السعودية تعزز إنفاقها العسكري وسط تحولات أمنية إقليمية

وكالة أنباء حضرموت

في مؤشر يعكس استمرار سعي السعودية إلى تعزيز القدرات الدفاعية، زاد الإنفاق العسكري في المملكة خلال الربع الأول من العام الجاري بنسبة 4 في المئة، ليبلغ 51.4 مليار ريال (نحو 13.7 مليار دولار)، مقارنة بـ49.3 مليار ريال في نفس الفترة من العام الماضي، وفق ما أظهره بيان الموازنة الصادر أمس الاثنين.

ويمثل هذا الإنفاق نحو 19 في المئة من مجمل الموازنة المخصصة للقطاع العسكري هذا العام، والبالغة 272.3 مليار ريال، ما يعكس أهمية القطاع ضمن أولويات السياسة المالية للمملكة، لاسيما في خضم المشهد الأمني الإقليمي المترنح والتحديات الجيوسياسية المتزايدة في المنطقة.

وتأتي هذه الزيادة في ظل تحركات متسارعة لتعزيز التعاون العسكري مع الولايات المتحدة، إذ وافقت وزارة الخارجية الأميركية على صفقة بيع صواريخ “جو – جو” متوسطة المدى للسعودية بقيمة تقديرية تبلغ 3.5 مليار دولار.

وتضاف هذه الصفقة إلى حزمة من الاتفاقيات الدفاعية التي أعلنت عنها واشنطن مؤخراً، من بينها بيع أنظمة أسلحة دقيقة التوجيه، ما يشير إلى استمرارية الشراكة الإستراتيجية بين البلدين في المجال الدفاعي، خصوصا مع قرب زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الرياض.

زيادة الإنفاق العسكري السعودي يعكس مسعى إستراتيجيا نحو تعزيز الردع الإقليمي وتوطين الصناعات الدفاعية

وتحتل السعودية موقعا متقدما على مستوى الإنفاق الدفاعي عالميا، حيث صنّفها تقرير صادر عن الهيئة العامة للصناعات العسكرية ضمن أكبر خمس دول إنفاقا عسكريا في العالم والأولى عربيا، بعد أن سجلت قيمة إنفاق بلغت نحو 75.8 مليار دولار في عام 2024، بمتوسط نمو سنوي قدره 4.5 في المئة منذ عام 1960.

ويفسر المراقبون هذا التوجه بالارتباط المباشر بين السياسات الدفاعية للمملكة وبين المتغيرات الأمنية الإقليمية، سواء في اليمن أو الخليج العربي أو على مستوى التهديدات الصاروخية والطائرات المسيّرة. كما يُنظر إلى الإنفاق الضخم كمكوّن من مكوّنات رؤية 2030، لا فقط من زاوية التسليح، بل أيضا من حيث توطين الصناعات العسكرية وتعزيز استقلالية القرار الدفاعي السعودي.

وفي الوقت الذي تراهن فيه الرياض على بناء قدرات ردع متقدمة، تواصل جهودها في تطوير صناعاتها الدفاعية المحلية، بالشراكة مع شركات عالمية، ما يعزز مكانتها كفاعل إقليمي ذي ثقل عسكري وإستراتيجي، في منطقة لا تزال تشهد اضطرابات مزمنة وتنافسات مفتوحة على النفوذ والتسليح.

ويأتي هذا التصعيد في وتيرة الإنفاق العسكري ضمن تحول أوسع في العقيدة الدفاعية السعودية، التي باتت تتجه تدريجيا من الاعتماد الكلي على الحلفاء الغربيين إلى بناء منظومة أمنية وطنية أكثر اكتفاءً ذاتيا.

ويتجلى ذلك في إنشاء الهيئة العامة للصناعات العسكرية عام 2017، والتي أوكلت إليها مهمة توطين ما لا يقل عن 50 في المئة من الإنفاق العسكري بحلول عام 2030.

وتسعى السعودية إلى تحويل قطاع الدفاع من عبء على الموازنة إلى رافعة اقتصادية، عبر جذب استثمارات محلية وأجنبية، وإنشاء مجمعات تصنيع عسكري، وتطوير برامج بحث وتطوير في مجالات مثل الطائرات دون طيار، والحرب السيبرانية، وتقنيات الدفاع الجوي.

ويعكس هذا التوسع في الإنفاق أيضا رغبة المملكة في تثبيت موقعها كضامن أمني في شبه الجزيرة العربية، في ظل تراجع نسبي في حضور القوى الدولية التقليدية، وتعدد بؤر التوتر من اليمن إلى العراق، مرورًا بإيران.

وتُعد المناورات العسكرية المتكررة، وتكثيف العلاقات الدفاعية مع قوى آسيوية مثل الصين وكوريا الجنوبية، مؤشرات إضافية على تنويع مصادر القوة والردع.

قوة ردع كبيرة

ويرى محللون أن زيادة الإنفاق العسكري السعودي لا تُقرأ فقط في ضوء التهديدات المباشرة، بل في سياق إعادة تشكيل توازنات القوة في منطقة الخليج، وتحول المملكة من مستورد للسلاح إلى صانع محتمل للأمن الإقليمي.

وتراهن السعودية على تحديث هيكل القوات المسلحة، من خلال برامج متقدمة لإعادة تنظيم وتدريب الجيش، وتوسيع القدرات الاستخباراتية والتقنية، بما في ذلك تعزيز قدرات الحرب الإلكترونية والدفاع السيبراني.

وقد بدأت هذه الجهود تظهر في تطوير الكليات والمعاهد العسكرية، وتكثيف التعاون مع المؤسسات الدفاعية الغربية من أجل نقل المعرفة وبناء الكوادر.

وعلى الصعيد الدولي يتقاطع هذا التوجه مع سياسة “تنويع الشراكات الدفاعية”، حيث تعمل الرياض على توسيع التعاون مع دول مثل فرنسا والمملكة المتحدة، إضافة إلى الشركاء التقليديين في واشنطن، وذلك لتقليل الاعتماد على مصدر واحد للتسلّح، ولضمان استقرار الإمدادات العسكرية في حالات الطوارئ الجيوسياسية.

وتعتبر السعودية أن امتلاك قدرات عسكرية متطورة لا يخدم فقط هدف الردع، بل يمنحها كذلك ورقة قوة في علاقاتها الدولية، سواء على طاولة التفاوض في ملفات الطاقة والاقتصاد، أو في صياغة التوازنات الجديدة داخل منطقة تعيش تحولات كبرى بعد تراجع النفوذ الأميركي التقليدي، وصعود أدوار كل من الصين وروسيا كلاعبين أمنيين واقتصاديين.

ولا يمكن فصل الإنفاق الدفاعي عن المسار العام لتكريس السعودية كقوة إقليمية ذات عمق إستراتيجي، تسعى إلى إعادة تعريف الأمن الخليجي بمفردات جديدة، تتجاوز نماذج التحالفات التقليدية نحو نظام إقليمي أكثر اعتمادًا على القدرات الذاتية.