفاق في تدهور حاد في العلاقات بين أديس أبابا ومقديشو. ولاحقًا، عدّل آبي موقفه، وبوساطة تركية، تصالح مع نظيره الصومالي، الرئيس حسن محمود.
الاهتمام الأميركي
كغيرها من القوى العظمى، اهتمت الولايات المتحدة بأرض الصومال لموقعها الاستراتيجي. فهي تقع على السواحل الأفريقية لخليج عدن، قبالة شبه الجزيرة العربية. وقد اكتسب موقعها الجغرافي زخمًا مؤخرًا مع قيام الحوثيين اليمنيين بشن هجمات على حركة الملاحة البحرية في ممرات الشحن المزدحمة.
كما تتمتع أرض الصومال بموقع جيد للحد من القرصنة والتهريب على هذا الطريق التجاري العالمي. وأنشأت القيادة الأميركية في أفريقيا قاعدتها الرئيسية في القرن الأفريقي في معسكر ليمونير بجيبوتي عام 2002. وجاء ذلك عقب هجمات 11 سبتمبر 2001.
وفي عام 2017، أنشأت الصين، التي أصبحت القوة الاقتصادية الأجنبية الرئيسية في القرن الأفريقي، منشأة دعم بحري في جيبوتي. وشجع ذلك على توثيق التعاون بين السلطات الأميركية وأرض الصومال. ودرست الولايات المتحدة فكرة إنشاء قاعدة في بربرة، التي تضم أكبر ميناء في أرض الصومال.
ومع فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2024، وردت تقارير عن تزايد الضغط من أجل اعتراف الولايات المتحدة بأرض الصومال. وسيسمح هذا للولايات المتحدة بتعزيز شراكاتها التجارية والأمنية في منطقة القرن الأفريقي المضطربة.
إهمال مقديشو
منذ مارس 2025، أجرى ممثلون عن إدارة ترامب محادثات مع مسؤولي أرض الصومال لإنشاء قاعدة عسكرية أميركية بالقرب من بربرة. وسيكون هذا مقابل اعتراف رسمي، وإن كان جزئيًا، بأرض الصومال. ترى الباحثة جو أديتونجي في تقرير نشره موقع ذوكونفرسيشن أن تعزيز التعاون الأميركي مع أرض الصومال يُهدد بإهمال الصومال.
◙ اعتراف إدارة ترامب سيسمح للولايات المتحدة بتعزيز شراكاتها التجارية والأمنية في منطقة القرن الأفريقي المضطربة
وتعتمد مقديشو على المساعدات العسكرية الخارجية في معركتها ضد حركة الشباب، الجماعة الإسلامية المتطرفة العنيفة التي تتقدم. كما تواجه تحديًا متزايدا من منطقتين اتحاديتين، بونتلاند وجوبالاند.
وسيُكافئ اعتراف الولايات المتحدة هرجيسا على جهودها الدؤوبة للحفاظ على الاستقرار وتعزيز الديمقراطية. ومع ذلك، قد يُشجع دولا أخرى على الاعتراف بأرض الصومال. وهذا من شأنه أن يُوجه ضربةً للقوميين الصوماليين الذين يُطالبون بدولة واحدة لجميع الصوماليين.
ورسمت القوى الاستعمارية حدود الصومال بشكل مجزأ، حيث كانت أرض الصومال تحت الإدارة البريطانية، بينما خضعت بقية أراضي الصومال لإيطاليا، إلى جانب ضم مناطق صومالية إلى إثيوبيا وكينيا.
وخلق هذا التقسيم شعورًا دائمًا بالحرمان لدى سكان أرض الصومال، الذين رأوا أن وحدتهم مع الجنوب عام 1960 جاءت على حساب كيانهم السيادي الناشئ. ومنذ سقوط نظام سياد بري في 1991، لم تنجح الحكومات المتعاقبة في مقديشو في إعادة بناء دولة مركزية قوية، وهو ما منح الكيانات المحلية، وعلى رأسها أرض الصومال، فرصة لإثبات نفسها كبدائل أكثر فاعلية واستقرارًا.
ودفع هذا الواقع البعض إلى النظر لأرض الصومال كـ”نموذج مضاد” للدولة الفاشلة في الجنوب. ويُعد الشتات من أقوى أدوات أرض الصومال السياسية والاقتصادية، إذ ساهم بدور كبير في تمويل البنية التحتية، ودعم الخطاب السياسي الموجّه للعواصم الغربية، خاصة في المملكة المتحدة وكندا والسويد.
وتشكّل الجالية الصوماليلاندية صوت ضغط لا يستهان به في دوائر صنع القرار، لاسيما مع تنامي الحديث عن مقايضة الدعم العسكري أو القواعد بالاعتراف. وفي سياق التنافس الجيوسياسي العالمي، لا يُعد الاعتراف الدولي مجرد إجراء قانوني بل أداة إستراتيجية.
وتمتنع بعض القوى الكبرى عن الاعتراف بأرض الصومال ليس بسبب عدم أحقيتها، بل لأن الاعتراف قد يُحدث فراغًا استراتيجيًا في مقديشو تستغله أطراف أخرى مثل تركيا أو قطر أو حتى جماعة الشباب.
وشكل التحالف غير الرسمي بين أرض الصومال وتايوان شكّل في تحدي مبدأ “الصين الواحدة”، لكنه أيضًا منح أرض الصومال زخمًا دبلوماسيًا باعتبارها دولة تبحث عن اعتراف خارج الإطار التقليدي للأمم المتحدة. وزاد هذا التحالف من تعقيد موقع هرجيسا في الحسابات الدولية، لكنه أيضًا عزز فكرة بناء التحالفات بين “الكيانات غير المعترف بها رسميًا.”
وينذر اعتراف دولة كبيرة كالولايات المتحدة أو إثيوبيا بأرض الصومال يُنذر، من وجهة نظر بعض الدول الأفريقية، بإعادة فتح ملف الحدود الموروثة عن الاستعمار، ما قد يشجع كيانات أخرى في أفريقيا (مثل تيغراي أو كاتانغا أو كازامانس) على المطالبة بالانفصال، وهو ما يجعل العديد من الحكومات تحجم عن دعم هذا المسار علنًا رغم تفهمها له ضمنيًا.