ترامب في الرياض.. زيارة تاريخية لاعتبارات سياسية واقتصادية وأمنية

وكالة أنباء حضرموت

تأخذ سياقات زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السعودية أبعادا متعددة، ليس فقط لأنها الأولى له خارج الولايات المتحدة منذ توليه ولايته الرئاسية الثانية، وإنما لأن تلك الأبعاد فرضتها طبيعة التطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية وكذلك أيضا الأمنية.

ورغم طابعها الثنائي، فإن تلك السياقات أدخلت هذه الزيارة في مربع الاهتمام غير العادي على الصعيدين الإقليمي والدولي، لاعتبارات مرتبطة بالتوازنات في المنطقة التي اختلت أسسها وتهاوت أركانها تحت وطأة السلاح حينا، وخطاب التصعيد المباشر الذي تجاوز حده الاعتيادي ليدخل في مربع الابتزاز.


ومع ذلك، لم يتردد المراقبون في وصف هذه الزيارة بأنها “حدث مفصلي”، من شأنها تحريك البوصلة السياسية في المنطقة العربية نحو العاصمة السعودية الرياض، باعتبار أن اختيار ترامب المملكة العربية السعودية كأول محطة خارجية له يعكس حجم الثقة الدولية بدورها.

ورأوا أن السعودية استطاعت قراءة التحولات الدولية بحنكة سياسية مكنتها من إعادة تموضعها كرقم فاعل قادر على خدمة مصالحها أولا، وكذلك خدمة القضايا العربية الحساسة، وخاصة منها القضية الفلسطينية، حيث أكدت مرارا على تمسكها بإقامة الدولة الفلسطينية كشرط ومدخل لمناقشة أطروحات ترامب التي تضغط نحو التطبيع العربي مع إسرائيل.

ولا يستبعد المراقبون الذين توافدوا على العاصمة السعودية لمتابعة هذه الزيارة، أن تكون لها انعكاسات تتجاوز الملفات الثنائية لتطال ملفات إقليمية ساخنة وذلك في انسجام مع مواقف السعودية في دعم الاستقرار والتنمية كأدوات رئيسية لتحقيق الأمن في المنطقة.

ويستند هذا الرأي إلى عدة معطيات لعل أبرزها أن النتائج المرتقبة لهذه الزيارة لن تقتصر على الصعيد الثنائي السعودي – الأميركي، وإنما ستشمل الإقليم بشكل عام بالنظر إلى أنه سيتم على هامشها عقد قمة خليجية – أميركية، بما يعني أن نتائجها ستنعكس دون شك على مجمل المنطقة العربية بمختلف قضاياها السياسية والاقتصادية والأمنية.

ووصفت نوال الجبر، مديرة تحرير جريدة “الرياض” السعودية لـ “العرب”، زيارة ترامب إلى السعودية بأنها “محطة مفصلية” بالنظر إلى توقيتها الذي أكسبها أهمية إقليمية ودولية في ظل ما يواجه العالم حاليا من تحديات عابرة للحدود.


وأعربت عن اعتقادها بأن هذه الزيارة “ستؤسس لنموذج جديد من الشراكة بين الولايات المتحدة والسعودية لا تقتصر على البعد الاقتصادي، بل تمتد إلى التقنية، الابتكار، واستثمار رأس المال البشري، بما يتسق مع أهداف رؤية 2030.”

وأضافت أن “نتائج الزيارة ستعكس التزام الطرفين ببناء تعاون قائم على الاحترام المتبادل، وروح الانفتاح، بما يساهم في ترسيخ الاستقرار الإقليمي، وتحقيق نظام اقتصادي أكثر عدالة.”

وبدوره اعتبر حازم الشرقاوي، مدير تحرير صحيفة “الأخبار” المصرية، أن توقيت هذه الزيارة التي تتزامن مع عقد القمة الأميركية – الخليجية أكسبها أهمية بالغة.

وشدد في تصريح لـ “العرب”، على أن “وحدة الموقف الخليجي تمثل صمام أمان لاستقرار المنطقة،” لافتا في هذا السياق إلى أن جولة ترامب في المنطقة تشمل أيضا الإمارات العربية المتحدة وقطر.

وأشار إلى أن هناك استثمارات سعودية بقيمة 600 مليار دولار في السوق الأميركية، ومشاريع لتوطين الصناعات الأميركية في الخليج، إلى جانب القضايا الإقليمية التي سيتم تناولها في هذه الجولة كأزمة غزة وتهديدات الحوثيين في البحر الأحمر، وغيرها من المسائل الأخرى التي تؤرق المنطقة والعالم.

من جهته، قال المحلل السياسي مسعود الفك إن هذه الزيارة تُؤشر إلى أن السعودية، ومعها دول الخليج العربي أصبحت شريكا سياسيا واقتصاديا في صناعة القرار الدولي.

واعتبر في تصريح لـ “العرب”، أن هذه الزيارة تعكس تحولا جوهريا في موقع دول الخليج ضمن النظام الدولي، قائلا في هذا السياق، إن “السعودية ودول الخليج باتت شريكا لا غنى عنه للولايات المتحدة، ليس فقط في ما يخص أمن الطاقة، وإنما يشمل أيضا كبرى الملفات التي تؤرق العالم منها ملف مكافحة الإرهاب، وإعادة هندسة تشكيل التوازنات الإقليمية والدولية على قاعدة المصالح المشتركة.”


وأردف أن دول الخليج العربي أصبحت اليوم لاعبا محوريا في أزمات دولية مثل النزاع الروسي – الأوكراني، حيث يُنظر إليها كوسيط متوازن، إلى جانب مكانتها الاقتصادية وتأثيرها على الأسواق العالمية من خلال النفط الذي مازال يحتل مكانته المرموقة في مجمل اقتصاديات العالم.

وكان الرئيس الأميركي قد وصل إلى العاصمة السعودية الرياض حيث كان في استقباله ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

وعقد على هامش هذه الزيارة منتدى الاستثمار السعودي –  الأميركي افتتحه وزير الاستثمار السعودي المهندس خالد الفالح، بكلمة أكد فيها أن هذا المنتدى الاستثمار السعودي – الأميركي يعزز الشراكة بين البلدين، مشدداً في الوقت نفسه على أن الشراكة مع الولايات المتحدة هي من أهم شراكات السعودية.

وقال “يتضح من هذه الزيارة المهمة، أن علاقتنا الثنائية هي واحدة من أهم الروابط الإستراتيجية الجغرافية في العالم مع التعاون الاقتصادي والشراكات التجارية في صميمها، وتعمل قوة للسلام والازدهار العالمي. ونحن هنا كجزء من جهودنا، وجهودنا المشتركة لتحقيق التنمية وتوسيع استثماراتنا وتجارتنا مع الولايات المتحدة على مدى السنوات الأربع المقبلة بمبلغ 600 مليار دولار.”

وأشار إلى أن المملكة تواصل توجيه استثماراتها نحو مجالات إستراتيجية تشمل الصناعات المتقدمة، والذكاء الاصطناعي، والتقنيات الحيوية، والخدمات اللوجستية، وسلاسل الإمداد، وغيرها من القطاعات التي تُعدّ ركيزة أساسية لمستقبل الاقتصاد.

وتابع الوزير السعودي قائلا إن “التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم، سواء على الصعيد التكنولوجي أو في ظل التقلبات الاقتصادية، تفتح المجال أمام فرص واعدة لإعادة تشكيل ملامح الاقتصاد الدولي.”